مشاركة قيمة للصديق الباحث الدكتور سعيد يحيى بهون علي من دولة الجزائر الشقيقة ، وهي دراسة تؤرخ لإنتشار مجلات الأطفال في العالم العربي ، والدكتور الباحث متخصص في أدب وثقافة الأطفال .
تقول الدراسة أن المجلاّت الموجّهة للأطفال في مختلف الأقطار العربيّة ، مرت بمراحل عدّة في تطوّرها، فقد بدأت بداية مدرسيّة تتّخذ من التلاميذ عمادا لها في تحرير موادّها، ثمّ تحوّلت إلى صحافة موجّهة تشرف عليها مؤسّسات حكوميّة أو مستقلّة، يحرّر فيها شعراء وكتّاب ورسّامون وتتناول شتّى أساليب الحياة، الهدف منها تثقيف الطفل وتوعيته والإسهام في تنشئته.
وقد كشفت دراسة لباحثة مصريّة قلّة عدد المجلاّت المنتجة للأطفال في العالم العربيّ، إذ لم يصدر منذ عام 1870م ولأكثر من 130 عاما تلت ، إلاّ حوالي 100 مجلّة فقط، وقدّمت الباحثة ما وصفته بأنّه “أوّل ببليوغرافيا توضع لحصر مجلاّت الأطفال منذ صدورها حتّى الآن” ، غير أنّ ما يسجّل على دراستها هو نقص الدقّة في بعض المعلومات، إذ نجد كثيرا من الحقائق التي نصّت عليها والمتعلّقة أساسا بنشأة مجلاّت الأطفال في الأقطار العربيّة خارج مصر تعوزها الدقّة والضبط .
وسنشير باختصار إلى بدايات المجلاّت الموجّهة للأطفال في كلّ قطر عربيّ تبعا لأسبقية كلّ منها في إصدار أوّل مجلّة للأطفال.
تعدّ مصر أوّل قطر عربيّ صدرت فيه مجلّة موجّهة للأطفال بإسم “روضة المدارس” سنة 1870 ، تلاها لبنان من خلال مجلّة “روضة المعارف” سنة 1908 ، ثمّ العراق من خلال مجلّة “التلميذ العراقيّ” في عام 1922 ، لتصدر في المغرب مجلّة “كشكول الصغير” لعبد الغني التازي في عام 1941 ، يليه السودان بمجلّة “الصبيان” في عام 1946 ، وفي سورية صدرت أوّل مجلّة بإسم “العندليب” في عام 1947 .
أمّا في المملكة العربية السعودية فقد صدرت أوّل مجلّة بإسم “الروضة” في عام 1959 ، تلتها في الكويت مجلّة “سعد” في عام 1964 ، وفي تونس أصدر الحزب الاشتراكي الدستوري مجلّة “عرفان” سنة 1966 ، وفي الجزائر صدرت مجلّة “امقيدش” في عام 1969 ، كما صدرت مجلة “البراعم” في سلطنة عمان التي تصدر عن مجلّة “الأسرة” منذ عام 1974 ، بينما نجد في ليبيا مجلّة “السنابل” ثمّ مجلّة “أمل” في عام 1975 ، وفي الأردن أصدرت مؤسّسة سامر مجلّة “سامر” الأسبوعيّة في عام 1977 ، تلتها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة من خلال مجلّة “ماجد” الأسبوعيّة التي تصدرعن مؤسّسة “الاتّحاد” منذ شباط فبراير عام 1979 ، وفي شهر أيار مايو من العام نفسه أصدرت وزارة التربية والتعليم اليمنيّة في عدن العدد الأوّل من مجلّة “البراعم”، أمّا في قطر فقد صدرت مجلّة “حمد وسحر” في عام 1987عن وزارة التربية والتعليم، وقد انطلقت بعدها في البحرين مجلّة “بشّار” كأوّل مجلّة موجّهة للأطفال.
يلاحظ بعد هذه النظرة السريعة أنّ أغلب هذه المجلاّت وغيرها لم تقو على الاستمرار والثبات نتيجة ظروف اقتصاديّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة مرّت بها جلّ الأقطار العربيّة، كما يلاحظ تفاوت بيّن في مستوى هذه المجلاّت وتوجّهاتها، إضافة إلى أنّ أقطارا عربيّة لم تعرف عنها أيّة تجربة في هذا المجال طيلة القرن العشرين .
وقد شهدت صحافة الأطفال في الأقطار العربيّة عموما تطوّرا بارزا، وتقدّمت إلى الأفضل من وجوه عديدة، فمن حيث الشكل حدث تطوّر في الألوان والرسوم والصور وجودة الورق والطباعة، أمّا من حيث المضمون فقد تحسّن تحسّناً ملحوظاً من وجوه عدّة، أهمّها أنّها:
– تخلّصت من التبعيّة للمجلاّت الأجنبيّة إلى حدّ ما، وبات عديد منها لا تترجم إلاّ ما هو مفيد ومناسب.
– تعدّدت الزوايا وتنوّعت، إذ كانت المجلاّت في بدايتها مقتصرة على القصص والتسالي والوصايا.
– أصبح ما ينشر فيها أكثر مناسبة للأطفال وأعمارهم.
– بات المشرفون على تحريرها أكثر تخصّصاً وفهماً لنظريات التربية وعلم النفس من سابقيهم.
– استفادت ولا تزال تستفيد من تجارب صحافة الأطفال في العالم.
– تعاون بعض هذه المجلاّت مع الجامعة العربيّة ومنظّمة اليونسيف على غرار مجلّة “أسامة” السورية، إذ تخصّص صفحة لمنظّمة اليونسيف تذكر فيها أخباراً وآراء ونصائح للأطفال وذويهم.
إلاّ أنّ الخطاب الثقافي في أغلب هذه المجلاّت لا زال يفتقد إلى اتّساق في نظام القيم، بل نجد تبايناً بين قيم مضامينها، وأكثر من هذا أنّ هذا الاتّساق لا يُشكّل هاجساً من هواجسها رغم أهمّيته في بناء شخصية سليمة للطفل ، يضاف إلى هذا أنّ هذه المجلاّت متفرّقةً ومجتمعةً لا تطرح منظومة متكاملة للقيم ، ويلاحظ تركيز أغلبها على القيم المعرفيّة على حساب قيم تنمية الشخصيّة ، من حرّية وثقة في النفس واحترام الرأي والرأي الآخر، وتنمية مهارات الإبداع، ممّا جعل منها نسخا معدّلة من الكتب المدرسيّة .
د/سعيد يحيى بهون علي
باحث في أدب الأطفال وثقافتهم
جامعة بومرداس، الجزائر