رائد من رواد العمل الإجتماعي والتربوي والدعوي ترجل ورحل اليوم… لم يفُت المرض في عضده منذ سنوات ، بل تابع حمل رسالته في التربية والتعليم والتوجيه في مؤسسات شارك مع إخوة له في تأسيسها ورعايتها في البقاع ، مؤسسات “جمعية الأبرار الخيرية الإسلامية” رغم المرض الذي لازمه زمناً فصبر واحتسب !
كان آخر ما كتب على صفحة الفيسبوك منذ ساعات : ” يا عباد الرحمن أنا بأمس الحاجة للدعاء … يا رب !”.
وما أن فرغ من كتابتها حتى نطقت الألسن له بالدعاء من كل حدب وصوب ، من فلسطين ولبنان والكويت ومصر والبرازيل ، ومن كل مكان كان فيه للعم “أبو سعيد” صولات وجولات في ريعان شبابه وفي كهولته .
المربي والكاتب والتربوي والداعية لم ينزو في مكتب أو صومعة يقرأ ويكتب وينظر لنفسه ، بل آمن بالعمل التربوي الهادف والمنظم في سبيل تطوير مجتمع بقاعي ولبناني وعربي يعاني من الحرمان ومن الضياع والتشتت الفكري والتغريب عن ثقافته وتاريخه .
منذ أَمَّ الشاب محمد سعيد صالح إبن بلدة السلطان يعقوب البقاعية ، أرض القارة الأميركية في ستينيات القرن الماضي مهاجراً الى البرازيل بحثاً عن الرزق ، شارك في تأسيس “جمعية أبي بكر الصديق” التي تطورت واستمرت كما العديد من الجمعيات التي ساهم في تأسيسها في مدينة سان باولو البرازيلية وغيرها على مدى عقود من الزمن .
وعاد ” أبو سعيد ” الى أرض الوطن ليتابع عمله التربوي والدعوي والدنيوي ، وكان مثالاً للرجل المثقف الصلب الذي لا يلين أمام الشدائد فما غير من موقفه ولا من قناعاته بالرغم مما تعرص له من إبتلاء من نظام القمع والإستبداد السوري الذي اعتقله في أسوأ سجونه ولعدة مرات ولكنه كان يخرج منها أقوى وأصلب وأشرس في قول الحق .
آمن بالعمل التربوي المنظم فأسس مع ثلة من الأخوة “جمعية الأبرار الخيرية الإسلامية ” التي أنشأت بدورها “مركز الأبرار التربوي” في بلدة جب جنين البقاعية التي مازال يؤدي دوره التربوي المميز حتى حينه
وكذلك مؤسسات صحية وإجتماعية على صعيد البقاع .
وفي العمل السياسي رشحته الجماعة الإسلامية عن المقعد السني في البقاع الغربي في دورتي 1992 و98 ولكنه لم يوفق لأن الأمر كان يحتاج الى إعداد وتأهيل للرأي العام في البقاع الغربي على نمط جديد من العمل السياسي النظيف وغير التقليدي والزبائني .
في المجال الثقافي كانت له العديد من المحاضرات والإطلالات الإعلامية والمؤلفات ومنها “زاد المسلم التربوي” و ” زاد المسلم الفكري والسياسي” وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية في البقاع مع الداعية الراحل الشيخ خليل الصيفي رحمه الله .
كان قلبه على فلسطين وعلى تماس يومي مع قضيتها ونكبتها المستمرة حتى حينه في الداخل الفلسطيني ، فقد احتضن المبعدين من قيادات الإنتفاضة في فلسطين الى معبر “زمريا ” عند الحدود مع المنطقة المحررة من البقاع الغربي خلال فترة الإحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني في عام 1992 وكان منهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي عاد العدو الصهيوني واغتاله في عام 2004 والقيادي محمود الزهار .
هذا غيض من فيض يسجل في صحائف الراحل الكبير وليس بإمكان سطور أن تختصر سيرته الغنية والعطرة .
ومن أقواله التي كان يرددها على مسامعنا رحمه الله : ” في هذا الزمن، السياسة ناعمة الملمس خطيرة المدعس ، فإحذر منها واحترس “.
رحم الله الحاج أبو سعيد صالح الصديق والقريب وأكرم نُزله وجزاه عنا خير الجزاء .
عاطف البعلبكي
بيروت في 21 -1-2021
[email protected]