انتشر كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كالنار في هشيم التوترات السياسية، بقوله: “التكليف لا يعني تكليفاً أبدياً”، وكاد هذا الكلام أن يلامس التوتر المسيحي – السني لولا العودة إلى موقف الراعي في عظته الذي قال فيه أيضا أن عبارة الإتفاق مع الرئيس المكلف لا تعني تعطيل التشكيلات المقدمة. كان هدفه مساواة رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس سعد الحريري في التعطيل، لكنه وقع في فخ الثانية.
وهنا نقف عند قراءة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، رأس حربة الرئيس الحريري في معركة التأليف وفي مواجهة محاولات نزع تكليفه، وهو الصديق المقرب لبكركي وللمملكة العربية السعودية معاً، وكان مشاركاً وشاهداً في الاحتفال بإطلاق كتاب علاقات البطريركية المارونية في السعودية الأسبوع الماضي.
وقال الرئيس السنيورة لموقع “لبنان الكبير” إن “البطريرك يحاول أن يبقى على مسافة واحدة بين رئيسي الجمهورية والحكومة في أزمة التأليف، وفي عظته أمرين: أولاً، لا يجوز التعطيل المفتعل لتأليف الحكومة، وهنا يقصد الراعي رئيس الجمهورية لا سواه، وثانياً قال الراعي إن التكليف ليس أبدياً، وهنا الموقف الدستوري هو الحاسم ويجب احترامه”.
وانطلاقاً من الجملة الثانية يعود الرئيس السنيورة بذاكرته إلى “مجريات الطائف حيث كان هناك إصرار على أن التكليف غير مربوط بوقت، وأن من حق رئيس الجمهورية أن يناقش بأي وزير ولكن ليس من حقه أن يعطّل التأليف، إذ جاء آنذاك من يطرح أنه في حال التعطيل من قبل رئيس الجمهورية، فبإمكان رئيس الحكومة المكلف أن يأخذ التشكيلة مباشرة إلى مجلس النواب، إلا أن هذا الأمر اعترض عليه حينها الرئيس الراحل صائب سلام وذلك حرصاً على ما يسمى “الوفاق الوطني”، فإن حسن نية الرئيس سلام حينها لا تعني الاستعصاء والتعطيل من قبل رئيس الجمهورية كما يحصل في أيامنا هذه”.
نسأل الرئيس السنيورة عما إذا كان كلام البطريرك قد يؤدي إلى توتر مسيحي – سني، فيقول: “هذا كلام أرفضه جملة وتفصيلاً، ولا يجوز على الإطلاق، والبلد مش ناقصها مشاكل، والعودة إلى الدستور ضرورة، فمن ترك أمراً من أمور الشرع أحوجه الله إليه. الشرع هنا هو الدستور اللبناني، والتكليف محصور بمجلس النواب وأحد لا يستطيع أن يلغيه”.
ويقول السنيورة لموقع “لبنان الكبير”: “رئيس الجمهورية حتماً هو رأس الدولة ورمز وحدة الوطن، هذا يعني أن عليه أن يتصرف بإسم جميع اللبنانيين وليس بإسم فريق من اللبنانيين، هكذا يقول الدستور”. ويضيف: “لا يجوز أن يصار إلى التعطيل على قاعدة “أنا أريد أن أسمي “، فأساس مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرتكز على حكومة مستقلين، أي أن لا ينصاع أحد إلى رأي أي فريق سياسي، في حين أننا في الواقع “عم نلف وندور” لخلق مشكلات إضافية، البلد بغنى عنها، فلا أحد سيساعد لبنان واللبنانيين إذا استمروا بنهجهم المعتمد أي الإستعصاء”، ويردف: “إذا في تأليف الحكومة يتصرفون بهذا النهج، فكيف سيتصرفون عندما تدق ساعة القرارات الصعبة والموجعة التي يجب أن تأخذها الحكومة؟!”.
يقاطع الرئيس السنيورة سؤالنا بحسم، عندما قلنا له إنه بات من الواضح أن الرئيس عون والنائب باسيل لا يريدان الحريري رئيساً، بالقول: “ما بيطلعلن.. ما حدا بيطلعله، التكليف لا ينتهي، نقطة عالسطر، هذا كلام الدستور. فهذا تكليف ثابت ونهائي ولا يتوقف إلا عند توقيع رئيس الجمهورية على التشكيلة، وذلك طبعاً بعد الأخذ بالإعتبار ملاحظاته عليها، ومن حقه أن يسأل عن كل اسم من الأسماء، وليس المسيحيين منهم فحسب، ولكن هذا لا يعني أن لرئيس الجمهورية حق التعطيل، فهو لا يجوز أن يعطل، ولا يستطيع أن يُلغي أو يُنهي، هذا هو الدستور. رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يُنهي تكليف رئيس حكومة”.
يميل الرئيس فؤاد السنيورة كما سائر رؤساء الحكومات السابقين إلى أن يقدم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلة من 24 وزيراً إلى رئيس الجمهورية، وإذا رفضها الرئيس عون فليتحمل المسؤولية، ويضيف: “إن مشكلة عون متمثلة بعمله على قاعدة أنه يستطيع أن يتصرف كما يشاء وهو بمنأى عن المساءلة، في حين أنه لا يجوز أن ننظر إلى الدستور بخفة، فمن يتحمل المسؤولية بعملية تأليف الحكومة هو رئيسها، لا رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة “هو اللي بروح عالبيت”، وبالتالي لا يحق لرئيس الجمهورية أن يتعنّت”.
ولرئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف الشرس للرئيس الحريري، يقول الرئيس السنيورة: “إن الرئيس بري يعلم ماذا يعني التكليف في هذه المرحلة بالذات، وماذا يعني احترام الدستور، وأنا أرى أن الموقف الذي أخذه الرئيس بري بهذا الصدد هو موقف وطني وصحيح. أما نحن كرؤساء حكومات سابقين فغير مستعدين أن نسمي أحداً بديلاً عن الرئيس الحريري، ولا حتى أن نغطي أحداً، وليتحمل فخامة الرئيس المسؤولية”.
ويختم السنيورة حديثه قائلاً: “لا أعرف موقف “حزب الله” من هذا الموضوع، فهل هو يتلطى وراء رئيس الجمهورية أم لا؟ فبرأيي الشخصي هو كذلك، و”حزب الله” يتكلم الشيء ونقيضه بما يخص دعم الحريري لرئاسة الحكومة”.
المصدر : موقع لبنان الكبير – راوند أبو خزام