عن “إكيتانيا” التي أبحرت بأجدادنا المغامرين ” رأساً ” الى أرض الأحلام !

خاص – nextlb
الهجرة من لبنان عندما تضيق سبل العيش باللبناني ليست وليدة يومنا هذا ، فهي سبقت ولادة هذا الوطن في عشرينيات القرن الماضي ، ولم تتوقف الى اليوم ،وكان الإنتقال بالسفن هو الرائج قبل استخدام الطائرات ، ففي أحدى الصحف اللبنانية الصادرة في نيسان من عام 1935 يقع النظر على إعلان مهم عن الباخرة البريطانية ” العظيمة” أكيتانيا ، التي يبدو أنها كانت تجوب البحر المتوسط جامعة الركاب من بيروت وحيفا وبورسعيد واسطنبول ونابولي وفرنسا ، لتنقلهم عبر المحيط الأطلسي ” رأساً ” الى أرض القارة الأميركية ، أرض الأحلام الموعودة البعيدة المنال وب ” أسعار متهاودة”.
الإعلان الفريد يجذب الإهتمام لمعرفة بعض التفاصيل عن هذه الباخرة التي أعلنت عنها في حينها إحدى وكالات شركات السفر اللبنانية في بيروت – ومقرها شارع فوش -، القائد العسكري الفرنسي الشهير ، لتنقل أجدادنا الى ” النيورك” في أعوام الثلاثينيات و”رأساً ” … التي كانت تعادل في عام 1935 أربعة عشر يوماً بالتمام والكمال .
عصر السرعة !
من المؤكد أن “أكيتانيا” كانت سريعة وقوية بمقاييس ذلك العصر ، لتختصر الرحلة بالزمن الى النصف ، بالرغم من حمولتها الهائلة التي يوضح الإعلان الهام بأنها ” 46 ألف طون” ، لعلها فعلت حينها ما فعلته طائرة الكونكورد التي اختصرت المسافة – جواً- في مطلع السبعينيات الى النصف ، ما بين أرض القارة الأوروبية ونيويورك نفسها مع فارق الأزمنة والتطور بحراً وجواً .
ويبدو أن السفن العادية التي كانت تمخر عباب المحيطات قبل الحرب العالمية الأولى كانت تقطع هذه المسافة بأكثر من شهر ناهيك عن أنها قد لا تصل الى “النيورك” حينها لأن بعضها كان يأخذ أجدادنا الهاربين من جحيم الحرب العالمية الأولى الى أميركا الجنوبية رغماً عنهم أو جهلاً منهم باللغة ووثائق السفر ، لأن العديد منهم كان قد قرر أن يهاجر الى “أميركا” على متنها ليجد نفسه بعد أكثر من شهر من السفر المضني في أعالي البحار ومصارعة الأمواج العاتية والأخطار ، في الأرجنتين أو كوبا مثلاً ، وهناك العديد من القصص للبنانيين وسوريين حصلت معهم حوادث مشابهة ، كما أن العديد منهم قضى في تلك البلدان البعيدة وانقطعت أخباره من ذلك الحين ، لتكون هذه القصص بوادر هجرة اللبنانيين الحديثة نسبياً الى الأميركيتين الشمالية والجنوبية .
والباخرة المقصودة بالإعلان تذكرنا بمداخنها الكبيرة ومقدمتها الإسفينية ، بشقيقتها الشهيرة العملاقة التعيسة الحظ والسيئة الطالع ، التايتانيك ، التي غرقت قبل وصولها الى نيويورك بعد إصطدامها الدراماتيكي بجبل جليدي ضخم مما أدى الى مقتل معظم ركابها في عام 1912 .


أكيتانيا في سطور
وفي تشغيل سريع لمحرك البحث “غوغل” نرى أن “أكيتانيا” كانت قد وضعت في الخدمة في عام 1914 أي مع بداية الحرب العالمية الأولى ، وأبلت بلاء حسناً في مصارعة أمواج المحيطات لإكثر من أربعة عقود من الزمن لتسحب من الخدمة في عام 1950 ، وكانت قد بنيت في أحد أحواض بناء السفن في اسكوتلندا بمقاييس خارقة ، إذ بلغ طولها حوالي 275 متراً وجهزت بمحرك أسطوري يؤمن قوة دفع هائلة لهذا الوحش الفولاذي الذي يحمل أكثر من 46 الف طن ، بلغت 59 الف حصان ، لتمخر عباب المحيط الأطلسي بسرعة 44 كيلومتر في الساعة ، وتقل أكثر من 3000 راكب في الدرجات الثلاث التي تختلف في الخدمة والمستوى والراحة والرفاهية ، وسجلت حينها في المملكة المتحدة لصالح شركة “كونراد لاين” التي يبدو أنها كانت من الشركات المهمة في سالف الأيام .
ويبدو أنه قد كتب على المواطن اللبناني أن يكابد عناء السفر منذ الحرب العالمية الأولى والثانية ، فحال السفر لا زال متواصلاً الى اليوم ، ولا زالت ” أميركا ” الجديدة وجهة السفر للشباب اللبناني في مواجهة أوضاع لا تقل قسوة وسوءًا عما عاناه اللبنانيون في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، ولا تزال المعاناة مستمرة الى وقتنا الحاضر .

[email protected]

لمشاركة الرابط: