أميركا وتحدي 3 حروب دولية

.
مثّل الخطاب الذي وجهه الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس الماضي إلى الأميركيين، ترجمة واضحة لعقيدة الإدارة الأميركية الحالية، وربما للنخبة السياسية التي تهيمن على القرار في واشنطن.

ويمكن أن ننسب هذه العقيدة إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، اللذين يختصران الحياة السياسية في القوة العظمى الأولى في العالم. فقد جاء الخطاب الذي ألقاه بايدن من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض حاملا القراءة الأميركية للهجوم الذي نفذته حركة حماس ضد إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، تحت شعار عملية “طوفان الأقصى”.

فقد اعتبر الرئيس الأميركي أن ما حدث “نقطة انعطاف في التاريخ”، بمعنى أنها لحظة تاريخية يتعين على أميركا أن ترفع فيها تحدي القيادة الأميركية التي وصفها بأنها “التي تجمع العالم معا”.

بالفعل بدا واضحا أن الرئيس الأميركي، وأبعد من التعاطف الكبير الذي أبداه حيال إسرائيل إثر الصدمة التي تلقتها بفعل العملية التي نفذتها حركة حماس، أنه تحدث عن “حربين”، أي حرب أوكرانيا بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة، وحرب إسرائيل ضد حماس التي وضعها بايدن من الناحية الاستراتيجية والتاريخية في مرتبة حرب أوكرانيا، معتبرا أنها حرب ضد الإرهاب والدكتاتورية.

فبعد أن اعتمد مصطلح “الحربين”، قال: “علمنا التاريخ أنه عندما لا يدفع الإرهابيون ثمنا لإرهابهم، وعندما لا يدفع الدكتاتوريون ثمنا لعدوانهم، فإنهم يتسببون بالمزيد من الفوضى والموت والدمار”.

بهذه الكلمات الحادة ربط الرئيس الأميركي في خطابه إلى الشعب الأميركي بين حرب تخوضها أميركا ومعها الغرب ضد روسيا وخلفها (من مسافة) الصين على أرض أوكرانيا باعتبارها صراعا تاريخيا، وبين الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة ضد حركة حماس، وهي تنذر بالتوسع لتشمل أطرافا أخرى مثل إيران ووكلائها في المنطقة.

هذا الربط والتماثل بين حربين يفسر إلى حد بعيد كيف تفكر النخب الأميركية التي تسود القرار السياسي في واشنطن، لا سيما إزاء ما حصل في 7 أكتوبر الماضي، مع ما يستتبع ذلك من احتمالات نشوب حرب إقليمية واسعة. ومن هنا يمكن إدراج جميع الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية بعد 7 أكتوبر، بدءا من الموقف السياسي الحاسم، مرورا بالحشد العسكري الأميركي الكبير في المنطقة، وصولا إلى الإمدادات العسكرية، في سياق ترجمة للقراءة الأميركية لقيادتها ومكانتها في العالم.

ولعل قول الرئيس بايدن إن “حلفاء أميركا والأهم خصومنا يراقبون ردنا في أوكرانيا. فإن تخلينا عن أوكرانيا وسمحنا لبوتين بمحو استقلال أوكرانيا، فإن هذ يقوي المعتدين حول العالم للقيام بالمثل، وينتشر خطر النزاع من المحيط الهندو باسيفيكي- الهادئ (جزيرة تايوان) إلى الشرق الأوسط، خصوصا الشرق الأوسط (إسرائيل والحلفاء)”.

ما تقدم يكشف الموقف الأميركي العميق مما حصل في غزة يوم 17 أكتوبر، كما أنه يكشف الموقف مما يمكن أن يحصل لاحقا إذا تدخلت أطراف أخرى مثل إيران أو غيرها، فالولايات المتحدة تضع حرب أوكرانيا بين معسكرين دوليين بمرتبة واحدة مع الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، حيث يراقبها الحلفاء والخصوم على حد سواء. الحلفاء لكي يعاينوا مدى التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائهم. والخصوم لكي يختبروا مدى تصميم الولايات المتحدة على المواجهة والدفاع عن الحلفاء.

انطلاقا من ذلك، فإن معاينة الحلفاء واختبار الخصوم يحيلاننا إلى التحدي الثالث الذي يلوح في افق القيادة الأميركية، ألا وهو احتمال نشوب حرب دولية كبرى في بحر الصين الجنوبي إذا اختارت بكين اجتياح جزيرة تايوان، تطبيقا لخيار “الصين الواحدة” الذي تنتهجه.

استنتاجا أن الولايات المتحدة لا تواجه تحدي حرب واحدة في أوكرانيا فحسب، بل تحدي حرب جديدة في الشرق الأوسط، وربما ثالثة في جنوب شرق آسيا، والتحديات الثلاثة ستحدد موقعها ومستقبل قيادتها.

المصدر – سكاي نيوز عربية

لمشاركة الرابط: