خاص -النهار
في بلدنا، إمّا تُسرق الخيرات وإمّا تُتلف بسبب الاستهتار والإهمال، لكنّ النتيجة واحدة: “رايحة عالشعب”. بعد أن كشفت شرطة بلدية #الغبيري عن كارثة تخزين آلاف الأطنان من ال#طحين من المساعدات المرسلة من دولة العراق في مستودعات #المدينة الرياضية، بشكلٍ سيّئ أسفل المدرجات وفي القاعات السفلية، تقريرٌ يلقي الضوء على مصير هذا الطحين، ويتحقّق من سلامته. هل يُتلف كلّه؟
للمدينة الرياضية إدارتها الخاصة وإن كانت ضمن نطاق بلدية الغبيري، وقرار التخزين لا يحتاج إلى موافقة البلدية. يقول رئيس بلدية الغبيري، معن الخليل إنّ “تخزين مواد غذائية في ملعبٍ رياضي هو عملٌ مخالف للقانون”، لكن مدير عام المدينة الرياضية وبطلب من وزير ال#اقتصاد، وافق على تخزين الطحين لفترة قصيرة ريثما يتمّ توزيعه لأنّه لا يمكن أن يبقى في الباخرة.
برأيه، كان من المفترض توزيعه من الباخرة فوراً لمستحقّين من فقراء وأفران وغيرهم، “لكن للأسف، الروتين واللا مسؤولية ورّطت المدينة الرياضية في موضوع التخزين”.
ويروي أنّ بعد علم البلدية بتخزين الطحين وفي ظل حلول الطقس السيئ، أرسلت فريقاً لسلامة الغذاء للكشف على حالة الطحين، لكنّه مُنع من تأدية مهامه من قِبل وزير الاقتصاد، ما دفع الفريق إلى الانسحاب بعد انتظاره نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة للدخول إلى المدينة، إذ لم يستطع الحصول على تصريحٍ للكشف، “رغم أنّ المدينة الرياضية هي ضمن بلدية الغبيري ويحقّ لنا الكشف ولنا الصلاحية، بالقانون، للكشف على كافة مستودعاتها وأمكنة تخزين الغذاء ضمن نطاقها، بغض النظر إذا كان مكان التخزين قانونياً أم لا”.
وقد أوضح المدير العام للمنشآت الرياضية رياض الشيخة في بيان، تعليقاً على موضوع الطحين الموجود في منشآت المدينة الرياضية، أنّ “الطحين مخزَّن لصالح وزارة الاقتصاد بناءً على طلبها لمدة 15 يوماً لا غير إلى حين توزيعه، وليس لنا أي علاقة بهذا الموضوع”.
الطحين سيبقى في المدينة الرياضية
وأفادت مصادر مطلعة في وزارة الاقتصاد أنّه لدى إرسال الهبات إلى لبنان، طلب وزير الاقتصاد من الجهات المانحة وهب القمح بدلاً من الطحين لعدم توفّر المستودعات لتخزين الطحين، إذ ليس هناك ما تملكه الدولة أو حتى آلية لتوزيع الطحين، فعادةً يأتي القمح إلى الأهراءات ويدخل إلى الصوامع ويُفرَّغ بعد ذلك في المطاحن والأفران وسواها. لكن كان هناك إصرار أن تكون الهبة عبارة عن طحين، وكان يجب أن تُفرّغ بسرعة كبيرة جداً لأنّه لا يمكن تركها في المرفأ. هنا، طلبت وزارة الاقتصاد من الجيش تأمين مستودعات لتخزين الطحين، وهي كمية بلغت نحو 10 آلاف طن من الطحين.
وتمّ تأمين الشوادر والألواح التي وُضعت عليها أكياس الطحين، والدواء ضد الجرذان لتخزين الطحين ضمن شروط السلامة. ووفق المصادر، سيتمّ توزيع هذا الطحين تدريجياً على الأفران والمطاحن، شرط زيادة وزن ربطة الخبز 100 غرام، فهذا التخزين هو تخزين موقّت. وعملت الوزارة ما بوسعها في هذا الإطار، قبل أن يفسد الطحين، لذا ارتأى فريق من الخبراء أنّ هذه الآلية هي الأفضل لكي يستفيد منها الجميع.
وفي السؤال لماذا لم يوزع الطحين مباشرةً للأفران؟ أجابت المصادر أنّه تمّ توزيع نحو ثلاثة آلاف طن منه إلى الأفران والمطاحن، لكنّها لم تعد قادرة على استقبال المزيد.
وعن الصور التي تُظهر أكياس طحين عفنة، تبرّر المصادر أنّ عدد هذه الأكياس قليل جداً، وهي تضرّرت أثناء نقل وتفريغ الأكياس ومنها تعرّض للانزلاق، ووُضعت جانباً لتلفها.
وعمّا إذا كان سيبقى الطحين في المدينة الرياضية، تفيد المصادر أنّه سيبقى هناك ريثما يتم إيجاد مستودعات ملائمة لشروط التخزين، ولتتوزّع تدريجياً على الأفران، وتلفت إلى أنّه يومياً، يكشف معنيّون في الأهراءات على الطحين هناك للتأكّد من أنّ كل شيء على ما يرام.
وفي ما يتعلّق بمنع فريق السلامة الغذائية التابع لبلدية الغبيري من الكشف على الطحين، تروي المصادر أنّ أحداً لم يتواصل مع الوزارة، ولم يكن هناك أي أوامر منع دخول.
طحين المدينة الرياضية مضروب حتى تثبت سلامته
وتوجّه المراقبون الصحيّون في بلدية الغبيري للكشف على الطحين، وفوجئ هؤلاء بأنّ وزير الاقتصاد لم يعطهم التصريح للدخول والكشف على المواد الغذائية والطحين. “نحن نقوم بمهامنا كقسم سلامة الغذاء في البلدية، وبعد أن راسلت البلدية وزارة الاقتصاد، لم تلقَ أي تجاوبٍ من الوزارة، وبعد انتظار طويل على مدخل المدينة الرئيسي دون جدوى، انسحبنا”، هذا ما تؤكّده د عبير الخنسا، مسؤولة قسم الرقابة الصحية في بلدية الغبيري.
وتضيف أنّ الطحين مخزَّن في ممراتٍ سفلية في المدينة الرياضية حيث تمرّ السيارات، وممرّ الآليات التي تدخل إلى المدينة، وممرّ للغرف تحت المدرّجات، فهذا المكان غير مخصّص لحفظ الطحين لا في الشتاء ولا في الصيف، وطريقة تفريغ الشوالات لم تكن سليمة أبداً، وهذا كان واضحاً حتى للمارة، والطحين كان على الأرض، “أنا أعرف المكان هناك جيداً وهو لا يصلح أبداً لتخزين أيّ نوع من المواد الغذائية”.
المكان السليم للتخزين يجب أن يكون مغلقاً تماماً لضمان عدم دخول أي شيء خارجي، أمّا المدينة الرياضية فهي مفتوحة على مصراعيها وعرضة لمرور القوارض والكلاب والقطط. ووفق الخنسا، “الطحين الموجود هناك يُعتبَر للتلف حتى تثبت سلامته، أي يجب أخذ عينات لفحصها، فظروف تخزينه قبل هطول الأمطار هي سيئة، إذ تعرّض لظروفٍ مناخية مختلفة، واحتمال أن يكون ما زال سليماً هو ضئيل جداً حتى يثبت العكس”.
بعد مشاهدة الفيديوات والصور التي انتشرت على مواقع التواصل، يمكن القول أنّ “لا شيء سليم في ما يتعلّق بتخزين الطحين في المدينة الرياضية، فحالة الطحين التي ظهر فيها مكشوفاً وعلاه العفن، تظهر أنّ التخزين لا يراعي أي شرط من شروط سلامة تخزين الغذاء”، بحسب ريم حمزة، أستاذة محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت ومتخصصة في سلامة الغذاء.
وتشرح أنّ “المشكلة لا تكمن فقط بوصول الماء إلى الطحين جراء الشتاء، إنّما هناك مشكلة تواجد الطحين في مكانٍ مفتوح وعرضة لدخول جميع الحشرات والقوارض، وغير محفوظ ضمن حرارة ملائمة، فحفظ وتخزين الطحين حساسٌ جداً”.
ويظهر في الفيديو أنّ الطحين مغطى بشوادر وموجود على مستوى مرتفع من الأرض. ويجب أن يكون الطحين مرفوعاً عن الأرض لكن بطريقة مدروسة، لكن يتبيّن في الفيديو أنّ حالة الأخشاب التي رُفع عليها مهترئة ورطبة، فالخشب يمتص الماء والرطوبة ويصبح قابلاً للاهتراء. ورفع الطحين عن الأرض يعرّض مرور القوارض من تحته، إذ من الواضح في الصور أنّ هناك مخلّفات لهذه القوارض من جرذان وفئران في المكان.
وتكمل حمزة أنّه “وإن تمّت تغطية الطحين بالشوادر ولم يصله المطر، هذا لا يلغي أنّ شروط السلامة جميعها موجودة، فالرطوبة عالية جداً، والحرارة تتغيّر، فالآن بَرَد الطقس وأمطرت، لكن الأسبوع الفائت كان الطقس مشمساً وحارّاً”.
وتأسف لاعتبار أنّ “كل كمية الطحين الموجودة حالياً في المدينة الرياضية هي للتلف”، فهناك أكياس يظهر عليها العفن، وظهوره يدل على أنّ الضرر موجود منذ فترة، وقد يكون هناك أكياس تعفّن الطحين بداخلها لكنّه لم يظهر بعد خارج الكيس.
وتؤكّد على أنّ “هذا الطحين فيه مستويات غير سليمة من الأفلاتوكسين المسرطِن، بالإضافة إلى كل ما تصطحب معها القوارض من أمراض وجراثيم عديدة، مع غياب النظافة أيضاً. فجميع هذه المشاكل التي شرحناها تراكمت وموجودة قبل البحث في مشكلة وصول المطر إلى الطحين، فهذه العينات غير صالحة بتاتاً”.
(تحقيق فرح نصور)
حكايةُ قبر أُمّي..
كانت والدتي رحمها الله تقولُ لنا في سهراتنا الطويلة : ” إدفنوني بين أهلي لأنني آنَسُ بهم .. فَلَكَمْ أبصرتُ مقبرةَ قريتنا في شبعا بعدَ ذوبان ثلج حرمون تنقلبُ حديقةً غنّاءَ ، تَنْبُتُ في ثناياها أشجارُ الجوز والحور والبيلسان .. وزهر الياسمين . أوصتني أمي وأنا بعد صغيرة فقالت :” لا تدفنوني بعيداً عن أهلي
Read More