خاص – nextlb – عاطف البعلبكي
أما وقد أسدل الستار على مونديال قطر 2022 بعد النجاح الكبير الذي حققته الدولة المنظمة على الصعيد الرياضي واللوجستي وبشهادة معظم الهيئات الرياضية العالمية ، وبرغم الحملات المغرضة التي بلغت في بعض الدول الأوروبية حد العنصرية المقيتة ، فإن ذلك لم يقلل من أهمية الحدث ومن مستواه العالمي غير المسبوق في تاريخ كرة القدم العالمية .
لقد ساهم المونديال بطريقة تنظيمه والإعداد له خلال سنوات من الجد والعمل ، في تغيير رأي الملايين من البشر للصورة النمطية التي كانت تروجها العديد من وسائل الاعلام العالمية عن العرب وبداوتهم و”ركوبهم للجمال” ، من خلال النشاطات التراثية والإجتماعية والثقافية المرافقة التي عرفت شعوب العالم خلال شهر من الزمن على العادات والتقاليد العربية والإسلامية في جو من الفرح والأمن والأمان.
ومن الناحية الرياضية ، ساهم تأهل بعض المنتخبات العربية الى الأدوار النهائية في إذكاء روح الوحدة والتضامن بين الشعوب العربية مشرقية كانت أم مغربية ، آسيوية أم أفريقية ، وكان لتأهل فريق المغرب الأثر الكبير في إبراز هذه الوحدة في المجتمعات العربية المختلفة بصرف النظر عن الأنظمة الحاكمة في هذه الدول .
كرة القدم وأبعادها !
وبالمناسبة فإن كرة القدم على الصعيد العالمي ليست فقط رياضة وتسجيل أهداف في مرمى الخصم ، بل هي فعالة أيضاً في الصدى والأثر الذي تتركه في المجتمعات ، ويتعدى دورها الوجه الرياضي ليصل الى الإجتماعي وصولاً الى الدور السياسي الإقليمي والدولي .
بالمقابل فإن الجماهير العربية كانت متعطشة لإنتصار يسجله أي عربي ، وقد وقفت صفاً واحداً خلف منتخبي السعودية وتونس أولاً ، ثم خلف منتخب المغرب ، ونظمت تظاهرات تأييد في معظم الدول العربية وساحاتها وميادينها .
لقد أيقظ تأهل المغرب للتصفيات النهائية في المونديال الشعور العربي بالفخر والإنتصار في زمن التراجع العربي على المستويين السياسي والإقتصادي عالمياً ، وهذا ما دفع المعلق الرياضي التونسي الشهير عصام الشوالي في افتتاح المونديال الى تذكير الشعوب الأوروبية والشعب الفرنسي تحديداً بقصة الساعة التاريخية التي أهداها الخليفة هارون الرشيد في بغداد لملك فرنسا شارلمان وخاف هذا الأخير منها !
ما يستشف من المونديال أن الشعب العربي في حالته الحاضرة من انعدام الوزن لدوله على الصعيد العالمي بالرغم من الإمكانات المادية الكبيرة والطاقات التي يختزنها ، يتوق الى انتصار ولو كان صغيراً حتى في كرة القدم في ” زمن التصحر العربي” إن لم نقل في ” زمن الهزائم العربية “.
الإختراق الإسرائيلي ممنوع !
والملاحظة الأهم كانت خلال المنافسات الكروية وهي محاولات الإختراق الإعلامية الإسرائيلية المتكررة للحدث ، ومحاولة ترجمة بعض الإتفاقيات والتطبيع مع العدو الإسرائيلي التي جوبهت من الحضور العربي في المونديال ب “البلوك” المتماسك والمسارعة الى نبذ الإعلاميين العاملين في المحطات الرياضية الإسرائيلية الذين كانوا يحاولون اختراق التجمعات الإعلامية العربية ، فقد حاول مراسل الفضائية الرياضية الاسرائيلية التخفي طوراً بجنسيته البرتغالية أو الهولندية ، وسرعان ما كان يفضح أمره ويتم حصاره ورفع العلم الفلسطيني في وجهه ، فيبادر الى سؤال متابعيه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة مستغرباً ” لماذا يكرهوننا ؟ ”
والسؤال الذي يطرح في مقابل هذا السؤال الذي يختزن كمية كبيرة من الإنكار والغباء – وهو السؤال المنطقي – هو : “لماذا يحبونكم وأنتم تعيشون في دولة محتلة سرقت أرضهم واحتلت مقدساتهم وشردت شعبهم في أربع أرياح الأرض … وتسأل بعدها لماذا يكرهونكم ؟!
مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” راز شيشتيك تنكر بزي صحافي من الإكوادور ، ولكن سرعان ما كشفه صحافي مصري زميل وصرخ بوجهه بقوة رافعاً العلم :” تحيا فلسطين !!”
صحافي آخر قال لمتابعيه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ” أنا محبط … إنهم يكرهوننا ” ويحاول رفع علم الدولة العبرية فيقوم شرطي قطري بمنعه من رفعه بالقوة .
أمير قطر نفسه رفع علم المغرب عند تأهله للأدوار النهائية وفوزه على اسبانيا ، كما تم رفع علم فلسطين مع العلم المغربي في أكبر استاد في قطر أثناء مباريات المغرب ، وكذلك خلال مباريات الولايات المتحدة الأميركية ، وسط هتافات الجماهير الهادرة على المدرجات :
“فلسطين حرة أبية .. فلسطين عربية ”
وفي نفس الوقت يرفع علم المغرب عند قبة الصخرة في القدس الشريف .
ردود أفعال عالمية
وهذه الحالة من الوحدة والمساندة دفعت الصحافة الأجنبية المراقبة الى إفراد العديد من المقالات لتحليل هذه الظاهرة ، فقالت صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها عن المونديال :
“رغم الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية ، وبصرف النظر عن علاقة الأنظمة العربية مع بعضها ، وبعد فوز المغرب وتأهله الملاحظ أن الشعوب العربية لا تقبل التطبيع مع الإسرائيلي برغم علاقاته الرسمية مع الأنظمة “.