خبراء في ندوة للجمعية الخيريّة العمومية الأرمنية: التحريض على الكراهية جريمةٌ… تماماً كالإبادة

نظّمت الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية (AGBU) أمس الخميس في مبنى عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة- بيروت ندوة بعنوان “منع ومكافحة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: مسؤوليّة الجميع”، وذلك في مناسبة “اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية وتكريمهم ومنع هذه الجريمة”. وهدفت الندوة التي حضرها وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان والنائب شانت جنجنيان، إلى الإضاءة على جرائم الإبادة التي حصلت عبر التاريخ، وتلك التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة أو يشهدها حالياً، وتناولت الجهود التي تهدف إلى ضمان عدم تكرارها. ودعا المشاركونإلى إدراج جرائم الإبادة في المناهج التعليمية تفادياً لتكرارها، مشددين على أن “التحريض على الكراهية جريمةٌ، تماماً كالإبادة”.
وهذه الندوة هي الثانية للجمعية بالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة بعد ندوة أولى العام الفائت، وأقيمت بالشراكة مع مؤسسة حقوق الإنسان والحق الإنساني والميثاق العالمي للأمم المتحدة UN Global Compact و”أمم للتوثيق والأبحاث” و”مركز الدراسات من أجل العالم العربي المعاصر”(CEMAM) وصحيفة “لوريان لو جور” ومنظمة العفو الدولية والهيئة اللبنانيّة للتاريخ (LAH). وحضر، إضافة إلى أوغاسبيان وجنجنيان، النائب الرابع لحاكم مصرف لبنان هاروتيون صاموئيليان، وسفير أرمينيا سامويل مكرديشيان، وممثلون لعدد من الوزارات والسفارات والإتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية والجمعيات الأهلية المحلية والجامعات.

كلمة الجمعية

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية في لبنان أنيتّا ليبيار إنّ اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة “يتعلّق بالمستقبل بقدر ما يتعلق بالماضي”، وشددت على ضرورة قيام “جهد مشترك من المجتمع الدولي لتجنّب تكرارالجرائم ضدّ الإنسانيّة”. وأشارت إلى أن فروع الجمعية الخيريّة العمومية الأرمنية في مختلف أنحاء العالم نظمّت في المناسبة مؤتمرات وندوات ومحاضرات وحلقات تقاشية ركّزت على ما يشهده العالم اليوم من مآسٍ إنسانية وليس فقط على تلك التي شهدها التاريخ. وأشادت بدور السينمائيين والإعلاميين في جذب الإنتباه إلى هذه المآسي، مما يساهم في عملية التوعية والحضَ على التحرّك.

نقل الأطفال من جماعة إلى أخرى

وبعد الجلسة الإفتتاحية، تحدّث استاذ دراسات حقوق الإنسان في جامعة “كايلفورنيا ديفيس” المؤرّخ الدكتور كيت دايفيد واتنباوعن نقل الأطفال عنوةً من جماعة إلى جماعة أخرى، واصفاً إيّاه بأنه “ركن رئيسيّ من جرائم الإبادة الجماعية”، مركّزاً في هذا الإطار على ما تعرّض له الأطفال الأرمن بين العامين 1915 و1922، وقال إن نحو مليونَي تركي اليوم لديهم على الأقل جدٍ أرمني.
وأشار واتنباو، الذي حضر خصيصاً إلى لبنان للمشاركة في هذه الندوة، إلى أن العثمانيّين نقلوا كثراً من الأطفال الأرمن إلى أسر تركيّة بعد إبادة عام 1915. كذلك وضَعَت الدولة العثمانيّة آلاف الأطفال الأرمن اليتامى أو الذين تفرّقوا عن عائلاتهم، في مياتم أو في منازل حضانة. ولاحظ أن ماساة الإبادة تكرّرت خلال مختلف مراحل القرن العشرين في أميركا الجنوبيّة وأفريقيا وأوستراليا، وكان يتم خلالها أيضاً بيع الأولاد وشراؤهم وتغيير ديانتهم ونقلهم إلى عائلات غالباً ما تكون عائلات الأشخاص المسؤولين عن قتل أهلهم.

دور التعليم

ثم تحدّث واتنباو مجدداً في الجلسة الأولى عن تدريس الإبادة الجماعيّة المقارنة، وهو أحد الرواد في هذا المجال، فشدد على أهميّة تضمين المناهج التعليمية موضوعي جريمة الإبادة الجماعيّة وحقوق الإنسان، معتبراً أن من شأن ذلك أن يساعد في تحقيق العدالة الانتقاليّة ووضع حدٍ للإفلات من العقاب.
ولاحظ الدكتور فيكين شيتيريان من جامعة “ويبستر” في جنيف أنّ الإبادة الجماعيّة للأرمن، وكذلك إبادة الأشوريين واليونانيين في الأناضول، رغم كونها”من الأحداث الرئيسيّة في القرن العشرين”، ورغم تأثيرها الكبير على الواقع الحالي للشرق الأوسط والعالم، لم تحظ بالإهتمام المناسب في الدراسات التاريخية. ورأى أن “التاريخ الحديث تجاهل بشكل كبير هذه الصفحة السوداء من تاريخ البشريّة ولم يستخلص الدروس منها”. وتابع: ” لم يتم فقط إبعاد الأرمن والأناضوليّين اليونان والكلدان الأشوريّين بالقوّة من أرضهم التاريخيّة التي هم سكّانها الأصليون، إنّما تمّ أيضاً طردُهم من التاريخ”. وختم قائلاً إنّ “إنكار الإبادة الجماعيّة ونسيانها، أدى إلى تكرارها طوال القرن العشرين وفي العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين،إذ إنّ الإفلات من العقاب يقود إلى تكرار الجرائم”.
أما المحامي الدولي الاستاذ في الجامعة الأميركية ونائب ممثّل المفوض السامي لحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتور نضال الجردي، فتحدث عن “التحريض على الكراهية”، موضحاً أنه “جريمة كالإبادة، حتى لو لم تحصل الجريمة المحرّض عليها أي الإبادة”. ورى أن “التحريض على الإبادة هو خطاب كراهية ويُعبّر عن النيّة لارتكاب جريمة”. وشدد على أن “الأهمّ من محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم هو تجنب وقوعها”. وأضاف: “إذا كانت الحروب تبدأ بكلمة فكذلك الإبادة تقع عندما يتم التحريض عليها”.

دور المجتمع المدني

وتمحورت الجلسة الثانية على دور المجتمع المدنيّ في زيادة الوعي والدعوة إلى منع انتهاكات حقوق الإنسان ومكافحتها.
وتحدثت الأمينة العامة للهيئة اللبنانيّة للتاريخ (LAH) ليلى زهوي عن مبادرة الهيئة المتمثلة في تدريس حريّة الدين والمعتقد وحقوق الإنسان، فأشارت إلى أن الهيئة أسّستها مجموعة من التاشطين عام 2013 “سعياً إلى النهوض بتعليم التاريخ”، وتنظّم ورشاً تدريبية وبرامج مكثفة للمعلمين وتنتج موادَ تعليمية”. وقالت إن الهيئة “تسعى إلى نهج شامل للتاريخ، وإلى دعم التفكير التاريخي كنهج لتعليم التاريخ، وتركّز على التنوّع كأحد المفاهيم في تعليمه”. وأشارت إلى أن الهيئة نظمت برنامجاً تدريبياً للمعلمين لتعزيز قدراتهم على نقل مفاهيم التعددية والحوار والتسامح والتنوّع إلى تلاميذهم. وإذ أشارت إلى أن المعلمين طبقوا البرنامج في 15 مدرسة، أملت في أن تتبنّاه وزارة التربية.
وتناولت الباحثة والأستاذة الجامعية الدكتورة كارمن أبو جودة مشروع “بدنا نعرف”التجريبي الذي نُفّذ بين عامي 2011 و2012 في 12 مدرسة رسمية وخاصة في لبنان. وأوضحت أن المشروع “تمثّل تعريف تلاميذ المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً، على الحياة اليومية خلال الحرب الأهلية، عبر مقابلات أجروها مع أهلهم”. وأضافت: “أردنا تشجيع الحوار بين جيل الحرب وجيل الشباب لكي يعرفوا ما حصل من معاناة، ولكي لا يتكرر اللجوء إلى الحرب والعنف”. وشددت على أهمية “استعمال التعليم لهذا الغرض رغم عدم تناول كتاب التاريخ مرحلة الحرب الأهلية”.
وتناولت مديرة المشروع الإقليمي لتعليم حقوق الإنسان في منظمة العفو الدوليّة هدى بركات موضوع تعليم حقوق الإنسان كأداة تغيير ومواجهة السرد التاريخي السلبي، فأشارت إلى تأسيس أكاديميّة حقوق الإنسان في العالم العربي “للعمل على هدفين، أولهما هو الحكومات ومساءلتها حول مواضيع حقوق الإنسان ومن بينها المناصرة للتربية على حقوق الإنسان، والثاني هو الوصول إلى مليوني شخص عالمياً يتمتّعون بالمعرفة والمهارات للمطالبة بحقوقهم”. وأوضحت أنّ “مفهوم التربية على حقوق الإنسان بالنسبة للمنظمة مرتبط كثيراً مع مفهوم العمل ولا وجود للواحد دون الثاني، فالهدف في النهاية الوصول إلى التغيير”.
وتحدث المدير المشارك في “أمم للتوثيق والأبحاث” لقمان سليم، فلاحظ أن المجتمع المدني اللبناني، لا سيَّما الناشط منه، مباشرة أو غير مباشرة، في مجال حقوق الإنسان، “لم يُحَقِّق حظًّا كبيرًا من النجاح في تحويل الارتكابات الجسيمة التي رفع لواء طلب الحقيقة في شأنها وإدانة مرتكبيها، وفي الطليعة منها قضية الاخفاء القسري خلال الحرب الأهلية، إلى قضايا وطنية يمكن أن يتأسس عليها مسار انتقال سياسي”. وأوضح أن “أمم للتوثيق والأبحاث” تبني على أن”لا محاسبة في الحاضر في معزل عن محاسبة الماضي”.
أما عضو الهيئة التوجيهية في الائتلاف الدولي لـ”المسؤولية عن الحماية”مستشار الأمن الإنساني في مكتب رئيس مجلس الوزراء فادي أبي علاّم،فشرح أن مفهوم “المسؤولية عن الحماية” (RtoP) الذي أقرته الأمم المتحدة في العام 2005، أحدث تغييراً جذرياً في مسار الأمم المتحدة، فقبل العام 2005 كان من غير الممكن أن تقوم الأمم المتحدة بأي إجراء أو عمل للتصدي لأي من الجرائم الأربع الكبرى وهي جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، باعتبار أنّ الأمم المتحدة هي منظّمة دوليّة تتألّف من دول ذات سيادة ولا يحق لها بناء على ميثاقها التدخّل في شؤون الدول الداخليّة”. وأضاف: “على خلفيّة وقوع الجرائم الوحشيّة في القرن العشرين وكان آخرها ما حدث في كمبوديا ورواندا حيث سقط ملايين الضحايا تحت أعين قوّات حفظ السلام الدوليّة، كان الإقرار بهذا المبدأ وأصبح هنالك تفسير جديد للسيادة من اعتبارها أنّها امتياز يعطى للدولة إلى اعتبارها مسؤوليّة على الدولة لحماية مواطنيها”. وأوضح أن “المبدأ الذي أقر بني على ثلاثة أعمدة: الأوّل أنّ مسؤوليّة الحماية تقع على الدولة بذاتها، والثاني أنّ على المجتمع الدولي مساعدة الدولة للقيام بمسؤوليّتها بالحماية، أما الثالث فيقوم على مسؤوليّة المجتمع الدولي للقيام بمهمّة الحماية في ما لوعجزت الدولة عن ذلك، أو لم ترغب، أو كانت طرفاً في عمليّات الإبادة وغيرها”. وأضاف أن هذا المبدأ طبق على دول عدة حول العالم بعد صدوره وخصوصاً على الدول العربيّة من ليبيا إلى السودان إلى اليمن والعراق وحتى سوريا”.
دور الإعلام

ثم أقيمت حلقة نقاشية عن دورالإعلام في منع التحريض، تحدثت فيها المحلّلة السياسيّة في صحيفة “لوريان لو جور”جانين جلخ، والمدير التنفيذي في مؤسّسة سمير قصير أيمن مهنّا، ومراسلة قناة “الجديد” يمنى فوّاز، ومراسلة Refugees Deeply بريثي نيللو التي غطّت ميدانياً المجازر التي يتعرّض لها الروهينغا في بورما.
خاص

لمشاركة الرابط: