مسقط- خاص – nextlb
قبل خمس سنوات، وتحديدا في آذار مارس 2012 أتيحت لي فرصة زيارة معرض مسقط الدولي للكتاب في مقرّه السابق قرب حدود مطار السيب الدولي لسلطنة عمان، و في آذار مارس 2017 تتجدّد فرصة الزيارة، ولكن في مقرّ المعرض الجديد “قصر المعارض والمؤتمرات”، غير بعيد كثيرا عن المكان السابق، ولكن بفضاء أوسع، ومرافق أيسر، وبيئة أجمل.
إستبقت إدارة المعرض بدليل شامل لجميع المطبوعات المزمع توفيرها من قبل دور النشر لجمهور القرّاء، حتى يتسنّى لي تحديد القصد، لإقتناء المطلوب بأيسر السبل.
كان هاجس الناشرين حداثة المكان على الزوار، ممّا قد يحدّ من فرص الإقتناء والإفادة، لكن التنسيق الجيد بين الجهات المولجة بالتنظيم ، ساهم في إنجاح النشاطات ، وساعد على ذلك توفير سيارات نقل مجّانية .
ولعل ما يبرز النظام في أبهى صوره هو توزيع فئات الزوّار على مدار اليوم ، مما مكنهم من قضاء أمتع الأوقات في رحاب أجنحة الكتاب ، رغم امتعاض البعض من هذا الإجراء ، فكانت هناك أوقات صباحيّة للطلبة وأخرى للطالبات، وبقيّة الأوقات وهي الأوسع والأساس خصّصت لعموم الزوّار.
وكغيره من المعارض الدوليّة للكتاب، ضم المعرض عددا كبيرا من دور النشر ، توزعت على مختلف البلدان، وثراء في المعروضات ، تجعل الزائر يحار بين مختلف الأجنحة دون أن يقتني أيّ كتاب.
عند زيارة معارض الكتب يجدر بك التوقف ، إذ لابدّ من هدف، ولابدّ من مشروع تعمل على تحضيره ، ومن قضيّة تشتغل عليها ، تستحوذ على وجدانك، ولابدّ من موضوع يشغل بالك ، سواء كنت باحثا أم طالبا، أبا أم إبنا، أمّا أم بنتا، إداريّا، تاجرا أم صانعا وحرفيّا، يجب تحديد ما يهمّك وما تشعر أنك بحاجة اليه ، استشر واستفسر واستعلم، أيّ دور النشر تحقّق بغيتك وأي العناوين أنسب وأنفع ؟ أي أوقات الزيارة أيسر وأفضل ؟
حب القراءة
كان موضوع القراءة ولا يزال الشغل الشاغل لي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بحكم الإختصاص، وبحكم أهمّية الأداة في تحصيل المعرفة ، وتحقيق نجاح الأبناء في مختلف المجالات : لماذا أقرأ؟ ماذا أقرأ؟ كيف أقرأ؟
قدّمت دورة تدريبيّة في المجال بعنوان “طفلك يقرأ” للآباء والأمّهات، وأشرفت على بحوث أكاديميّة حول القراءة من مداخل عدّة: علاج مشكلات، وتقويم تعليميّات ، وشاركت في حوارات مع لجنة أدب الأطفال والشباب بالمركز الوطني للكتاب، وساهمت في تأسيس منتدى “روّاد القراءة” لتشجيع القراءة والتنسيق بين مبادرات فاعلة في الميدان ، أشعرتني هذه الجهود وغيرها بأنني لا أزال بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة، ومسايرة الجديد الأحدث ، فكلما أدرك الإنسان شيئا، أدرك أنه يجهل كثيرا من الأشياء.
لاشك أن تحديد مجال الإهتمام، والعمل عليه بتخطيط واجتهاد يفتح للإنسان آفاقا لامتناهية من الإستزادة وتحقيق الإنجاز، بهذا اقتنعت، وبهذا أنصح كلّ من أراد الوصول إلى المراد.
عند زيارتك لمعارض الكتاب ، تجاوز عن كثير من العناوين والمعروضات، رغم أنّها قد تأسر بصرك وقلبك وفكرك، لأنّ لديك مجال محدّد من الاهتمام، إذا جاوزته أغرقتك دور النشر بما لديها من كتابات، وإذا بك في الأخير تكون قد جمعت زهرة من كلّ بستان، ولكن لن تجد لما اخترت ما يجمع من عنوان، فكانت النتيجة كأن اقتنيت وربّما قرأت أكثر من شيء ولكن لم تستفد من أيّ شيء.
نشاطات ثقافية من المعرض
نواصل السير في أرجاء معرض مسقط للكتاب بعد هذه الوقفة التي لابدّ منها، لتستوقفنا أنشطة ثقافيّة وفنّية غاية في الثراء والإفادة والإمتاع، بين لقاءات في الثقافة والتراث، وبين إعلانات لتوقيعات كتّاب، وبين برامج قراءة للأطفال، وحوارات إعلاميّة حول الطفل والكتاب كانت لي فيها مشاركة .
ومن عادة بعض البلدان في تنظيم المعارض الدوليّة للكتاب ، إختيار ضيف الشرف من خارج الدولة المنظمة ، ولكنّ معرض مسقط خالف هذا العرف لمّا عزم على استضافة ضيوف الشرف لأوّل مرّة، فكان الخيار مدينة من مدن عمان، هي حاضرة صحار، بما تحمله من تاريخ وتقاليد وأعراف ، وهذا إتجاه ذكي وعميق الدلالات ، ينمّ عن أصالة ووطنيّة لدى أهل عمان .
إقتنيت من المعرض عددا معتبرا من المؤلفات ممّا له علاقة وطيدة بمجال الإهتمام وأبرزها : استراتيجيّات فهم المقروء، وطرق تعليم الأطفال القراءة والكتابة ، كيمياء القراءة، صناعة نوادي ومجموعات القراءة، المهارات القرائيّة والكتابيّة، قراءة القراءة، قصص وحكايات للأطفال، ما أنا بقارئ، أدب الطفل وثقافته.
إثنا عشر يوما هي مدّة معرض مسقط للكتاب، كان لي منها بضعة أيّام، وبعض لقاءات ، وما لفتني أنّ عمان هي عنوان للنظام والجمال في مجال العمران وسلوك الإنسان.
د . سعيد يحيى بهون علي
باحث في أدب الأطفال وثقافته
جامعة بومرداس، الجزائر