حددت هيئة المجلس العدلي جلسة في 4/10/2019 لصدور الحكم في جريمة إغتيال القضاة الأربعة : حسن عثمان، عاصم بوضاهر، عماد شهاب ووليد هرموش ، على قوس محكمة الجنايات في قصر العدل القديم في صيدا في حزيران من عام 1999.
وإلتأمت الهيئة، في قاعة المحاكمة في محكمة التمييز في قصر عدل بيروت برئاسة القاضي جان فهد وعضوية القضاة المستشارين: جوزف سماحة، ميشال طرزي، جمال الحجار وعفيف الحكيم، وفي حضور ممثلة النيابة العامة التمييزية القاضية ميرنا كلاس.
كما حضر أفراد عائلات القضاة الشهداء وحشد من محامي صيدا والجنوب في لفتة تضامنية مع عائلات القضاة.
ومثل مخفورا من دون قيد المتهم الفلسطيني وسام طحيبش، في حضور وكيله المحامي ناجي ياغي، فيما حضر عن جهة الادعاء كل من المحامي ياسر عاصي بوكالته عن بهيجة الصلح أرملة القاضي الشهيد حسن عثمان، المحاميان منيف حمدان وبلال بو ضاهر بوكالتهما عن سوزان قبرصلي أرملة القاضي الشهيد عاصم بو ضاهر. كما حضر حمدان بوكالته أيضا عن غادة جنبلاط أرملة القاضي الشهيد وليد هرموش، التي حضرت بدورها أصالة عن نفسها. أما عن الدولة اللبنانية المتمثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل فقد حضر المحامي مصطفى قبلان.
ونودي على الشاهد ناصر أبو صيام فتبين أنه سافر الى الأردن، وقد طلبت ممثلة النيابة العامة القاضية كلاس صرف النظر عن الاستماع الى إفادته، فتقرر وضع الإفادة التي قدمها أمام فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بتاريخ 12/6/2007 قيد المناقشة العلنية.
وكانت أولى المرافعات لممثل الدولة اللبنانية المحامي قبلان، الذي اعتبر أنه يقف اليوم أمام هيئة مؤلفة من ثماني قضاة لا أربعة، “فالقضاة الشهداء حاضرون معنا اليوم، وفي عيونهم نظرة عتب، فهم الذين شكلت أحكامهم مدارس يشهد لها تاريخ القضاء في لبنان.
وطلب قبلان من الهيئة أن تسقط تسمية “القضاة الأربعة”، ويستعاض عنها بأسمائهم، تخليدا لذكرى هؤلاء القضاة الذين هم من خيرة قضاة لبنان.
وتحدث عن جريمة منظمة خطط لها الإرهابيون الذين أقدموا على تأليف جمعية حاقدة برئاسة العقل المدبر أمير عصبة الأنصار أحمد عبد الكريم السعدي الملقب ب”أبو محجن”، وكان هدفها الأعتداء على أمن الدولة وزعزعة كيانها والنيل من هيبة قضائها.
وطلب قبلان في ختام مرافعته الإعدام للمتهمين جميعا، وطالب بتعويض عطل وضرر رمزي قدره ألف ليرة. ثم أبرز مذكرة خطية بمثابة مرافعة شفهية.
في المرافعة الثانية، تحدث المحامي بو ضاهر، فأشار الى أن “الانتظار طال نحو عشرين عاما لإماطة اللثام عن جريمة منظمة قامت بها مجموعة إرهابية فأعدمت رميا بالرصاص هيئة محكمة كاملة في أكبر تحد لهيبة القضاء والدولة”.
واستعرض بالتفصيل وقائع الجريمة ودور كل من شارك فيها، مقدما الأدلة والنصوص المرعية الإجراء، طالبا “إدانة المتهمين بما أسند اليهم في القرار الإتهامي وبتعويض رمزي كعطل وضرر قدره ألف ليرة لبنانية”.
ثم ترافع المحامي حمدان، فتحدث عن “أخطر جريمة عرفها لبنان في توقيتها ودلالاتها، إذ أنها حصلت بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب وفي غمرة احتفالات اللبنانيين وفرحهم العارم بهذا الإنسحاب”.
وقسم المتهمين الى 3 أفرقاء تطالهم قرائن عدة، مشيرا إلى أن “الموقوف الوحيد في هذه الجريمة المتهم وسام طحيبش كان شريكا فاعلا في عملية القتل.
وطلب في ختام مرافعته “تجريم المتهمين وإدانتهم بما هو مسنود اليهم في القرار الإتهامي وإنزال العقاب العادل بهم، إضافة الى تعويض رمزي للضرر المادي والمعنوي اللاحق بعائلات القضاة الشهداء قدره ألف ليرة لبنانية”.
وترافعت المحامية جنبلاط فثبتت مضمون مرافعة المحامي حمدان والمطالب التي خلص اليها.
ثم كانت مرافعة المحامي سالم سليم، الذي أصيب خلال تواجده في قصر عدل صيدا بإصابات بليغة، خضع بعدها لعدد من العمليات الجراحية في لبنان وخارجه، وهو لغاية اليوم يعاني من مشاكل صحية عدة.
