أجرت إذاعة الجزائر الوطنية حواراً مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول آخر التطورات في لبنان وفي ما يلي نصه:
س: الازمة السياسية والاقتصادية الخانقة، والتي شلت كل لبنان، وفي ظل اختلافات بارزة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب. في هذه الحالة اين يتجه لبنان وهل هناك حلول مستقبلية لذلك؟
ج: مما لا شك فيه أن لبنان يعاني من عدة أزمات خانقة، وهي وليدة سنوات من الاستعصاء على الإصلاح، والتي انفجرت بعد التظاهرات التي عمت لبنان في 17 من أكتوبر 2019، وكذلك بعد التفجير المريب الذي حصل لمرفأ بيروت وزيارة الرئيس ماكرون بعدها إلى لبنان واقتراح المبادرة التي تقدم بها من اجل ان تتألف حكومة إنقاذ لبنانية من غير الحزبيين ولكن من الاختصاصيين المستقلين وغير المستفزين. المؤسف أنّ هذه المبادرة تعرضت لعدة نكسات نتيجة الانقلاب عليها من قبل بعض الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية، ولاسيما وأنّ هذه المبادرة الإنقاذية تعتبر الوسيلة الوحيدة من اجل البدء بإخراج لبنان من ازماته واستعادة الثقة بالدولة اللبنانية وبقدرتها على ان تخوض غمار الإصلاح الحقيقي، وعلى أن يكون ذلك بالتعاون والتنسيق مع صندوق النقد الدولي، وبدعم من اللبنانيين من جهة أولى، وتعاون ودعم من المجتمعين العربي والدولي ثانياً.
المشكلة أنّ هذه المبادرة الإنقاذية اصطدمت بالاستعصاءات التي يمارسها فخامة رئيس الجمهورية لكونه يريد أن تكون هذه الحكومة العتيدة بتشكيلها انعكاساً للأحزاب المختلفة التي أوصلت لبنان الى ما وصل اليه من انهيار، ولكونها سوف لن تستطيع ان تحظى بثقة اللبنانيين وعلى الخصوص الشباب. كما ولا أن تحظى بثقة المجتمعيْن العربي والدولي. ذلك لأنها ستكون على غرار الحكومات اللبنانية السابقة، لأنّ الطريقة التي اعتمدت وتمت على أساس منها الممارسة السياسية في تأليف الحكومات اللبنانية خلال السنوات القليلة الماضية اتسمت بأنها اصبحت حكومات الفيتوات المتبادلة بين الأحزاب الطائفية والمذهبية، وكذلك حكومات المقايضات المتبادلة بين تلك الأحزاب.
الحقيقة أنّ هذا الخيار وهذا الأسلوب قد اثبت فشله وليس هناك من خيار آخر سوى ان تتألف حكومة تتلاءم وتتجاوب مع تطلعات الشباب اللبناني والمجتمع اللبناني ككل، وبالتالي لن تستطيع هذه الحكومة أن تقوم بالتقدم خطوات في الاتجاه الصحيح نحو استعادة الثقة من اللبنانيين، ولاسيما ان ثقة اللبنانيين بالمنظومة السياسية التي تتألف من الأحزاب الطائفية والمذهبية قد انهارت، وكذلك انهارت الثقة بالحكومات المتعاقبة وبرئيس الجمهورية والعهد ككل.
الآن لا شيء يخرج لبنان من ازماته سوى تأليف حكومة إنقاذية جديدة، حكومة تحظى بالثقة لكي تبدأ بالمسيرة الحقيقية في طريق الإصلاح. هذه هي المشكلة التي يعاني منها لبنان، وعندما نتحدث عن موضوع انهيار الثقة، فإننا نعني بذلك أيضاً الانهيار الكبير الذي أصاب سعر صرف الليرة اللبنانية، والتي أصبحت تساوي الآن اقل من 10% مما كانت عليه قبل سنة ونصف وهذا الامر أدى الى انعكاسات خطيرة على الأوضاع المعيشية لدى اللبنانيين. إذ أنّ القسم الاكبر من اللبنانيين تحولوا إلى فقراء او فقراء معدمين. هذه هي المشكلة الكبرى، والتي لا حلّ لها إلاّ عن طريق استعادة الاعتبار للدولة وللدستور وللتوازنات الداخلية والخارجية بالتوازي مع إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية.
س: لا يمكن ان نقول ان هناك بادرة امل او تفاؤل لحل هذه الازمة التي لطالما طالت وتهدد كل لبنان؟
ج: نعم هناك ازمة وجودية بالنسبة للبنان لكن هناك أيضا ابعاد دولية وإقليمية لهذه المشكلة وهي ليست مشكلة محلية فقط. إذ ليست هي فقط استعصاء من قبل فخامة الرئيس. وهذا أمر أساس ولاسيما أنه هو الذي يخرق الدستور اللبناني، علماً أنه هو الشخص الوحيد في لبنان الذي يقسم على الدستور. المشكلة هنا أنّ كل ما يهمّ الرئيس الآن هو في حرصه على أن يضمن من سيكون خليفته في العام القادم، حيث ستجري فيه الانتخابات الرئاسية في لبنان وقبلها الانتخابات النيابية. المشكلة هنا أنّ كلما يهمّ رئيس الجمهورية الآن هو حرصه على أن يضمن تولي صهره هذا المنصب في العام القادم. وهذا أمر مستهجن ومرفوض. فالنظام اللبناني نظام ديمقراطي برلماني، وليس نظاماً وراثياً أو رئاسياً. هذا النظام اللبناني من الأنظمة الديمقراطية العريقة في العالم العربي. للأسف، رئيس الجمهورية هناك من يسعى من اجل ان يضمن مجيء صهره كبديل عنه. تجدر الإشارة إلى أن فخامة الرئيس عون كان في السابق قد منع ان تجري الانتخابات الرئاسية في لبنان في العام 2014، ولمدة سنتين ونصف حتى تمّ له ما يريد بأن تجري الانتخابات لصالحه وانتخب الجنرال عون.
الآن هناك استعصاء من قبل الرئيس عون، ولكن أيضاً هناك استعصاء من قبل حزب الله الذي يلعب دوراً محورياً في لبنان من اجل أن تتمكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تعزيز قدراتها التفاوضية في المفاوضات الجارية ما بين إيران والولايات المتحدة الآن في فيينا. وهذه بالمناسبة ليست السابقة الأولى، إذ كانت هناك سوابق ماضية حيث جرى تعطيل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014 لمدة 11 شهرا متوالية بأن منع حزب الله تأليف الحكومة اللبنانية إلى ان تمّ فك اسر الحكومة آنذاك عندما بدأت المفاوضات في العام 2014 ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة.
الحقيقة أنّ هناك استعصاء من قبل فخامة الرئيس وهناك استعصاء من قبل حزب الله الذي يتلطى وراء رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي يحاول ان يبقي الأمور على ما هي عليه في محاولة للضغط إلى أن يجري تقدم حقيقي على صعيد المفاوضات الجارية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة.