غيَّبَ الموت الصحافي والكاتب القدير في “النهار” راجح الخوري بعد صراعٍ مع المرض ليختتم مسيرة مهنيّة مديدة حافلة بالكتابات والمواقف الجريئة.
ونعى الزميل القدير خوري عدد من الإعلاميين، استذكروا الراحل الكبير بعبارة “أستاذنا كلّنا”.
وتحت عنوان “وداعاً راجح الخوري… أصالة الزمن الراحل” كتبت ” النهار ” تقول :
أن تنعى “النهار” أحد كبار أعمدتها وأركانها وكتّابها في ليل لبنان القاتم، فهذا قدر مؤلم موجع بقدر ما هي خسارتنا وخسارة الصحافة اللبنانية والعربية جسيمة ومؤلمة برحيل الزميل الكبير راجح الخوري. أن تقل راجح الخوري يعني أن تقارب أحد الكتاب الكبار الأصيلين من رعيل الكبار الكبار الذي رفعوا اسم هذه المهنة الرسالية، كما كان يصفها معلمنا غسان تويني، والذين نذروا العمر والتضحيات على مذبح الكلمة الحرة والحقيقة العارية والجرأة التي لا تعرف تراجعا وخوفا.
راجح الخوري هو من رعيل نادر معاند في رفع معنى ومستوى الكلمة والمقال والتحقيق والعمل الصحافي ويكفي أن يكون تلامذته الصحافيين منتشرين في عشرات الصحف ووسائل الإعلام، لنعرف كم كان هذا الراحل متفانيا في عمله من أستاذ في “كلية الإعلام” إلى منابر الليل والنهار وكل لحظة. راجح الخوري عمر مديد من التعبّد للصحافة من “العمل” إلى “الحوادث” إلى “الحياة” إلى “نداء الوطن” إلى “النهار” و”الشرق الأوسط”، في المقالة والتحقيق وإدارة التحرير والاقسام المحلية والخارجية والتحقيقات، إلى أخلى ما كان يطيب له وهو المقال اليومي.
هذا المتفاني في الكتابة كاد يلاقي وجه ربّه مرات ومرات في جولات الحرب والانقسام. ولكنّه مرة قبل سنوات، في زمن السلم هذا، سجّل مأثرة نادرة إن عكست شيئاً فهي عينة فريدة من شجاعته وتعلّفه المفرط بمهنته إلى حدود المخاطرة بحياته. كان عائداً من سفر ألى مؤتمر شارك فيه في دولة عربية، فأصيب على الطائرة بذبحة قلبية نجا منها بأعجوبة قبل هبوط الطائرة. وأول ما نطق به لدى اسعافه في مطار رفيق الحريري الدولي: “أريد أرسال مقالي إلى “النهار” قبل أن يسكروا الصفحات”. أُرسِلت مقالة راجح إلى “النهار” قبل أن ينقل راجح إلى المستشفى.
راجح الخوري، الكاتب صاحب القلم الواسع الثقافة والواسع الاطلاع والحريص على توفير المعلومات والمعطيات الوافرة لقارئه، يطبعه أسلوب لاذع قاس حين ينبري إلى ما يليق بتاريخه الصحافي في النقد والانتقاد ورفع سيف المراقبة والمحاسبة والانحياز المطلق الى قضايا اللبناني الانسان أولاً وأخيراً. في تاريخ راجح الخوري ما لن يكفي في هذه العجالة الحزينة وحدها بعدما دهمنا الخبر المفجع أن نفيه حقه أمام الجيل الجديد من الصحافيين، كما أمام المخضرمين والقدامى من جيله ومِمَن كان لهم الحظ أن يزاملوه ويرافقوه ويشاركوه متعة ومرارة هذه المهنة.
راجح الخوري من الكتّاب النادرين العريقين الذين عرفوا رسم الحدود الفاصلة بين انخراطهم في أدوار سياسية والاستمرار في نقاء الصحافة وأصولها. كان راجح الخوري من الذين ساهموا مساهمة كبيرة ومؤثرة للغاية في صناعة سيرة الرئيس المنتخب “الأيقوني” بشير الجميل لجهة وضع الاستراتيجيات والخطط الأساسية، كما في الاستشارات اليومية أيضاً. استشهد بشير، فكان راجح الخوري المستشار الأساسي لدى الرئيس أمين الجميل ووضع كتاباً عن عهد الرئيس الجميل. انخرط بقوّة في تخريج أجيال الصحافيين في سنوات الحرب من خلال توليه مهمة التدريس في “كلية الإعلام”- الفرع الثاني. بعد انضمامه إلى أسرة ” النهار” في التسعينيات، تفرّغ لإدارة أقسام عدّ،ة ومن ثم تفرغ تماماً للمقال اليومي وكذلك فعل في الزميلة “الشرق الأوسط”. كان يقيم طقوساً للمقالة، تبدأ من مطلع النهار الباكر إلى آخر الليل. لا يسمح راجح بأيّ خبر ناقص يفوته قبل أن يدفع بمقاله إلى النشر. مع ثورة الانترنت صار “نهمه” إلى التقصٍي بلا حدود، فلا يترك شاردة وواردة إلّا ويتابعها وينوّع معرفته. قاوم مرضه بشجاعة نادرة. لم يقف قلمه إلّا لحظة الرحيل. ننعيكَ ونبكيكَ راجح الخوري خسارة كبيرة للصحافة والإعلام، ونودّعك وأنتَ الذاهب إلى جانب أحبّائنا الذين سبقوكَ.
المصدر : النهار