واعتبر أن “هذه الجريمة مست العدالة في العمق”، مطالبا ب”إحقاق الحق”، متبنياً “مرافعة المحاميين حمدان وعاصي وبعطل وضرر قدره مليار ليرة لبنانية يعود ريعه لدعم مكتب مكافحة قضايا الإرهاب”.
النيابة العامة
بعدها، ترافعت القاضية كلاس ممثلة النيابة العامة، فأشارت الى أن “القضاة هم أولياء الدم في هذه الجريمة النكراء، وهم حراس العدالة الذين وقعوا ضحية مؤامرة إرهابية نالت من هيبة القضاء، وهي جريمة لا يمكن أن تكون وليدة ساعتها، فقد نفذت بدم بارد في وضح النهار من دون أقنعة وآثار تذكر، ما يدل على دقة التخطيط والتنفيذ”، وقالت: “إن هذه المجزرة لم يعرف لها لبنان ولا العالم مثيلا، فهي لم تستهدف القضاة الأربعة فقط، إنما القضاء كله، ولا صيدا فقط إنما لبنان كله. ومن يطلق النار على من يحكم باسم الشعب فهو يطلق النار على الشعب”.
ولخصت كلاس في مرافعتها كيفية حصول الجريمة والتقارير الأمنية عن الظروف المحيطة بها ونتيجة الكشف على مسرح الجريمة، إضافة الى الأعمال التمهيدية للجريمة وأعمال المراقبة والرصد وإفادات الشهود بالتفصيل وإفادة المدعى عليه وسام طحيبش والأدلة والقرار الاتهامي.
وطلبت “تثبيت مواد الإتهام”، مبينة “ما تعانيه قصور العدل في لبنان من هشاشة في الأمن وتصدع في الأبنية وفقر في المعدات”.
كما بينت “كيف أن القضاء يحارب بجرأته وأقلامه وبدمه الطاهر وأن استقلالية القضاء ليست منة من أحد، وهي لا تعطى بل تؤخذ وتستحق.
آخر المرافعات كانت لوكيل المتهم وسام طحيبش المحامي ياغي، الذي أشار الى أنه توكل عنه منذ 13 عاما، وأنه سبق أن اتصل بالقوى الأمنية وقام بتسليم نفسه بغية الإدلاء بما لديه من معلومات في الجرائم المنسوبة اليه بغية إثبات براءته منها، وأنه ظل لمدة 11 عاما يحضر في هذا الملف بصفة شاهد الى أن تم توقيفه من قبل المحقق العدلي.
أشار ياغي إلى أن “ذنب موكله أنه متزوج من إبنة رئيس عصبة الأنصار، وهو غير منتم الى هذه المجموعة. وفي كل إفاداته، أنكر علاقته بجريمة اغتيال القضاة الأربعة، وأن شهود العيان أكدوا هوية الجناة ولم يأت أي من الشهود على ذكره”، وقال: “إن الأحكام التي صدرت عن المحكمة العسكرية بحقه تتصل بالتسلح والنيل من هيبة الدولة. أما الأحكام في دعاوى القتل التي صدرت بحقه عن جنايات بيروت والجنوب فبرأته منها”.
وطلب ياغي في ختام المرافعة “البراءة لموكله من جناية القتل ومحاولة القتل والجنايات والجنح الأخرى المساقة ضده في الملف.
كما طلب على سبيل الإستطراد “إفادة موكله من الملاحقة”، مبرزا خلاصة حكمين صادرين عن المحكمة العسكرية وقرار إدغام صادرا عن المحكمة نفسها.
وفي نهاية الجلسة، كرر الأفرقاء كافة وممثلة النيابة العامة أقوالهم، وسألت الهيئة المتهم عما يطلبه، فطلب البراءة لأنه مظلوم، فاختتمت المحاكمة لإفهام الحكم في جلسة حددت في 4 تشرين الأول المقبل.
وقائع الجريمة
وكان مسلحون إطلقوا النار في حزيران يونيو من عام 1999 من النافذتين الجنوبية الغربية والغربية الجنوبية لقصر عدل صيدا القديم بإتجاه هيئة المحكمة، ما أدى إلى استشهاد القضاة الأربعة على قوس المحكمة : حسن عثمان، عاصم بوضاهر، عماد شهاب وليد هرموش، وإصابة كاتب المحكمة كميل رحال، المحامي سالم سليم، زهرة نجم، الرقيب أول علي عليان والعريف أكرم الأشقر، فيما نجا آخرون وبينهم من شاهد الجانيين اللذين كانا يرتديان جلبابين أبيضين وملتحيين، وتركا سلاحهما الحربي كلاشينكوف وصاروخ لاو تحت أحد الشبابيك، علماً بأنه قد جهز للإستخدام بعدما تم نزع واقي الأمان عنه، وفرا بعد القفز من فوق السور بإتجاه الكورنيش البحري، وهربا من مسرح الجريمة الذي لم يكن محصناً بالقدر الكافي كمحكمة تنظر في القضايا الجرمية وجنايات القتل على خطورة مرتكبيها .
المصدر – وطنية وأرشيف اللواء