السنيورة: الكلام عن الوحدة وعدم إثارة الفتن لم يعد كافيا

رأى الرئيس فؤاد السنيورة أن “الكلام الجيد الذي صدر عن رئيس الجمهورية بالدعوة الى التهدئة ‏والوحدة الوطنية ونبذ الفرقة والفتنة الطائفية، وهو عمليا مثل الكلام الذي قاله رئيس الحكومة ‏السيد حسان دياب وأيضا عدد من المرجعيات السياسية مثل الرؤساء: نبيه بري وسعد الحريري ‏ونجيب ميقاتي وغيرهم من السياسيين وأيضا مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان ‏والمفتي عبد الأمير قبلان وكثير غيرهم. كلهم دعوا إلى الحرص على الوحدة الوطنية وإلى عدم ‏اثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية، وهذا كله كلام جيد ولكنه لم يعد كافيا”.‏
وقال خلال حوار أجرته معه قناة “إكسترا نيوز” المصرية عبر الهاتف، اثر الاحداث التي ‏شهدتها بيروت السبت: “هذه الأفكار والمثل والقيم أصبح يفترض بالجميع ان يحترموها فعلا ‏وليس قولا فقط لا بل وأن يمارسوها يوميا. لقد أصبح مطلوبا من هذه القيادات والمرجعيات ‏السياسية والحزبية والدينية أن تتصرف بدرجة عالية من التبصر في علاقاتها مع باقي الجماعات ‏السياسية والدينية، وذلك يكون بالدعوة الى التشديد على مناصريهم بعدم اللجوء إلى التلفظ بمثل ‏هذه الشعارات البائسة التي تفتعل الفرقة افتعالا وتحض على الفتنة بين اللبنانيين. هذا هو ‏التصرف العاقل الذي يجب ان يصار إلى التقيد به والداعي إلى الوحدة بين اللبنانيين. وهو عمليا ‏أشد ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها، إذ أنه يعاني حاليا من فترة شديدة ‏الصعوبة سياسيا ووطنيا واقتصاديا ومعيشيا ووضعه قد ازدادت هشاشته وأصبح دقيقا ولا ‏يحتمل أي تصرفات غير مسؤولة من هنا أو من هناك. كما أنه لم يعد يستطيع ان يتحمل أو ‏يتصدى لتصرفات يتقصدها البعض لإثارة وإشعال الفتن في لبنان”.‏
أضاف: “الحكومة الحالية تمثل حكومة اللون الواحد، وهي عمليا ومن خلال ممارساتها وإدارتها ‏للحكم وللشأن العام تأخذ لبنان الى مسارات لا تؤدي ولا تساعد على حلحلة مشكلاته، بل إلى ‏تعميقها والى تفاقمها. وهذه المشكلات هي وطنية وسياسية واقتصادية ومالية ومعيشية. مثلا، ‏نجد ان فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة ما زالا يستعصيان عن القيام ‏بالإصلاحات الكثيرة المطلوبة، فلبنان ما زال يعاني وعلى مدى سنوات من استعصاء مستمر ‏وعدم تجاوب لا بل وتقصد من العديد من السياسيين من أجل عدم القيام بالإصلاحات الإدارية ‏والسياسية والاقتصادية والمالية المطلوبة، وها هو يحصد اليوم نتيجة هذا الاستعصاء، مما ‏يضطر اللبنانيين الآن إلى مواجهة تفاقم هذه المشكلات وانعكاساته وتداعياته على الأوضاع ‏العامة، واضطرارهم لتحمل كلفة أكبر بكثير من اجل القيام بالإصلاحات المطلوبة، والتي ‏أصبحت أكثر إلحاحا، مقارنة مع كلفتها فيما لو تمت في السابق”.‏
وعن كلام الرئيس حسان دياب “لماذا تتحمل الحكومة كلفة ودفع الفاتورة كاملة وهي نتيجة ‏أخطاء متراكمة لعقود”، قال الرئيس السنيورة: “الدرس الأول في العمل السياسي الذي يجب ان ‏يتعلمه كل مسؤول سياسي هو أن الحكم استمرار، وفي المبدأ من أولى واجبات ومسؤوليات العهد ‏والحكومة ورئيسها العمل على التصدي للمشكلات والقيام بالمعالجات اللازمة، وإلا لماذا أتوا إلى ‏الحكم وهم كانوا شديدي الحرص على تولي هذه المسؤولية؟”.‏
وتابع: “صحيح أن الرئيس حسان دياب عمره في السلطة ما يزيد قليلا عن 100 يوم ولكنه ‏يعرف هذه المشكلات، وإلا لماذا قبل هذه المهمة وتحمل المسؤولية؟ أما بالنسبة الى رئيس ‏الجمهورية فهو في موقع السلطة المباشرة منذ حوالي الأربع سنوات كرئيس للجمهورية، لكنه ‏كان وكمسؤول أول في التيار الوطني الحر، وهو التيار الذي كان الطرف الأكبر والأساس في ‏ممارسة السلطة اللبنانية والنفوذ، وذلك منذ أكثر من 12 عاما. هذا الفريق السياسي شكل وعلى ‏مدى سنوات طويلة عاملا أساسيا في الاستعصاء الحاصل وفي معارضة الإصلاحات. لذلك، ‏فإن المقولة التي يرددها الرئيس حسان دياب غير صحيحة. ومن جهة أخرى، إن الطرف الذي ‏تمثله هذه الحكومة، وهو الذي اتى بها وحملها إلى السلطة ومكنها من أن تحمل المسؤولية ‏الحكومية هو المجموعة التي يمثلها رئيس الجمهورية والمؤلفة من التيار الوطني الحر ومن حزب ‏الله وحركة أمل. كان يفترض بأعضاء هذه الحكومة الذين جاؤوا على أنهم تكنوقراط أي خبراء ‏وحياديون، تبين بعد ذلك وفعليا ان كلا منهم يمثل طرفا سياسيا من تلك الأحزاب الثلاثة تمثيلا ‏كاملا، ويتقيدون بكافة التعليمات التي تصدر إليهم من قبل هذه الأحزاب الثلاثة”.‏
وأردف: “لقد اتخذ منذ أيام عدة، قرار في جلسة لمجلس الوزراء عقدت في السراي الحكومي ‏برئاسة رئيس الوزراء من اجل القيام بواحدة من تلك الإصلاحات المطلوبة أي موضوع ‏الكهرباء، وتحديدا معمل سلعاتا، الحكومة برئيسها وأعضائها بأكثريتهم، وبعد أن اخذوا قرارا ‏بهذا الشأن، فإذا برئيس الجمهورية يستدعيهم مباشرة بعد ذلك الاجتماع ويطلب منهم تغيير ‏موقفهم وإلغاء ذلك القرار. أنا أستشهد بهذه الحادثة للدلالة على الدور الذي تلعبه تلك الأحزاب في ‏ممارسة السلطة ومنذ سنوات طويلة. لذلك، لا أحد يستطيع ان يقبل بهذه الأعذار والتبريرات بأن ‏‏”هذا ارث وما خلونا نشتغل”. هذا الموضوع يجب ان ننتهي منه، هم في السلطة لأكثر من نصف ‏الفترة التي يقولون عنها ثلاثين سنة ماضية، أي أنهم مسؤولون وعلى الأقل مسؤولية مباشرة عن ‏أكثر من خمس عشرة سنة ولا سيما خلال السنوات العشر الماضية، وهي الفترة التي تفاقمت ‏فيها الأمور الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والنقدية على الشكل الذي نراه الآن”.‏
وإذا كان “المتظاهرون الغاضبون في الشارع الجمهور السياسي لما يعرف بـ14 آذار او هم ‏لبنانيون”، قال: “هم فعليا كذلك ويمثلون قطاعا كبيرا من اللبنانيين ولا سيما من الشباب الذين ‏يشعرون بأنهم مهمشون ولا يستمع إليهم، وهم أصبحوا يواجهون نتائج تعقد هذه المشكلات ‏وتفاقمها، والتي انفجرت مؤخرا، وخصوصا بعد 17 أكتوبر الماضي. صحيح أن فريقا كبيرا ‏ممن كانوا محسوبين على فريق 14 آذار هم جزء أساسي من شباب هذه الانتفاضة، لكن هؤلاء ‏الشباب فاض بهم وأصبحوا يطالبون بالتغيير وبضرورة العودة إلى احترام الدستور والقوانين ‏ومصلحة الدولة اللبنانية لكي تتمكن من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. وها هم ‏يشهدون على التدهور المتزايد للأوضاع من جوانبها كافة وعلى أكثر من صعيد”.‏
ومضى السنيورة قائلا: “الآن وبعد التدهور الكبير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية، ‏فإن الأمور أصبحت تستدعي من الرئيس والحكومة مواجهة الحقيقة بشجاعة ومسؤولية وليس ‏الاستمرار في إضاعة الوقت. الأمر المستغرب أننا ما زلنا نضيع وقتا ثمينا وعلى الأقل منذ ‏ثمانية أشهر وما زلنا في حال تساؤل هل نريد فعلا ان نبحث أوضاعنا مع صندوق النقد الدولي ‏او لا نبحث. الحقيقة المرة هي أنه كان بإمكان لبنان تجنب الذهاب الى صندوق النقد الدولي لو ‏نفذ الإصلاحات المطلوبة والتي كان يجب ان تتم في نهاية التسعينات وبعد مؤتمرات باريس ‏الثلاثة في الأعوام 2001 و2002 و2007، وبعدها وفي أكثر من مناسبة جرى تطبيقها. ولكن ‏المشكلة أن الاستعصاءات والعناد استمرا وهما ما زالا مستمرين وفي تفاقم متزايد حتى الآن. ‏اللأسف نحن مضطرون ومن أجل الخروج من هذه المآزق المتكاثرة، أن نتحمل كلفة أعلى ‏ووجعا أكبر”.‏
وعما إذا كانت الإصلاحات ستشكل بديلا من توفير سيولة تضخ في شرايين الاقتصاد اللبناني، ‏قال: “إن توفير السيولة المالية والنقدية التي يحتاجها لبنان ومن الواجب ضخها في شرايين ‏الاقتصاد الوطني أمر أصبح ضروريا ومستعجل جدا، انما المفتاح الأساس لتحقيق ذلك باستعادة ‏الثقة، وهذا ما لم تلحظه الخطة التي أعدتها الحكومة. هناك مشكلة كبرى تتعلق بالانحسار الكبير ‏الحاصل في الثقة بين اللبنانيين وبين الحكومة وما بين اللبنانيين وبين مختلف الفئات السياسية في ‏لبنان. وكي يستعيد الاقتصاد حيويته وفعاليته، والمالية العامة سلامتها، على الحكومة ورئيس ‏الجمهورية ان يعملا كل من طرفه لوضع استعادة الثقة موضع التنفيذ والمتابعة الجدية واليومية. ‏ولكن هذا لا يتم أو يكفي ان يقول العهد والحكومة ذلك ويطلبا من الناس أن تثق بهم، فهي تثق ‏بهم كرئيس للجمهورية وكرئيس للحكومة وكأحزاب مشاركة في الحكومة وكطقم سياسي من ‏خلال القرارات التي يتخذونها ويعملون على تنفيذها بجدية وحيادية، وكذلك على أساس ‏الممارسات التي يقومون بها”.‏
كما لفت الى أنه “حتى الآن رئيس الجمهورية يستعصي على توقيع المراسيم المتعلقة بالتشكيلات ‏القضائية، وتوقيع هذه التشكيلات هو بالفعل رسالة للبنانيين ولأشقائهم ولأصدقائهم في العالم بأن ‏الحكم والحكومة يقومان بخطوة عملية باتجاه التأكيد على تحييد وتعزيز استقلالية القضاء. هناك ‏أمثلة كثيرة أخرى، فرئيس الجمهورية والحكومة ما زالا يستعصيان على تنفيذ الإصلاح في ‏قطاع أساسي مسؤول عن أكثر من 50% مما أصبح عليه مجموع الدين العام، ألا وهو قطاع ‏الكهرباء. الحكومة ما زالت تمتنع عن القيام بهذا الأمر وللدلالة على ذلك فإن التيار الوطني الحر ‏ما زال ممسكا بهذه الحقيبة الوزارية وبملف الكهرباء منذ أكثر من اثني عشر عاما وفي الحد ‏الأدنى. وهو ما زال يمتنع عن تطبيق القوانين الصادرة في موضوع الكهرباء. كذلك وعلى سبيل ‏المثال، القوانين الصادرة في قطاعي الاتصالات والطيران المدني. إذا، هم المسؤولون المباشرون ‏عن هذا التردي الحاصل ولا يمكن ان يحملوا هذه المسؤولية لغيرهم”.‏
