كان بناء الطابق الأول من ثانوية المنارة الرسمية البقاعية لم يكتمل بعد بالشكل النهائي في مطلع الثمانينيات ، عندما إستضافت مسرحية ساخرة قوية بمقاييس تلك الأيام ، مسرحية حملت عنوان “عرب وبدك مين يضحك ” عرضت حينها للواقع المزري والحال المتردية التي وصلت اليها الأمة العربية في الفترة التي سبقت الإجتياح الإسرائيلي ، وكأنها كانت تستشرف المستقبل الأكثر سوءاً للأسف .
كان المطلوب من بعض التلاميذ ( ونحن منهم) أن نجهز المسرح بما تيسر من خشب البناء ليتم تركيب الأرضية المرفوعة على أحجار الباطون ، وطاولات مدرسية ، ليثبت مُخرج المسرحية عدنان ياسين (إبن بلدة القرعون البقاعية) لوحة خلفية لمنظر طبيعي فيه جبال وبيوت وشجر ، من حواضر البيت اللبناني والبقاعي تحديداً ، مع إضاءة مسرحية “من قريبو ” ، وعدد محدود من الكراسي الخشبية من الصفوف كانت من نصيب المعلمين ، وتابع معظم التلامذة مشاهد المسرحية وقوفاً.
المخرج ياسين بالمناسبة ، سيصير بعد سنوات مخرجاً تلفزيونياً رئيسياً في محطة تلفزيون المستقبل ، ويقف وراء نجاح بعض أطول برامجها الثقافية شهرة (خليك بالبيت مع الإعلامي زاهي وهبي ، وسيرة وانفتحت مع زافين قيومجيان) ، وحالياً هو مخرج برامج في إحدى المحطات التلفزيونية العربية الخليجية .
شخصية المسرحية الرئيسية كانت معقودة الراية ل ” أبو شتلة ” نفذها الصديق (فيما بعد) غندور الغندور ، إبن بلدة كامد اللوز المجاورة ، وشقيق الزميل العزيز حالياً في إذاعة لبنان الحاج أحمد غندور ، وكان يمثل المواطن العربي المقهور والناقم على السياسيين والزعماء العرب ، كما قام المخرج ياسين كذلك بدور الرحالة العربي الكبير إبن بطوطة ، فجال على معظم البلدان العربية وعرض لحالها السيء الذي وصلت اليه بسبب حكامها الفاشلين وطنياً ، والمتخاذلين عن قتال العدو الإسرائيلي ، مع دور نسائي مساند ل حاكمة أبو علي (الدكتورة حالياً) وشقيقة العميد الدكتور والصديق محمد توفيق أبو علي ، وفتى موهوب ومندفع من آل الغندور أيضاً .
ثم تكون المفاجأة في المشهد الأخير فيدخل ” أبوشتلة ” فجأة الى قاعة مؤتمر القمة العربي الذي كان يعقد حينها في أحد العواصم العربية (القاهرة) بشخصية الفلاح البسيط ، فيضرب بحذائه القديم البالي على طاولة القمة ، ويلقي خطاباً مؤثراً في المؤتمرين ليلقنهم درساً في العزة والكرامة ، في مشهد يذكرنا بأدوار الفنان الجنوبي الساخر منير كسرواني بشرواله الكبير وسترته البيج العسكرية القديمة وكوفيته وعقاله .
ذكرى جميلة ومؤثرة تحملها هذه الصورة اليتيمة الباقية للأسف من هذا العمل البسيط بإنتاجه والكبير بمعناه ، واللافت في الأمر أن الوضع العربي بقي على حاله منذ أربعة عقود ، وربما زاد سوءاً … ترى ماذا كان سيقول صديقنا المواطن المقهور ” أبو شتلة ” لوعاد اليوم وزار أحد مؤتمرات القمة التي لا زالت تعقد في جامعة الدول العربية ؟
عندما “يموت اللبنانيون على قيد الحياة “!
عشنا الحرب الأهلية اللبنانية بكل تفاصيلها وقسوتها وإختبرنا مع أهلنا الحياة في الملاجئ تحت الأرض وعلى أدراج المباني احتماء من القصف والموت نشأت كغيري من أبناء جيلي في عز الحرب الأهلية وتركت آثارها في النفس من أثر المعارك والقصف ندوباً نفسية قاسية يصعب أن تندمل . منذ أن اخترت الصحافة مهنة ، بتّ أعرف أكثر
Read More