كشفت جمعيّة “إدراك” (مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي) اليوم الإثنين أنها أعدّت مسودّة قانون يحمي كبار السن في لبنان من التمييز والإهمال، من خلال تمكينهم من اتخاذ تدابير احترازية تحسباً لإمكان تدهور حالتهم الصحية أو فقدانهم الإدراك أو انعدام أهليتهم نتيجة عوارض غالباً ما تكون ناتجة عن التقدّم في السن. ويستحدث مشروع القانون آلية تتيح للمعنّي “تفويض شخص موضع ثقة يوكله القيام بأعمال واتخاذ قرارات نيابة عنه”، وتهدف إلى “تأطير هذا التدبير في نص قانوني خاص يحدّد شروطه ومفاعيله”.
وأوضحت “إدراك” في مؤتمر صحافي عقدته في جامعة البلمند- الأشرفية أن مسودّة القانون وُضِعَت في ضوء مراجعة قانونية شاملة للقوانين المتعلقة بكبار السن في لبنان، ضمن مشروع الحفاظ على حقوق كبار السن في لبنان المُموّل من مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية MEPI في لبنان.
وتتيح مسودّة القانون الذي تقترحه “إدراك” لشخص من كبار السنّ أو يعاني عوارض غالباً ما تكون ناتجة عن التقدّم في السن، اتخاذ تدابير احترازية قبل أن تتدهور حالته الصحية ويصبح فاقداً إدراكه، وتصبح أهليته شبه معدومة.
وشرحت الجمعية أن الآليات التي ينص عليها نص مسودّة القانون، تشكّل سبلاً ملائمةً لتوسيع دائرة حماية كبار السنّ من أشكال سوء المعاملة أو الاستغلال التي يمكن أن يقعوا ضحيتها نتيجة وضعهم الصحي، وتكفل لهم حرية خيارهم وفرصة للتعبير عن إرادتهم في تسيير شؤونهم وحياتهم اليومية في حال فقدوا إدراكهم بالكامل أو جزئياً.
وتنطلق الآليات المقترَحة من رسالة جمعية “إدراك” وأهدافها، والتي تركَز على كيفية حماية كبار السن الذين يعانون أمراضاً نفسية أو عصبية، كالمراحل الأولى لمرض الألزهايمر أو الهذيان أو الجلطات الدماغية وغيرها.
كذلك تطلق “إدراك” في إطار المشروع نفسه، حملة توعية وطنية حول حقوق كبار السن.
إيلي كرم
وشكر رئيس الجمعية الدكتور إيلي كرم مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية والسفارة الأميركيّة في لبنان لدعمهما هذا المشروع الذي وصفه بـ”المهم والرائد”، مذكّراً بأن مؤسّسات أميركيّة علميّة عدّة دعمت جهود “إدرا” منذ بداياتها قبل أكثر من 30 عاماً. وأبرَزَ أن الجمعية ضاعفت جهودها في السنوات الأخيرة “لتأمين صحّة نفسيّة أفضل لكبار السنّ”، مشيراً في هذا الإطار إلى مشروع “تمكين كبار السن” الذي نفذته مع بلدية جبيل بدعم من الاتّحاد الأوروبي. وأفاد بأن المشروع الحالي المدعوم من MEPI “انطلق في تشرين الأوّل 2016 ووصل إلى مراحله الختاميّة”، معلناً أن وزارة الشؤون الاجتماعيّة ستدرس هذه المبادرة بالتفصيل قريباً. وشدّد على أن “حقوق كبار السن مقدّسة”، وقال: “نحن مدينون لهذا الجزء من مجتمعنا بأن يكون محمياً ضدّ مختلف الصعوبات التي ترافق الشيخوخة”. وشكر كرم لمستشفى القديس جاورجيوس الجامعي‘ إدارة وجسماً طبياً، ولجامعة البلمند، توفيرهما لجمعية “إدراك” المنصّة المثالية.
الكسندر نعمة
أما المدير الطبي لمستشفى القديس جاورجيوس الجامعي الدكتور ألكسندر نعمة، فرأى أن حماية حقوق كبار السن “موضوع بالغ الاهمية”. وأشار ان المستشفى يشمل مرضاه من كبار السنّ ببرنامج الرعاية الملطّفة، بهدف “تحسين نوعيّة حياتهم والتخفيف من آلامهم ومن العوارض التي يعانونها”. ولاحظ أن مشروع “إدراك” يوفّر “رعاية استباقيّة للمسنّين من خلال الحفاظ على صحّتهم بصورة شاملة، البدنيّة منها والنفسيّة-الاجتماعية، وفي الوقت نفسه ينبّه المجتمع إلى دلالات هذه المسألة”. وأشاد بجهود الجمعية لتحسين القوانين المتعلقة بكبار السنّ. وشدد نعمه على أهمية “حماية حقوق كبار السنّ والدفاع عنها كي يتمكنوا من ان يمضوا الفترة المتبقية من حياتهم بكرامة”.
شون تنبرنك
ورأى ممثل مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية في السفارة الأميركية شون تنبرنك أن “هذا المشروع مميّز ومهم”، مشدداً على ضرورة حصول كبار السنّ على الرعاية اللازمة “بكرامة واحترام”. واعتبر أنه “إنجاز عظيم ويبعث الأمل بحماية كبار السنّ في لبنان بموجب قانون”. ولاحظ أن المشروع “يُرسي الأسس للتغيير” المنشود في هذا المجال، مشيداً بـ”الجهد الرائد” لجمعية “إدراك” في مراجعة القوانين الخاصة بكبار السنّ واقتراح قوانين معدّلة، والعمل على التوعية وإبراز الحاجة إلى حماية المسنّ. وإذ ذكّر بأن حركة حقوق كبار السنّ في الولايات المتحدة نشطت في ثلاثينات القرن الماضي، أشار إلى أن تطوير القوانين الخاصة بكبار السن وإطلاق برامج لدعمهم، عملية مستمرة سنة بعد سنة.
جورج كرم
وشرح رئيس الجمعية اللبنانية للألزلهايمر عضو “إدراك” الدكتور جورج كرم تفاصيل مشروع الحفاظ على حقوق كبار السن في لبنان، بكلّ مكوّناته، فأوضح أنه انطلَقَ من تجربة “إدراك” مع كبار السن وخصوصاً من حالات اساءة معاملة ذوي القدرات العقلية المتناقصة من هؤلاء، وحرمانهم حقوقَهم الأساسيّة”. وأشار كرم إلى أن منهجيّة تشاركيّة اعتُمِدَت في تنفيذ المشروع، إذ شكّلت”إدراك” مجموعات نقاش عدّة مع الجهات المعنيّة بالموضوع لتحديد التحدّيات والثُغَر التي يواجهها كبار السن. وقال:”أجرينا مراجعة قانونيّة شاملة للتمكّن من وضع مشروع قانون يتيح لكبار السن أو لشخص يواجه أعراض الشيخوخة بأن يتمتّع بالحماية وبالتدابير الوقائيّة قبل ان تتدهور حالته الصحّية وتؤثّر على قدراته العقليّة”. ومن التدابير الإحترازية التي يلحظها القانون المُقتَرَح، على سبيل المثال، تمكين كبار السن ، قبل أن يفقدوا قدراتهم العقليّة، من توكيل أشخاص يثقون بهم، كي يتولّوا القيام نيابةً عنهم بأعمال محدّدة سلفاً. واشار كرم الى ان “إدراك” نظمت سلسلة ورش عمل لعرض القانون والسعي إلى تأمين دعم الجهات الحكوميّة المعنيّة، في إطار جهودها لحشد التأييد للمشروع، بما يتيح إحالته على مجلس النواب.
من جهة، شرح كرم تفاصيل الحملة الوطنيّة للتوعية حول حقوق كبار السن التي انطلقت في تشرين الثاني الفائت، وتتضمّن اعلانات تلفزيونيّة وإذاعيّة وأخرى على لوحات الطرق، وحملات على الإنترنت.
نايلة جعجع
ولاحظت المستشارة القانونية للمشروع المحامية نايلة جعجع،من خلال مراجعة القوانين الوضعيّة والأبحاث الميدانيّة المتعلقة بحقوق كبار السن في لبنان، أن ثمّة “فراغاً تشريعياً حول تدابير تضمن إستقلاليّة المسنّ في تسيير أموره وحرّية خياره في مراحل تقدّمه في السنّ حين ينقص إدراكه ويضيق هامش التّعبير عن رغباته وقدرته على تسيير أموره اليوميّة وشؤونه القانونيّة”. وأوضحت أن “التدبير الوحيد المكرّس في القانون اللّبناني يتمثل بنظام الحجر الآيل الى منع المسنّ من القيام بأي عمل له طابع قانوني في حال ثبُت أن أهليّته منقوصة أو معدومة”. واستنتجت جعجع تالياً أن “التشريع في لبنان يفتقد إلى إطار ينظّم الفترة التي يمكن أن تسبق هذه المرحلة”.
وشرحت جعجع أن مشروع القانون الذي تتقدّم به جمعية “إدراك” يهدف الى “استحداث آلية تتيح لأي شخص أصابه تحول في قدراته العقلية أو النفسية من شأنه إضعاف إدراكه في المستقبل -وهي عوارض غالباً ما تنتج عن التقدّم في السن- أن يستبق هذه المرحلة من خلال تفويض شخص موضع ثقة يوكله القيام بأعمال واتخاذ قرارات نيابة عنه تنسجم وتحترم حرية خياره وإرادته”. وشددت على أن “من شأن تأطير هذا التدبير في نص قانوني خاص يحدّد شروطه ومفاعيله أن يحدث توازناً بين موجب حماية كبير السن من أي شكل من أشكال الاستغلال بفضل الرقابة القضائية التي تواكب مرحلة تفعيله وتنفيذه، وبين مبدأ ضمان استقلاليته واحترام إرادته”. وأشارت إلبى أن “طبيعته التعاقدية والطوعية تجنّبه، وإن لفترة مرحلية، إخضاعه الى القيود الصارمة الناتجة عن نظام الحجر المعمول به اليوم”.