وردا على سؤال عما إذا كان هناك قيود مفروضة عليهم من بعض الأشخاص الحاكمين، قال ‏الرئيس السنيورة: “المعارضة تقول للحكومة وللأحزاب التي تنتمي: “بدلا من التلهي بالكلام ‏قوموا باتخاذ القرارات”. هم عليهم أن يبادروا ويأخذوا القرارات اللازمة والمواطنون يريدون ‏منهم ان يعتمدوا تلك القرارات الإصلاحية. وهذا هو الطريق الوحيد من أجل استعادة الثقة ‏المفقودة ما بين المواطنين والدولة وبينهم وبين الحكومة. وأكرر هنا أنه لا يمكن ان تستعاد هذه ‏الثقة من خلال استمرار الكلام وإلقاء اللوم على الآخرين او من خلال القيام بمحاولات بائسة ‏لحرف الانتباه عن المشكلات الأساسية باختلاق مشكلات أخرى للالهاء وتؤدي عن قصد أو غير ‏قصد إلى زيادة حدة التشنج وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية. وهذا في الواقع يفسر حقيقة ما ‏حصل في اليومين الماضيين من أعمال عنف وتهجمات مشينة تتقصد استعادة احداث أليمة في ‏تاريخنا العربي والإسلامي قبل أربعة عشر قرنا لا فائدة منها على الاطلاق. سؤالي هنا: ما معنى ‏ان يصار الى محاولة شتم السيدة عائشة رضي الله عنها ومحاولة قول بعض المتظاهرين اننا ‏شيعة شيعة؟ وما هو المبرر لمحاولات التهجم على مناطق أخرى في ضاحية بيروت الجنوبية ‏وتكسير السيارات وغيرها من التعديات؟.‏
أضاف: “إن المشكلات التي نواجهها هي مشكلات وطنية تمس جميع اللبنانيين المنتمين لكل ‏الأطياف السياسية والطائفية والمذهبية ولا داعي ولا منفعة من افتعال مشكلات تؤدي إلى اشعال ‏الفتن بل هناك مخاطر كبيرة من العودة إلى إثارة تلك النعرات. الذين يفعلونها يبدو انهم موجهون ‏ومدفوعون من قبل جهات تريد أن تحرف انتباه اللبنانيين وتأخذهم بعيدا عن معالجة مشكلاتهم ‏الحقيقية ونحو الانشغال ببعضهم بعضا وبمشكلات مستجدة ليس لها علاقة بحل المشكلات ‏الوطنية والسياسية والاقتصادية المتفاقمة. هذه المجموعات وكأنها تريد أن تقول للبنانيين إن لا ‏حل لقضية استعادة الدولة لسلطتها ولدورها وهيبتها، ومن يريد ان يطرح هذه المسائل على بساط ‏البحث الهادىء والهادف سيكون عرضة للتخوين وسترفع في وجهه أسلحة إثارة الفتنة الطائفية ‏والمذهبية”.‏
وأردف: “ان الأطراف التي تثير النعرات الطائفية والمذهبية وتقف في وجه استعادة الدولة ‏لدورها وسلطتها يحرص عليها بشكل مباشر أو غير مباشر فريق موجود في الحكم والحكومة. ‏وهذا يمكن تبينه من الأماكن التي اتى منها أولئك المشاغبون، ومن العبارات التي تلفظوا بها، ‏ومن المواقف التي قاموا بها وعلى الأقل، على مدى كل هذه الفترة التي نشط فيها هذا الحراك ‏الوطني أي منذ 17 من أكتوبر الماضي. وهذه المجموعة معروفة لمن تنتمي ومن تمثل. ‏المطلوب من جميع هذه القيادات السياسية والحزبية والدينية ان تضغط على تلك المجموعات من ‏أجل أن تتبصر بتصرفاتها لان ما تقوم به لعب بالنار وبالنسيج الوطني اللبناني، ولعب أيضا ‏بالصيغة المثلى التي يقوم عليها لبنان وهي صيغة العيش المشترك ما بين اللبنانيين على كافة ‏تنوعاتهم الطائفية والمذهبية والعرقية”.‏
الى ذلك أكد السنيورة أن “هناك حقيقة ساطعة أنه لم يعد متاحا أو ممكنا الاستمرار في تهميش ‏الدولة التي هي لكل اللبنانيين إلى أي فئة انتموا وفي أي منطقة جغرافية ولجميع اللبنانيين المقيمين ‏في لبنان أو في الخارج، ولا يمكن الاستمرار في ألا تكون الدولة هي صاحبة القرار والسلطة ‏الوحيدة وان يكون لديها الحق الحصري في الاحتفاظ بالسلاح واستعماله عند الاقتضاء. وليس ‏مقبولا أن تستمر الدولة هي الطرف الأضعف في علاقتها مع الأحزاب السياسية والطائفية ‏والميلشياوية، ولا أن تستمر هذه المجموعات في الاستقواء بهذا السلاح من اجل فرض قرارها ‏ورأيها وشروطها على الدولة وعلى باقي الأطراف السياسية”.‏
وشدد على أنه “المطلوب الآن ليس فقط الاكتفاء بالكلام الذي شاهدناه وسمعناه من ادانة لتلك ‏التصرفات المشينة، وهذا أمر طيب وجيد، ولكن هذا لم يعد كافيا. فأولئك الذين قاموا بتلك ‏الأعمال ليسوا أشباحا، والأجهزة العسكرية والأمنية تعرفهم واحدا واحدا وعليها واجب القبض ‏عليهم والتحقيق معهم ومعاقبتهم. ولكن بالإضافة إلى ذلك، على جميع الفئات السياسية ان يتميز ‏خطابها وأداؤها بالعمل الجاد من أجل الحفاظ على هذه الصيغة الوطنية وبالتالي العمل من أجل ‏تمكين لبنان من استعادة عافيته الاقتصادية والسياسية”.‏
وتابع: “ليكن واضحا أنه لا يمكن استعادة الثقة في الجو الذي أصبحنا عليه من انهيار للثقة ‏الداخلية والخارجية، ولا يمكن للبنان إقناع صندوق النقد الدولي بمساعدته ولا يمكن ان يقنع ‏اشقاءه العرب ولا اصدقاءه في العالم من أجل تقديم الدعم له. إن الولوج إلى هذا الفضاء الجديد ‏حيث يستطيع لبنان أن يبدأ بمعالجة مشكلاته المتفاقمة لا يكون عمليا إلا من خلال الأداء الصحيح ‏والمبادرة إلى البدء بإجراء الإصلاحات والدخول من هذا الباب الإلزامي الذي هو صندوق النقد ‏الدولي الذي يمكن معه البدء بتصويب بوصلة الإصلاحات. هناك عمل علينا ان نقوم به تقع ‏مسؤوليته على الحكم والحكومة وعلى الفرقاء السياسيين، وذلك بالعمل على استعادة السكينة ‏الوطنية من خلال معالجة الخلل الفاضح في التوازن الداخلي والخلل الفاضح في التوازن في ‏السياسة الخارجية للبنان، وذلك يكون بالعودة إلى احترام الدستور واتفاق الطائف والقوانين ‏اللبنانية ومصلحة الدولة عملا وليس قولا فقط”.‏
وعن البعد بين لبنان والعرب، قال: “لقد أدى ذلك إلى مشكلات خطيرة أصبح يعاني منها لبنان ‏على أكثر من صعيد مالي واقتصادي ونقدي وحياتي ومعيشي، فهو لم يعد يستطيع ان يتحمل هذا ‏الاختطاف المستمر للدولة، والمشكلة أن هناك من يحاول استعمال هذه القوة الفائضة أيضا ‏للتدخل في شؤون بلدان عربية عديدة: سوريا والعراق واليمن وليبيا وفي غيرها مما يزيد في ‏تعميق الاحتقان الداخلي ويزيد في عمق الهوة التي تفصل بين لبنان وأشقائه العرب وبينه وبين ‏أصدقائه في العالم. هذا الامر لم يعد مقبولا ولم يعد ممكنا. لبنان يجري تحميله أكثر مما يستطيع ‏ان يتحمل، وليس بمقدوره أن يتحمل ما