
المصدر “المدن”
رد الفعل الذي ظهر، من قبل شخصيات وفاعليات وقادة رأي، من مناطق شبعا والعرقوب، تجاه موقف وليد جنبلاط القائل إن مزارع شبعا سورية، هي مواقف محقة وطبيعية وتستند إلى وثائق ومعطيات، تثبت ملكية لبنانيين للمزارع. وهي صحيحة في أغلبها. فالكثير من الفاعليات والشخصيات، والهيئات تملك وثائق ملكية وغير ذلك، تقول إن أجزاءً من هذه المزارع هي أراض يملكها لبنانيون.
المشكلة الفعلية ليست هنا، بل في إثبات واختيار هوية المزارع في شبعا، وهل هي أراض لبنانية أم سورية؟
في الحقيقة، إن إعلان وتظهير هوية المزارع، كانت وما زالت مسألة أهداف شخصية، أو مصالح سياسية إقليمية أو دولية.
المتعارف عليه، أن لبنان الرسمي، لم يسبق له وحين كانت العلاقات طبيعية بينه وبين سوريا، أن طرح موضوع هوية المزارع، التي احتلت من ضمن احتلال إسرائيل لمناطق ومساحات في مرتفعات الجولان عام 1967، وانتشرت فيها قوات “إندوف” التابعة للأمم المتحدة التي أقيمت وفقاً للقرار الدولي 242.
الدولة اللبنانية بكل رموزها وقياداتها، لم تثر سابقاً، أو تحرك أو تطرح أو تناقش مسألة المزارع وهويتها لأكثر من سبب وسبب.
كل ما في الأمر، أن لبنان تذكر أن المزارع لبنانية سنة 2000، حيث استخرج ضباط موالون للنظام الأمني السوري آنذاك، خرائط طرحت من قبل الجيش اللبناني وفي العلن، تقول إنها أراض لبنانية، ويجب استرجاعها وعدم تركها تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي تحريرها عبر المقاومة المسلحة.
الأهداف التي وقفت خلف هذا الأمر، تعود كما هو معروف، إلى أن القيادة السورية الأسدية آنذاك، كانت مستفيدة من وجود المقاومة المسلحة في لبنان بوجه إسرائيل، لاستخدامها ورقة ضغط ومناورة في وجه الولايات المتحدة الأميركية، واستخدامها من قبل نظام آل الأسد، لابتزاز أميركا وإسرائيل طمعاً بتحسين أوراق النظام التفاوضية والابتزازية، وفي أي اتجاه أو غرض في المنطقة.
لهذه الأسباب، فإن تحرير الجنوب، عبر انسحاب إسرائيل منه، وتطبيق القرار الدولي 425، عام 2000، كان من شأنه إفقاد النظام السوري ورقة الضغط والابتزاز والمساومة تلك، في وجه القوى الدولية والإقليمية، وبالتالي، حشره في الزاوية.
لهذه الأسباب، فقد ظهر يومها الارتباك الإعلامي والسياسي، واضحاً -لمن يذكر- على النظام السوري، والأطراف التابعة له. لأنه فقد يومها ورقة ثمينة كانت بين يديه يلعب بها ويحركها ويستثمرها في المنطقة.
ولهذه الأسباب تفتقت عبقرية الانتهازية المازوشية الوطنية، من بعض أعوان وأزلام سوريا في لبنان، عبر ابتكار فكرة أن مزارع شبعا لبنانية وليست سورية. وذلك لإبقاء مبرر لعمل ووجود حزب الله كمقاومة مسلحة في وجه إسرائيل، والقول إن أراضيَ لبنانية ما زالت محتلة ومن الضروري تحريرها والاستمرار في هذه العملية، لكي تبقى المقاومة مستمرة وروافدها السياسية أيضاً، بما يعني ذلك من تدخل سوريا وإيران في لبنان، بسبب هذه الحجة التي تم ابتكارها واختراعها.
نفذ الأمر، عبر إيجاد ودس خرائط مزورة كانت مجهولة، تدعم هذا التوجه. وهي من صلب اللعبة التي أعادت إبقاء لبنان بين يدي وهم الحاجة إلى المقاومة المسلحة، من أجل تحرير الأرض المحتلة في الجنوب، بكل تداعياتها واستدراكاتها وعدتها الإعلامية والسياسية.
في الواقع، لقد خدمت هذه الخدعة الإعلامية السياسية، منطق استمرار عمل حزب الله وإمساكه بالسلاح، وإبقاء لبنان رهينة في يد سوريا وإيران من العام 2000، وصولاً إلى اليوم. مما أتاح توريط لبنان واستمراره منغمساً في العمل المقاوم المسلح ضد إسرائيل، وصولاً إلى هذه اللحظة المصيرية التي يعيش نكباتها، على مختلف المستويات. حيث عاد ووقع في قبضة إسرائيل وعدوانها الدائم، وأطماعها وأحقادها الكبيرة، التي كان لبنان ومقاومته قد أسقطها عام 2000.
صحيح الادعاء والقول إن بعض المزارع في شبعا تعود ملكيتها إلى لبنان، وإلى لبنانيين. لكن في منطق القانون الدولي، لا يعني ذلك أن مزارع شبعا لبنانية، والتي هي وفق القانون الدولي حتى الآن سورية وليست لبنانية، وهي تتبع للقرار الدولي 242 وليس القرار 1701 الجاري العمل لتطبيقه الآن.
المعلومات والتسريبات المتداولة، في خلال هذه الفترة، تتحدث عن أن موضوع هوية مزارع شبعا، تدخل في صلب المباحثات اللبنانية والأميركية والإقليمية.
ثمة معلومات تتحدث عن أن الاتجاه العام هو نحو أن تعلن سوريا الحالية بنظامها الجديد، أن مزارع شبعا سورية وليست لبنانية.
هذا التطور الذي يميل كثر إلى توقع حدوثه قريباً أو في المدى المنظور، من شأنه أن يبدل في المعطيات، حيث ستُسحب من يد لبنان وأنصار إيران وحزب الله، ورقة شرعية ومبرر العمل المسلح لتحرير الأرض المحتلة.
والظاهر أن مزارع شبعا، التي تلبننت على يد أزلام نظام الأسد، لتبرير استمرار أعمال وشرعية المقاومة، سُتعلن هويتها وملكيتها السورية في المرحلة المقبلة، تمهيداً لكي يدخل لبنان وجنوبه في مرحلة المهادنة المقبلة، الخالية من مبرر العمل المسلح ودوره وانعكاساته.
عارف العبد -صحافي لبناني