كارلوس غصن في مواجهة القضاء الياباني من منبر نقابة الصحافة على طريقته

خاص – nextlb
الى دار نقابة الصحافة هرع الصحافيون ومعظمهم من اليابانيين بكامل عتادهم وكاميراتهم العملاقة ، أكثرهم ربما لم يكن يحمل إذناً بالدخول الى القاعة ، حيث يعقد الرئيس السابق لمجموعة رينو- نيسان مؤتمره الصحافي ، كارلوس غصن الذي خرج أو أخرج من الحجز من اليابان بطريقة ما ، رفض خلال المؤتمر الكشف عنها حماية لمن ساعده على نجاح الخطة ، كما أوضح .
هذا المؤتمر الذي قرر غصن عقده للرد على ما وصفه بالظلم الذي لحق به خلال فترة توقيفه في أحد السجون اليابانية في طوكيو للتحقيق معه بتهم التهرب الضريبي التي تعتبر في دول العالم المتحضرة من أفظع التهم التي توجه لموظف قيادي كبير في سدة المسؤولية ، وهذا للأسف غريب على مجتمعنا وتقاليدنا .
تحت المطر
نصب الحشد الإعلامي الياباني كاميراته الضخمة المخبأة في أكياسها إتقاء للمطر المنهمر بغزارة والبرودة الشديدة عند زاوية الرملة البيضاء ، ووسط برد قارس إفترش العديد من الصحافيين اليابانيين الأرض ، وطيروا الرسائل الإلكترونية من كمبيوتراتهم المحمولة مباشرة الى اليابان ، وعلى بعد أمتار رفعت سيارات البث التلفزيوني صحونها اللاقطة الضخمة في مواجهة مبنى نقابة الصحافة ، وسط إنتشار أمني ملحوظ ومدروس ، وجولات متكررة مع استخدام كلاب بوليسية مدربة لإحدى الشركات الأمنية المولجة كذلك بالتفتيش ، وتدقيق بوجوه الإعلاميين بهدوء وجدية تامة ، عشرات الصحافيين اليابانيين العاملين في شبكات تلفزيونية قلما سمعنا عنها أو رأينا شارتها على الفضائيات ، كأنهم من كوكب آخر غير كوكبنا العادي ، يرطنون بلكنة يابانية تنتشر عبر الأثير لتصل الى أقصى شرق المعمورة ، هناك حيث تمكن غصن رئيس أحد أكبر مجموعات شركات صناعة السيارات في العالم من الإفلات من الحجز تمهيداً للمحاكمة التي طال انتظارها ،


عبارات وإشارات
كانت السلطات القضائية اليابانية تترقب دقيقة بدقيقة ما يقوله غصن في مؤتمره الصحافي الماراتوني متعدد اللغات ، بعدد الجنسيات التي يتقنها وأكثر ، شرح بالإنكليزية بوجه عابس وقسمات حانقة وإشارات غاضبة بيديه ، ظروف الإحتجاز والظلم الذي تعرض له ، مبررا هروبه بالقول : ” لم يكن أمامي أي خيار آخر سوى حماية نفسي” ومذكراً في نفس الوقت بأن شركة نيسان التي كان يرئسها ، خسرت 40 مليون دولار يومياً منذ توقيفه في عام 2018، ومشيراً إلى “تواطؤ” حصل ما بين شركة نيسان والمدعي العام الياباني بشأن توقيفه.
أجاب غصن الإعلاميين بالعربية والفرنسية والبرتغالية (لغة البرازيل موطنه الثاني) … الحدث نادراً ما يحدث في العالم … فالمتهم متعدد الجنسيات ، لبناني الأصل وبرازيلي المنشأ والجنسية ، وفرنسي الجنسية كذلك ، هارب من التوقيف الياباني الذي طال لأكثر من عام ويحتمل التمديد لعام آخر ,وقد يمتد الى خمس سنوات كما قال في المؤتمر .


رحلة مع ” نيسان”
وفد غصن قبل عقدين من الزمن (1999) الى عالم اليابانيين الصارم في العمل والمقاييس ، بروح المغامرة والتحدي وكانت شركة “نيسان” على شفير الإفلاس مع ديون هائلة بلغت 22 مليار دولار (لاحظ ضخامة الرقم) ، قلب المقاييس هناك وقلص الديون الى 4 مليارات خلال عامين فقط فأذهل علماء الإقتصاد ، ليواصل إدهاشهم بتحصيل أرباح بعد ثلاثة أعوام فقط من تطبيقه لخطته الثورية التي قضت بأرسال معظم موظفي شركة نيسان من كبار السن الى بيوتهم ، ودفع بعضهم الى التقاعد بإعتبارهم هم من يقف وراء متاعب شركة نيسان المالية ، وأدخل إصلاحات جذرية على الشركة فمنع فيها التوظيف لمدى الحياة على الطريقة اليابانية ، مارس صلاحياته بجدية تامة كرئيس لإتحاد مجموعة رينو- نيسان الشركة العالمية التي ضمت أيضا شركة إطارات ميشلان و ميتسوبيتشي ، ويبدو أن غصن كان على حق في تدابيره القاسية والصارمة ، إذ إرتفعت مبيعات الشركة واستبدل الخسارة والإفلاس بنجاح جيد وأرباح تشغيلية ممتازة بعد سنوات معدودات ، ودشنت بفضله طرازات ناجحة عملية وشبابية ورياضية من العلامة اليابانية العريقة ، جددت بث الدم الشاب في عروقها التي كانت قد بدأت بالهرم والشيخوخة .
عززت التدابير العلاجية الناجعة على ما يبدو موقعه ونجاحه على رأس هذه الأمبراطورية الصناعية ، ولربما اعتبر غصن أن الكثير من الكيدية والحسد كانت من أحد أسباب ما آلت اليه الأمور ، لينتهي الأمر بهذا الوضع التراجيدي الذي قرر هذا الرجل حله على طريقته الخاصة ، هذه الطريقة التي وضعت السلطات القضائية اليابانية في وضع لا تحسد عليه ، ودفعتها مرة جديدة الى التشدد أكثر فأكثر في إجراءاتها الأمنية على الموقوفين لديها التي نادراً ما خرقت منذ عشرات السنين .


عند القضاء اللبناني
ويبدو أن المتاعب ستبقى تلاحق غصن الذي استدعاه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات “للإستماع إلى إفادته اليوم الخميس حول مضمون النشرة الحمراء الصادرة عن القضاء الياباني ، والتي تتهمه بإرتكاب جرائم على الأراضي اليابانية وتطالب بتوقيفه “، كما يستمع مدعي عام التمييز أيضاً لإفادته حول إخبار تم تقديمه من محامين لبنانيين عن “دخوله بلاد العدو والإجتماع مع عدد من القيادات الإسرائيلية”.

عاطف البعلبكي
[email protected]

لمشاركة الرابط: