فيتو أمريكي ضد حلم حزب الله بـ”الصحة والدفاع”.. كواليس تشكيل الحكومة اللبنانية

لا يزال سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل والمكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، يحاول إيجاد حل يُرضي الأطراف المحلية والدولية من أجل أن ترى تشكيلته النور، رغم التجاذبات والقرارات المشددة من قِبَل بعض الأطراف.
في الظاهر، يبدو الحراك السياسي لتشكيل الحكومة اللبنانية واقفاً بين يدي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الذين يتكتمان على تفاصيل اجتماعاتهما منعاً لإفشال المساعي أو التشويش عليها.
لكن عملياً كل الأطراف تشارك ولو من بعيد، فوفد الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) لا يغادر دار الحريري في وسط بيروت لإتمام اللمسات النهائية على شكل الحكومة، خصوصاً أن حصة حزب الله وحركة أمل باتت بحكم المحسومة بعد تثبيت حقيبة المالية التي يتردد أن من بين المؤهلين لتوليها شخصية مستقلة لم يجرِ التداول باسمها في السابق، ومحسوبة على حركة أمل.
الحريري لحزب الله: فيتو على الصحة
فيما كان حزب الله يحاول استعادة وزارة الصحة بعد سعي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للحصول عليها، قام الحزب بإبلاغ كل المعنيين أن وزارة الصحة باتت من المسلمات له، وعليه فإن جنبلاط استطاع الحصول على وزارة الأشغال العامة عوضاً عن الصحة.
لكن يبدو أن رغبة حزب الله تتصادم مع فيتو أمريكي قاطع يرفض حصوله على هذه الوزارة تحديداً.
إذ تؤكد مصادر قريبة من الحريري لـ “عربي بوست” أن الحريري أبلغ الحاج حسين الخليل المعاون السياسي لأمين عام حزب الله، أن حقيبة الصحة لن تكون من حصة حزب الله وهذا القرار بات محسوماً.
حسم هذا القرار جاء نتيجة وصول رسالة أمريكية رافضة لتولي الحزب هذه الحقيبة التي تعتبر اليوم من الوزارات المهمة التي تصلها مبالغ مالية بالعملة الصعبة من المنظمات الدولية وتحديداً منظمة الصحة العالمية لمكافحة فيروس كورونا.
وتؤكد المصادر أن الرسالة التي تلقاها الحريري جاءت عبر السفيرة الأمريكية في بيروت دورثي شيا، التي أكدت للحريري أن التقارير التي وصلت إلى الإدارة الأمريكية تشير الى أن الحزب يستفيد عبر شبكة واسعة من المستثمرين والتجار التابعين له من هذه الأموال بطرق مختلفة، وتحديداً عبر تحويل جزء كبير منها للهيئة الإسلامية الصحية.
ويؤكد المصدر أن الحريري طرح اسم مدير مستشفى بيروت الحكومي فراس الأبيض ليكون وزيراً للصحة من حصة تيار المستقبل، لاسيما أن المرحلة المقبلة تتطلب وزيراً متخصصاً لمواجهة فيروس كورونا.
وبحسب المصدر، فإن أبيض نجح في هذه المهمة من خلال إدارته جناح كورونا في المستشفى الأهم في لبنان.
وزارة الدفاع.. بعيداً عن حزب الله
وأوضح المصدر أن الحريري أبلغ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الحليف المسيحي الثاني لحزب الله، أن الإدارة الأمريكية مُصرة على أن يتولى منصب وزير الدفاع شخصية بعيدة عن المكونات السياسية الحليفة لحزب الله.
يأتي هذا كون واشنطن تقوم بدعم كبير للجيش اللبناني وهي حريصة على أن تبقى المؤسسة العسكرية بعيدة عن التجاذبات والصراعات.
وبحسب المصدر، فإن فرنجية كان يطمح إلى إسناد وزارة الدفاع لشخصية محسوبة على تياره عوضاً عن وزارة الأشغال العامة والنقل.
لقاء بين الحريري وباسيل
تتحدث مصادر خاصة لـ”عربي بوست” عن أن رئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية باسيل كان حاضراً في القصر الجمهوري في بعبدا، يوم الأحد 25 أكتوبر/تشرين الأول، عندما زار الحريري الرئيس ميشال عون وعقد معه لقاء مطولاً للاتفاق على تسهيل ولادة الحكومة.
وتتحدث المعلومات عن عقد لقاء بين الحريري وباسيل يومها، على هامش اجتماعه مع عون.
وتؤكد المصادر أنه وخلال الاجتماع تم الاتفاق على إيجاد صيغة للتفاهم باختيار شخص يرضى عنه الطرفان لتولي وزارة الطاقة التي يصر عون وباسيل على الاحتفاظ بها بعد تمسك الثنائي الشيعي بوزارة المال والصحة.
وهنا، يتم التداول بشخصية كريستيان قمير كونه يحظى برضى عون والحريري وباسيل.
وبحسب المصدر، فإن الحريري يكون قد حقق من تلك الخطوة مجموعة أهداف أهمها سحب الحقيبة من باسيل وإسنادها للطائفة الأرمنية، والسير بإصلاحات القطاع الكهربائي دون محاولات العرقلة المستمرة من باسيل وتياره.
وبحسب المصدر، فإن باسيل أصر خلال اللقاء على نيل وزارة الداخلية للتيار الوطني الحر مقابل التنازل عن وزارة الخارجية لصالح الطائفة السنية وتيار المستقبل، وهو ما وافق عليه الحريري كون الأخير يسعى لاستعادة علاقات لبنان الخارجية والتي تضررت خلال تولي باسيل للوزارة.
وسيرشح لهذا المنصب الرئيس المكلف السابق مصطفى أديب أو الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي.
وخلال اللقاء طلب باسيل من الحريري إسناد الوزارة الدرزية الثانية للمعارضة الدرزية وعدم حصر التمثيل الدرزي بالحزب التقدمي الاشتراكي، لكن الحريري قال لباسيل إنه لن يتجاوز وليد جنبلاط وسيتفاهم معه على أي أمر يخص التمثيل الدرزي وأنه لا يرغب بتمثيل المعارضة الدرزية لتجارب سابقة مريرة.
الموقف الفرنسي والخطوط الدولية
تشير مصادر دبلوماسية لـ”عربي بوست” إلى أن الإدارة الفرنسية تتواصل بشكل مباشر مع الإدارة الأمريكية لتضعها في أجواء المبادرة الفرنسية والمنحى الذي يصل إليه الحريري في عملية التشكيل.
ويشير المصدر إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره الفرنسي لودريان، إذ تمنى الأخير من بومبيو أن تقوم واشنطن بإقناع حلفائها العرب بدعم حكومة الحريري.
لكن بومبيو أكد لنظيره الفرنسي أن السعودية غير متحمسة في ظل استعادة حزب الله زمام المبادرة، وأن واشنطن تراقب عملية التشكيل وستقوم بما يلزم إذا التزمت الحكومة القادمة بشروط الإصلاح والهدوء والتفاعل مع صندوق النقد الدولي.
وعلى صعيد الحراك الحكومي يشدد المصدر على أن الفريق الفرنسي المكلّف بالملف اللبناني ينسق المجريات المتعلقة بالوضع الحكومي بشكل شبه يومي، ويجري أحياناً اتصالات بهذه الجهة أو تلك، لتسهيل بعض الأمور.
ويضمّ الفريق كلّاً من مدير المخابرات الخارجية برنار ايمييه والمستشار الرئاسي الدبلوماسي ايمانويل بون والمستشار الرئاسي لشؤون الشرق الأوسط باتريك دوريل.
ويتولى هذا الفريق التفاعل مع الوقائع السياسية المستجدة ورَفع ملخص يومي إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع اقتراح توصيات وخيارات للتعامل معها.
أمّا القرارات النهائية فتصدر حصراً عن ماكرون الذي وضع كل رصيده السياسي في حساب مغامرته اللبنانية، وبالتالي، هو مصرّ على الاستمرار بها.
وبحسب المصدر، فإن ماكرون وفريقه مرتاحون للمنحى الذي تتخذه الأمور منذ تكليف الحريري، وهم مَسرورون للتحسّن الذي طرأ على العلاقة بين الرئيس المكلف سعد الحريري من جهة والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل بعد الاستشارات النيابية الملزمة.
وتُبدي باريس تقديرها للانفتاح الذي أظهَره الحريري عقب تكليفه، وبالتالي مُبادَرته بكسر الحواجز السياسية والشخصية التي كانت تفصل بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وبحسب المصدر، فإن ماكرون يولي اهتماماً لأربع حقائب يعتبرها مفصليّة على الصعيد الإصلاحي، وهي: المالية والاتصالات والطاقة والصحة. وبالتالي، يأمل في أن تسند تلك الحقائب الحيوية بالوزراء المناسبين حتى لو كان لهم انتماء سياسي شريطة أن يكونوا اختصاصيين وأن يتبنوا الورقة الإصلاحية الفرنسية.
عربي بوست

لمشاركة الرابط: