احتفالاً بيوم المرأة العالمي، استضاف معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي التابع لوزارة المال ثلاث نساء رائدات قدّمنَ شهادات حيّة عن تجاربهنّ المهنية. وكانت ضيفة الشرف قاضي التحقيق في الشمال جوسلين متى، التي تحدثت عن التدبير الإصلاحي الذي اتخذته أخيراً بحقّ شابين مُدّعى عليهما بجرم إثارة النعرات الطائفية، حيث فرضت عليهما البقاء في أروقة دائرتها ليعملا على حفظ آيات من القرآن الكريم، بدلاً من توقيفهما. ورأت متّى أنّ “كل شيء يتطوّر فَلِمَ لا القانون و مقاربة القضاء من الناحية التربويّة والتثقيفيّة؟”.
وقالت: “كانت تجربتي طوال 20 عاماً في سلك القضاء وتحديداً في السنتين الأخيرتين كقاضي تحقيق في طرابلس، دافعاً لأخذ المبادرة. ففي الثامن من شباط الماضي حضر أمامي شابان في ربيع العمر وذنبهما أنّهم لا يدريان ماذا يفعلان، لاسيّما وأنّني تلّمست بعد استجوابهما حالة الجهل والتضليل التي دفعتهما إلى ارتكاب ما لا يدريان تبعته”.
وأضافت: “كقاضية وإنسانة ملزمة بالسهر على تطبيق القانون، وعليها مقاربة الموضوع من الناحية البنّاءة والمفيدة، عُدتُ إلى المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة التي اعطت قاضي التحقيق، ومهما كان نوع الجرم، أن يستعيض عن توقيف المدّعى عليه بإلزامه بموجب أو أكثر من الموجبات التي يعتبرها ضروريّة، وقد عدّدت المادة 111 بعض تلك الموجبات”. وتابعت: “هذه المادة فتحت لي الباب لأذهب إلى الفكر التربويّ وليس الجزائي فحسب، فكانت أمامي خيارات عدّة، فإذا بي العودة إلى مبدأ أنّ المؤمن الحقيقي يحمل في قلبه احتراماً كبيراً للآخرين وقلت لا يمكن أن يكون المسلم مسلماً حقيقياً من دون أن يُطبّق تعاليم القرآن الكريم، عندها عدت إلى النصوص القرآنيّة التي تُكرّم العذراء ولجأت إلى سورة آل عمران لأُذكّر هذين الشابين بأنّهما، بمثل هذه التصرّفات، يدنّسان الإسلام قبل تدنيسهما تمثال السيّدة العذراء”.
وتابعت: “خبرتي كقاضية انطلقت من هاجس أنّ كل شيء يتطوّر فَلِمَ لا القانون؟ ولِمَ لا مقاربة القضاء من الناحية التربويّة والتثقيفيّة؟ فمثلاً كيف يمكن إخراج شاب في ربيع عمره من أنّ فكرة العنف تدمّر صاحبها أوّلاً؟ أو كيف تساعده على فتح آفاق جديدة له في عالم لا يعرف إلا الانتقام وسيلة؟”. وشددت على أن “القانون يجب أن يُستعمل لبناء الإنسان والمجتمع معاً، ولكن يجب التنقيب عن الوسائل”.
ورأت القاضي متى أن “يوم المرأة العالمي يجب أن يكون وقفة فحص ضمير والأخذ في الاعتبار ما يمكن أن تؤديه المرأة من دور في القيادة والابتكار”.واعتبرت أن “للمرأة دوراً أساسياً في بناء مجتمع راق وإنسانيّ معاً، وانطلاقاً من الخصوصيّات التي أعطاها إياها الخالق من عطف وتشبث وإحساس”.
ورأت أن “الطريق لدخول المرأة إلى القطاع العام والإبداع فيه يجب أن تسبقه إرادةٌ تعترف بضرورة الاستفادة من الطاقة النسائيّة التي هي أساس كل تربية وتنشئة على المواطنة والانفتاح لبناء المجتمعات، لذلك تضع المرأة نفسها في معترك ليس ببعيد عنها، فتجعل من كلّ قطاع مسرحاً لتطوير وتحديث ما يجب تحديثه”. وأضافت “هذا ما ينطبق على القضاء، إذ عندما يكون للمرأة دورفي مزاولة المهنة وانطلاقاً مما خصّها به الله من حنان وحكمة فإنها قادرة على تغيير أرض الواقع وإدخال بعد تربوي وإصلاحي على العقوبة”.
وشدّدت على أنّ “التحدّي الأكبر يكمن في كيفيّة تطوير الذهنيّة والأعراف الخاصة بكل مجتمع للمساهمة في وصول المرأة إلى مركز القيادة لتتمكّن من المساهمة في صنع القرار”.
مسلّم
وتحدثت المديرة العامة المساعدة في البنك اللبناني للتجارة ومؤسِسة برنامج التمكين الاقتصادي للنساء We Initiative تانيا مسلّم، فأشارت إلى أن البنك كان “أوّل مؤسّسة في لبنان تمنح الأب إجازة أبوّة حتى قبل صدور القانون ذات الصلة، انطلاقاً من الإقتناع بأن عدم حصول الرجل على دور في المنزل، سيحدّ من نشاط المرأة في الاقتصاد”.
وأضافت: “كنّا أوّل شركة في لبنان والمنطقة تلتزم مبادئ الأمم المتحدة لتمكين المرأة، فباتت النساء يمثّلن 52 في المئة من العاملين في البنك، فيما يتولين 42 في المئة من المناصب الإداريّة”.
وعدّدت المشاكل التي تواجه المرأة في حصولها على تمويل لنشاطها الاقتصادي، والحلول التي قدّمتها We Intiative من خلال القروض الميسرة للمرأة.
واشارت إلى أن “محفظة النساء في المصرف تنمو مرّتين أسرع بالقروض من تلك العائدة للرجال، والأمر ذاته بالنسبة للودائع، والقروض المشكوك في تحصيلها عند السيّدات تبلغ نصف عدد تلك المشكوك بها عند الرجال”.
كما لفتت إلى أهمية الخدمات غير المالية ضمن هذه المبادرة لتمكين النساء اقتصاديا من خلال التدريب والمرافقة.
فهد
أما الرئيسة التنفيذية لجمعية التعلّم البديل Lebanese Alternative Learning نايلة فهد فقالت إنها أسست جمعيتها التي تعنى بالتعليم الموجّه للأطفال الذين يعانون أمراضاً تحتاج إلى فترة علاج طويلة وضغط مالي، ولا يستطيعون استكمال دراستهم.
وأوضحت أن منصّة “طبشورة” التي أطلقتها الجمعية لهذا الغرض هي “منصّة إلكترونيّة مجانيّة تعتمد المنهج اللبناني وأهدافه وتحوّلها إلى نشاطات إلكترونيّة” لتسهيل عملية التعلّم لدى الأطفال. كما تحدثت عن شراكاتها مع جهات دولية لتطوير عمل الجمعية
وأشارت إلى أن “المنصّة تتضمّن كل المواد في المدرسة واللغات المعتمدة”. وأضافت: “طوّرنا ثلاثة صفوف ونأمل أن نشمل كل المراحل”.
بساط
وكانت رئيسة المعهد لمياء المبيض بساط ألقت كلمة ترحيب اعتبرت فيها أنها مناسبة للتذكير بحقوق المرأة ودورها في بناء المجتمعات بالشراكة مع الرجل “. واسفت لِكَون لبنان حلَّ “في المرتبة 180 عالمياً والـ15 عربياً في نسبة مشاركة النساء في البرلمانات”.. لكنها لاحظت أن ثمة أرقاماً “تحمل بعض الأمل، منها أن عدد المرشحات للانتخابات النيابية زاد عن المئة من أصل نحو 1000 ترشيح أي أن نسبة الترشيحات ارتفعت من 2% في الانتخابات الأخيرة إلى 10%.
كذلك أشارت إلى تعيين ثلاث نساء في مناصب سفيرات، وبانضمام خمس نساء إلى مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان للمرة الأول منذ تأسيس الغرفة.
لكنها شددت على أن “الطريق إلى المناصفة والمشاركة الحقيقية طويل لأن المرأة غير ممثلة تقريباً في مجالس الادارة بالمؤسسات العامة أو في قيادتها، ولا توجد أي امرأة في منصب محافظ، والنساء يشكّلن 16% فحسب من القائمّقامين”. كذلك أبرزت أن “تمثيل النساء في البلديات يقتصر على 5.4% من إجمالي المقاعد في الانتخابات الأخيرة (مقارنة بــ 4.6% في انتخابات 2010)وختمت كلمتها بالتذكير بأهمية المثابرة في العمل مهما كانت التحديات، والانفتاح والتعاون تماشياً مع متطلبات القرن الــ 21، كما والتعلّم من قصص النجاح والتفكير في حلول ومبادرات تساهم في وصول النساء إلى مراكز القرار والمساهمة في العمل العام من أجل نهوض لبنان.