أحمد الأيوبي
لم تكن مبادرةُ التلاقي التي أطلقتها اللجنة الإجتماعية – الثقافية في مجدل عنجر حدثاً عادياً ، أو إحتفالاً عابراً ، بل كانت محطةً غنية بالرسائل الإيجابية المفعمة بإرادة العيش المشترك والتعاون بين البلدة ومحيطها المتنوع ، بعد سنواتٍ من تعرّض البلدة لحملات التهميش والإستهداف.
بوابة لبنان الشرقية ونقطة التقاء الحضارات ، تزيّنت بأبهى حللها لتبهر زائريها الذين جمعتهم في عشاء قروي نظمته اللجنة الاجتماعية – الثقافية في مجدل عنجر مؤخراً ، في إطار مشروع دعم المجتمعات اللبنانية المضيفة (آليات الاستقرار الاجتماعي) المشترك بين برنامج الأمم المتحدة الانمائي ووزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع بلدية مجدل عنجر وجمعية حركة السلام الدائم بتمويل من المملكة المتحدة.
• حدث ثقافيّ وطنيّ
لم يكن العشاء القرويّ مجرّد دعوة عابرة ، بل شكّل محطة لإعادة ضخّ الحيوية في شرايين التواصل بين مجدل عنجر وجوارها ، وخاصة بلدة القاع التي حضر رئيس بلديتها وفعالياتها ليلاقوا أهل المجدل وسط أجواء تراثية راقية.
افتتح العشاءَ القروي رئيسُ بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين ورئيس اللجنة الإجتماعية-الثقافية محمد حمود وفعاليات من أهالي البلدة على وقع الموسيقى التراثية.
شكر ياسين القيّيمين على المشروع والمموليين الداعمين للبلدة وأهلها والقرى المجاورة وأهالي القاع على مشاركتهم. ثم ألقى الشاعر طوني مطر (القاع) قصيدة أثنى فيها على مجدل عنجر وعلى ضيافة أهلها وأكد فيها ثبات العلاقة العميقة بين أبناء المنطقة.
تخلل العشاء القروي مأكولات تراثية ونشاطاتٌ ترفيهية للأطفال. ثم إختتم بحفل شعري-موسيقي في ديوان الشعر العربي.
• اللجنة الثقافية – الإجتماعية: رؤية وإنجاز
توضح الدكتورة منى عبد الرحمن بإسم اللجنة أنها دأبت منذ نشأتها على السعي للتصدي للصورة النمطية التي روّجها بعض الإعلام عن مجدل عنجر ، عبر مشاريعها التي أقيمت في العامين الماضيين.
أما عن إختيارها العشاء القروي من ضمن مجموعة نشاطات ، فهي تسعى إلى تحقيق هدفين:
ــ الأول: على مستوى مجدل عنجر ، ويهدف إلى إيجاد مساحة لقاء وتواصل بين أهالي البلدة لتخفيف التوتر الذي قد ينتج عن إختلاف وجهات النظر في ما يخص الانتخابات البلدية أو النيابية وغيرها من القضايا المستجدة.
ــ الثاني: إستقطاب أهالي البلدات المجاورة وقرى البقاع الشمالي عبر توجيه دعوات خاصة لهم.
وقد كانت مشاركة أهالي بلدة القاع (البقاع الشمالي) مميزة ودافئة في العشاء السنوي الأول حيث وجهوا الدعوة لأهالي مجدل عنجر لزيارة منطقة القاع.
لم تكتفِ مجدل عنجر بجذب الأضواء من خلال مشروعها التواصلي ، بل آثرت أن تعود بالزمن الى الوراء الى الحقبة التي توجهتها عاصمة للبقاع ، وهي التي قاست لسنوات من الصورة النمطية التي لم تشببها يوماً، فأعلنت من خلال هذا الملتقى أنها عاصمة الفرح والمحبة وكذلك ستبقى.
• مجدل عنجر على الخارطة الوطنية
تقع مجدل عنجر على سفح سلسلة جبال لبنان الشرقية عند نقطة الحدود اللبنانية السورية المعروفة بالمصنع. كان للبلدة شأناً عظيماً في التاريخ منحها إياه موقعُها الجغرافي الإستراتيجي حيث أنها شكلت الملتقى بين بيروت ودمشق والحدود الجنوبية فهي تبعد المسافة نفسها عن المراكز الثلاثة.
اعتمد أهالي البلدة على الزراعة بداية، ثم ازدهرت التجارة مع ازدياد النشاط على طريق الشام الدولية.
يبلغ عدد سكان البلدة ٢٣٠٠٠ ألف نسمة. كما يقطن حوالي ٣٠٠٠٠ ألف نازح سوري فيها منذ بداية الأزمة في سوريا.
• مجدل عنجر في قلب المعركة السياسية
عام ٢٠٠٥ واثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إنقسم اللبنانيون بين مواليين للنظام السوري أو ما يسمى بحلف ٨ آذار وبين معارضين لهذا النظام أو ١٤ آذار. وقفت مجدل عنجر في خط الدفاع الأول عن سيادة لبنان واستقلاله عن أي إحتلال على أرضه. فكانت السبّاقة إلى ملئ ساحة الشهداء بالعزيمة والإندفاع نحو بناء دولة ينضوي أبناؤها تحت حماية القانون والعدالة. لكنها ما لبثت أن دفعت ثمن موقفها ذلك في ٧ أيار ٢٠٠٨ عندما بدأت مرحلة شيطنة الحواضر السنية المحتضنة لخيار الحرية والسيادة ، وما وقع بعدها من أحداثٍ صوّرت مجدل عنجر بصورة مشوّهة ، عمل النظامُ السوري وحلفاؤُه على نشرها وتثبيتها لدى الرأي العام ، وهذا بالطبع ما يتنافى مع حقيقة البلدة التي لطالما فتحت قلبها للجميع.
• صفحة جديدة ومبادرة طموحة
تفتح مجدل عنجر صفحة جديدة ، عبر لجنتها الثقافية – الإجتماعية ، لأجيالها الشابة ولحكمائها ومؤسساتها الدينية والمدنية وتأخذ المبادرة بعد أن كانت تتعرض للحملات والتشويه ، وهي مبادرة تستحق الإحتضان والدعم والملاقاة ليس فقط من أجل التزاور والتواصل ، بل من أجل التعاون والتكاتف في مواجهة التحديات والعمل على معالجة المشكلات الإجتماعية والإقتصادية والإنسانية بروح التكامل والإنفتاح ، لأن تداعياتها لا تقف عند حدود منطقة أو إنتماء طائفي أو سياسي..