لوحة مفعمة بالذكريات .. لوحة ” عهدير البوسطة” معلقة على جدار أحد مطاعم منطقة تنورين لتذكرنا بإستمرار بأغنية السيدة فيروز التي تحمل نفس العنوان منذ فترة السبعينيات ، وهي من كلمات وألحان الأخوين رحباني الراحلين ومن التراث الشعبي اللبناني المرتبط ارتباطا وثيقاً بالموروث الثقافي والإجتماعي للبنانيين .
معظم اللبنانيين يعرفون جيداً خطوط وملامح هذه البوسطة وبخاصة أهل المناطق النائية والأرياف ، فهي كانت وسيلة النقل الوحيدة تقريباً منذ الستينيات والسبعينيات التي تقلهم من المناطق البعيدة الى العاصمة بيروت ، ولعلها الوحيدة في العالم التي تحمل هذا الشكل العجيب : مقدمة شاحنة أميركية قديمة وجسم حافلة مصنوعة محلياً لنقل الركاب .
في الحقيقة هي “نصف مصنوعة ” في لبنان لأنها كانت تبنى على قاعدة شاحنات أميركية قوية ، ولذلك كان هدير محركها مرتفعاً وتعليقها صلب وقاس وغير مريح ، فهي مخصصة أصلاً للحمولات الثقيلة والبضائع ، وليست معدة لنقل الركاب ، ولكن اللبناني يتقن دائما “فن الممكن ” وكانت هناك مناطق مشهورة بتعديل هذه الشاحنات (بلدة الخنشارة الجبلية إحداها) لتصبح حافلة لنقل الركاب مع تجهيزات محلية و ” قشط” مثقوبة لفتح الزجاج الجانبي وتنجيد بالبلاستيك اللامع مع بعض الإضافات من الستانلس أو الكروم والسجاد والمخمل عند الطلب ومقاعد شبه عمودية منجدة بالإسفنج والخشب على غرار الأثاث القروي المنزلي .
“عهدير البوسطة ل كانت ناقلتنا من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين” تبقى في الوجدان اللبناني لأنها جزء من تاريخ هذا الشعب ، ولو انقرضت وسيلة النقل هذه ” البوسطة” طالما بقينا نسمع هذه الأغنية أو نتأمل هذه اللوحة في أحد مطاعم تنورين ..!
عاطف البعلبكي
عدسة nextlb.com