النهار: سابين عويس
من عين المراقب القلق على مصير البلاد، يطل الرئيس فؤاد السنيورة على ما آلت اليه الاوضاع السياسية والاقتصادية والمالية في ظل الازمة التي بلغتها الامور على مختلف الصعد، ليعرب عن مخاوفه وهواجسه، ولكن من دون أن يتخلى عن نفحة أمل، يرى أن على السياسيين، كما على الاعلام أن يبثوها، على قاعدة ان الأوطان تمر بأزمات لكنها لا تنهار، وأن فرص النهوض لا تزال قائمة وسانحة، وهي لا تتطلب أكثر من القرار الجدي والمسؤول.
حلّ السنيورة ضيفا على “النهار” حيث كان له سلسلة مواقف من الاوضاع القائمة، استهلها بالتوقف عند ما نشرته “نيويورك تايمز” أمس، متسائلا عن الاسباب الكامنة “وراء هذه الاثارة التي تأتي في اطار حملة استهداف يتعرض لها رئيس الحكومة سعد الحريري”، مستغربا التوقيت الذي وصفه بـ”المريب، لكونه ليس مصادفة او بريئا”، ومبديا تخوفه من المس بالمحظورات كما هو حاصل حاليا، والتداعيات التي ستترتب على ذلك، في ظل الظروف الدقيقة والخطيرة التي يمر فيها لبنان. ويلخص ما تشهده البلاد حاليا على صعيد الحملات والاستهدافات والاشاعات بجملة واحدة وانما كثيرة التعبير: “سنرى محاكمات ميدانية!”
لا يسع السنيورة، عندما يَسأل عن الوضع الاقتصادي ومدى قدرة أموال “سيدر” ان تسهم في معالجته، إلا أن يجري مقارنة بين “سيدر” ومؤتمر “باريس 2″ حيث الظروف تتشابه، وتختلف المقاربات. يستعيد تلك المرحلة من العام 2002 عندما حملت حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى باريس رزمة من القوانين المتصلة بالكهرباء والاتصالات والطيران المدني، فضلا عن اعادة تنظيم لقطاعات الاعلام و”تلفزيون لبنان” وطيران الشرق الاوسط، “متوجة بقصة نجاح كانت الاولى في العالم العربي وتمثلت بإرساء الضريبة على القيمة المضافة”. وقال إن “هذه الرزمة التي أعقبت بإقرار موازنة 2003 عكست صدقية الحكومة والتزامها ليس تجاه المانحين، وانما تجاه مسار الإصلاح المطلوب في الداخل”.
ويتوقف بأسف كبير عند موازنة 2003 “التي سُحبت منها كل الاصلاحات بعدما جمدت قوى النفوذ في حينها تحت الوصاية السورية كل مشاريع القوانين الاصلاحية، تماما كما حصل مع قانون سلسلة الرتب والرواتب في عهد الرئيس اميل لحود”.
مَن “يقضم” أراضي القاع ولِمَ تُطلق يد النازحين للبناء؟
ويعجب السنيورة من حالة “تقاذف المسؤوليات والاختلاط في السلطات خلافا للدستور، وموقع رئيس الجمهورية الذي يفترض ان يكون الحكم، الحامي للدستور والساهر على تطبيقه. نحن نمارس عكس ما يجب في سياساتنا المالية والاقتصادية والخارجية، واقتناعي ثابت بأن لبنان يحكم بقوة التوازن وليس بتوازن القوى. فتوازن القوى هو دعوة يومية للتقاتل والتآمر على بعضنا البعض، وكله لخدمة مصالح شعبوية تغذي الدفع نحو فتنة متنقلة”.
يأسف السنيورة لـلاستغلال المحلي لـ”النظرية المضرة القائمة، ومؤدّاها أن العالم لا يتركنا نقع”، مؤكدا أن العالم لديه مصالحه وانشغالاته واولوياته، ولبنان ليس على شاشة الرادار الدولي راهنا. في باريس، اجتمع العالم وابدى الاستعداد للدعم والمساعدة، ولكن ماذا فعلنا في المقابل؟ المساعدات التي تنتظرنا في الطبقة العشرين من مبنى من دون مصعد، تتطلب منا بعض الجهود لتخفيف الاوزان الزائدة والترهل والعمل على الترشيق، لكننا غير مستعدين، ونبحث عن مصعد غير متوافر!
للسنيورة نظريته في الرئيس القوي، يرددها علّ من يهتدي بها. قالها من بكركي ولا يزال: “قرار انتخاب رئيس الجمهورية وطني وليس مسيحيا. لا احد يريد رئيسا ضعيفا، لكن القوي لا يكون قويا بعضلاته او بعقله، بل بكونه مقبولا من الجميع وفوق الجميع. وهذا سلاح نووي منحه الدستور للرئيس. قولوا لي من يجرؤ على تحدي رئيس يدافع عن الدستور ويطبقه ويصونه؟”.
ويذهب أبعد في استعارته للتوصيف: الرئيس أو المسؤول عندما يشتهي ينتهي.
ماذا عن الحل والافق للمستقبل؟
يقول: “نحن اليوم في انتظار معجزة قد لا تأتي نتيجة اختلال التوازن الداخلي الناتج بدوره من اختلاله الخارجي. واقول لمن يتصرف وكأنه حقق انتصارا: مهلا، اللعبة ما زالت شغّالة. أما الحل، فلا خيار إلا بالعودة الى استعادة الثقة بين الناس والدولة والمجتمع السياسي، من خلال المعايير الصحيحة التي تجمع الوطن بأهله حول الدستور والدولة. فالمعالجة بالمراهم انتهت وبتنا في مرحلة معالجة الاشتراكات الناتجة من تفاقم الالتهابات”.
ليس السنيورة مقتنعا بمسألة “الدولار الاجتماعي لتمويل استيراد النفط والقمح والدواء، لأنه سيستنزف احتياطات المصرف المركزي من دون أن تأتي بأموال جديدة، وتشجع السوق الموازية للدولار، وتدخل البلاد في دوامة التضخم”. ويستغرب كيف ان حكومة الائتلاف الوطني التي تأتي عادة في ظروف استثنائية لا تتعامل مع الظروف الاستثنائية الراهنة، مؤكدا ضرورة التمسك باستقلالية السلطة النقدية “لأن الحاكم ايضا اذا كان مشتهيا، يصبح اقل صمودا واكثر طواعية”.
هل المشكلة سياسية او نقدية؟ يجيب بالعودة الى 8 أعوام مضت حيث النمو لم يحقق اكثر من نصف في المئة، بالتوازي مع عجوزات متنامية في الموازنة والخزينة وميزان المدفوعات. وما نشهده ليس الا نتيجة تراكمات الحمل الثقيل. والسياسة النقدية عندما وُضعت كان يجب ان تتناغم مع السياسات الاقتصادية والمالية، لأنها وحدها عاجزة عن تغطية الانفلاش والتهريب والتفلت. وتثبيت العملة لا يتم بالعصا، بل بالثقة”.
يؤمن السنيورة بأنه واهم من يظن أن في الإمكان الانتقال من الظلام الدامس الى الضياء الكامل. فالناس تريد ان ترى أننا نمشي على البوصلة الصحيحة، لكن هذا لا يحصل، “أما نحن من موقعنا المراقب، فواجبنا ان ندلل على الطريق، وإلا فإن نهاية الطريق ستكون كنهاية طريق الثيران الهائجة”.
يختم السنيورة بنفحة متفائلة وإنما بتحفظ: “ما زلت مؤمنا بأن الخروج من المأزق ممكن، لكننا في حاجة الى قرار، الى اشارات جدية ومسؤولة لم تأت بعد!”.