لا طاقة له به. المطلوب الآن من الجميع ان يدرك بأن ‏هناك قدرة للبنان على الاحتمال ولا يمكن الاستمرار في تخطيها، وهذا القدر من الضغط عليه ‏يؤدي به إلى الانكسار مع ما يعنيه ذلك من مشكلات وطنية واقتصادية ومالية ومعيشية خطيرة. ‏هناك قرار اتخذته الحكومات اللبنانية الماضية ومنها الحكومات التي تألفت خلال رئاسة الرئيس ‏عون، وذلك يتعلق بموضوع ما يسمى النأي بالنفس. هناك كلام كثير يقال بشأن التزام سياسة ‏النأي بالنفس عن الصراعات العربية، ولكن للأسف الممارسة الفعلية هي ممارسة مختلفة عن ‏ذلك لا بل هي مناقضة لها، فكيف للبنانيين أن يتفهموا ذلك ويقبلوه، وكيف لأشقائنا العرب ‏وأصدقائنا في العالم أن يتفهموه ويقبلوه”.‏
وعن الدعم العربي للبنان، قال: “علينا جميعا ولا سيما في لبنان، أن ندرك بأننا أصبحنا نعيش ‏ظروفا مختلفة في عالمنا العربي، ظروفا مستجدة لها علاقة باستمرار الانقسامات العربية، ‏وظروفا اقتصادية ومالية مستجدة بسبب انخفاض أسعار النفط إلى حدود خطيرة، وكذلك ظروفا ‏مستجدة لها تداعياتها الخطيرة أيضا بسبب جائحة الكورونا. وعلى اللبنانيين ان يتلاءموا مع ‏طبيعة هذه التغيرات والتحولات. وأرى أنه من الاجدى باللبنانيين وبالسياسيين ان يدركوا عظم ‏هذه التحولات والمتغيرات وفداحة الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية ويمر بها ‏العالم”.‏
أضاف: “أنا لا أقول هذا الكلام لإعفاء الأشقاء العرب ولا الدول الصديقة من تحمل مسؤولياتها ‏تجاه لبنان، فالكل يعرف ان لبنان تحمل وعلى مدى الخمسين سنة الماضية ما لا يحتمل، وبالتالي ‏فهو دفع الفاتورة مضاعفة من اجل الدفاع عن القضايا العربية وهو لم يمنن أحدا بذلك. وهناك ‏ضرورة بأن تبادر الدول العربية والعالم اجمع لمساعدته في التغلب على مصاعبه. ولكن مطلوب ‏في الوقت نفسه من الحكم والحكومة اللبنانية وكما تقول الآية الكريمة “ان الله لا يغير ما بقوم ‏حتى يغيروا ما بأنفسهم”، “ما حدا بساعدنا إذا نحنا ما ساعدنا حالنا” إذا لم يبادر اللبنانيون للعودة ‏إلى الحضن العربي وما لم يجر استعادة السكينة في لبنان واستعادة التوازن الداخلي والتوازن ‏الخارجي المفقودين فإنه ما من إمكانية للعالم لان يمد الأشقاء والأصدقاء يد العون للبنان”.‏
وتابع: “لندرك جميعا في لبنان بأن كل الإصلاحات المطلوبة وعلى أهميتها وحتمية القيام بها، لم ‏تعد كافية ولن تكون كافية لوحدها. اذ أصبح من الضروري بل ويفترض بنا نحن اللبنانيين ‏معالجة الأمور السياسية كي يتحقق العلاج الصحيح للمشكلات المستفحلة. كذلك علينا أن نتفهم ‏كل هذه الظروف المستجدة، ويجب على إخواننا واشقائنا وأصدقائنا في العالم ان يتفهموا واقعنا. ‏نحن علينا ان نبادر فورا إلى اعتماد المقاربة الصحيحة لحل مشكلاتنا من اجل ان يتمكن لبنان ‏من التغلب عليها”.‏
وختم السنيورة: “باعتقادي هناك إمكانية للبنان ان يتخطى مشكلاته ويتغلب عليها، انما ذلك ‏يتطلب جهدا وقرارات أساسية من جانب رئيس الجمهورية والحكومة والفرقاء السياسيين من ‏جانب أول، ومن جانب آخر من قبل اشقائه وأصدقائه في العالم”.‏

لمشاركة الرابط: