وسط كل هذا الصخب والضجيج الذي لف الإمتحانات الرسمية في لبنان ونتائجها وتفاصيلها ، ووسط الإنتقادات التي تعرضت لها نور ، بريق يلمع في شمال لبنان وتحديداً في بلدة بطرماز ، قضاء الضنية ، يشق العتمة ليشع تفاؤلاً في قلب امرأة شابة تحدت كل الظروف الإجتماعية الصعبة في سبيل النجاح ، لتكون الحدث في لبنان ، أم لخمسة أبناء بينهم توأم تدرس مع أولادها وتعمل ، وتنجح في الشهادة المتوسطة لتحقق حلمها الصعب المراد بالسفر وملاقاة أمها في إستراليا .
هي قصة إمرأة لبنانية تحمل على عاتقها ، الكثير من المسؤولية والمعاناة والطموح مع تحد وإصرار للوصول الى الهدف المنشود ، تعمل في كافتيريا المدرسة من ضمن اهتمامها بإعداد الطعام وخصوصا للأطفال ، تفتخر نور بزوجها العامل في مجال البناء ، داعمها الأول وتعطي بعض الدروس الخصوصية في البلدة للطلاب في المرحلة الإبتدائية ،في الفترة المسائية قررت مؤخراً أن تتقدم بطلب حر للشهادة المتوسطة ، فثابرت ونجحت واحتفلت مع أولادها وزوجها بنجاحها .
nextlb إتصل بالطالبة والزوجة والأم ، الحديث معها كان مشوقاً ، فكلما زودتك بمعلومة تفتح لك آفاقاً لمعلومة أخرى ، إبنة السادسة والعشرين ربيعاً تعيش في بلدة بطرماز من أصول طرابلسية تربت في بيت جدها لوالدها لتتزوج في عمر مبكر (15 عاماً) وتصبح أماً في السادسة عشرة ، ربما هروباً من واقعها المؤلم بعد انفصال أبويها ، والتخلي عنها وعن أخيها وهجرة والدتها الى إستراليا لتبني حياة أخرى هناك .
عند نور لاشيء إسمه مستحيل ، والطموح المقبل ، شهادة البكالوريا اللبنانية ، والسبب هو محاولة الحصول على فيزا عمل تمكنها من السفر الى أمها التي حرمت منها بعد أن حاولت السفر اليها مراراً، ورفض طلبها كونها لا تعمل ولا تحمل شهادة .
وتضع نور نصب أعينها هدفاً تسعى الى تحقيقه ، وهو أن تصبح طاهية “شيف” فهي تتقن مهنة الطبخ وتبرع فيها ولديها فكرة جيدة عن هذه المهنة …وكانت البداية شهادة البريفيه .
هي أم ل خمسة أولاد كبيرهم جمال وهو بعمر 11 عاماً مع توأم هما مي وملك ، وإبنتين صغيرتين ، أسماء ودلال ، وجميعهم أنهوا عامهم الدراسي بتفوق ونجاح ، بما فيهم أم جمال الطموحة التي تحترم دور المرأة ، وتحلم بالوصول الى أمها التي كما قالت : “عاشت الكثير من الظلم بعد أن سلبنا من حضنها صغاراً “.
تتحدث نور الواثقة من تحقيق هدفها وصوت الأطفال يعلو على صوتها من خلال الهاتف ، ورغم صعوبة ذلك ترتب أولوياتها وتقول : “أصبحت أماً وأنا في السادسة عشرة من عمري ، وأدين لزوجي بوقوفه الدائم الى جانبي ودعمي معنوياً ، وتأمين مدرسين خصوصيين لي لتدريسي المواد العلمية ، فأنا تركت المدرسة من الصف الثالث متوسط ( الثامن) قبل عشرة أعوام .
ولم تنس نور من شجعها على ذلك وهي الدكتورة في كلية التربية والفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية مها خالد قريبة العائلة ، فقد أعطتها نصائح الإنطلاق لتغدو اليوم طالبة ناجحة وأماً لخمسة أطفال وحديث المجتمع الشمالي ويفخر بها زوجها وأبناؤها وتقدر وتدين بالشكر لمديرة مدرسة بطرماز الرسمية المختلطة جومانة ضناوي التي وقفت الى جانبها معنوياً ، ولا تنسى كذلك أن تشكر مسؤولي وزارة التربية الذين آمنوا بها وبقدراتها ، وسمحوا لها بتقديم طلب حر لشهادة البريفيه
وتختم نور حديثها مقتنعة بنجاحها، ولو لم يكن مقروناً بدرجة الإمتياز بسبب ظروفها ، لكنها تعد بأن تكمل المسيرة لتنال شهادة البكالوريا بتفوق ، وهي تستعد للدخول الى المرحلة الثانوية في بلدتها والهدف : العلم ولقاء الأم البعيدة
وتبقى نور ومثيلاتها عنواناً للأمل في بلد يفقد أبناؤه فيه طموحهم شيئاً فشيئاً ، ليغادروه عندما يتسنى لهم ذلك .
[email protected]
حقوق النشر محفوظة
يمنع نسخ المقال دون ذكر المصدر واسم الكاتب