رسالةٌ الى “الحجّ عمر”… بقلم سيندي أبو طايع

طوماس ألن سلّوم، لروحك أينما حلّت، كلّ الحبّ والسلام.

لن أرثيك، بل سأستعير لمعة ضحكتك التي لا تكبر ولا تشيخ، لأقول لك ما يأتي: صار عمرك هناك أبداً. فما أبهاك حيث أنت، أيّها الأخ الصديق الصادق، المحبّ، الملتزم، الحنون، الوفيّ، رفيق أيّام النضال وصانع حبر الأحلام.
أمضي في الموت الذي صار حياتنا، وأنا أعرف أنّك تسمعني، وأنّك من عليائك تنظر الى كلّ ما صيّرنا إليه الفراغ من بعدك. لا طريق هنا ولا جرعة أمل. وشدق الحياة مقفل، ووحده رحم الموت مفتوح. فما أسوأ الحقيقة الممهورة بالعجز النازف.
أسبوعٌ مضى على رحيلك، وما زلت أُبطىء وأؤجّل كتابة رسالتي إليك، علّني أجد خبراً ينفي إشاعة رحيلك المؤلم. أسبوعٌ مضى وأنا أدرك أنّ القلب وعلى عكس طبيعة الوقت يرفض أن يدفن أوجاعه لإستحالة العزاء. أسبوعٌ مضى وأنا أسأل طيفك الذي آراه يحوم حولي، لماذا؟ لماذا يوم عجزت عن ترويض مرضك صرت لنفسك منفى؟ لماذا يوم نزفت وجعك كلّه وحبّك كلّه، أفقدت صداقتنا مناعتها الباقية؟ لماذا يوم مضيت في جنازتك لم تودّع ولم تنتظر أحداً؟ لو سألتك وأنا لن أسأل لأجبتك: خوفك الزائد عليّ من أن يعود السرطان ويفتك بجرحي الطريّ جعلني أكتب تعهداً ، وأشهد بأنّ أكمل الموت حتى الحياة. فلماذا رغبتك الدائمة في إخفاء تنهيدة الوجع طالما أنّك تدرك أنّ المرض كالحزن مُعد يا صديقي؟!
لو سألتني وأنت لن تسأل لأجبتك: مرضك كبعدك كسر شوكة من أغصاني، وموتك كسرني وأغصاني.
أسبوعٌ مضى ويا ليتك تُدرك أنّك برحيلك أخذت معك أجمل جزءٍ من ذكرياتي، وأوّل سطر وآخر حرف من حبر “دمعتي وابتسامتي”. أسبوعٌ مضى وآخر سيمضي، وغيابك ثابت كإستحالة العزاء.
الحقّ أقول لك ، سافر قدر ما استطعت، وارحل قدر ما تشاء، لكن إن مرّ بك شوق أو دقّ بابك حنين، إشبع غياباً وعد قليلاً، علّك تُدفىء غربتنا بضحكة، وتُهدي العزاء للمحبيّن وهم كثر. كلّ يوم يهرب عطرك من خارج قبره. آراه بعينيّ. فعطر عطائك ووفائك كالنبع لا ينضب.. !
يا صديقي الحجّ عمر، أناديك بما كان يحلو لك أن نناديك، نم قليلاً قبل أن تنفض عنك غبار المرض والوجع وتذهب مع الموت الى القيامة. ثم قم وافعل شيئاً جميلاً واحداً اسمه الإنتقام ، أرجم الليل والوجع والمرض بحجارة من نار. وأمطرها بجمر لا يرحم . ثم قبّل جبين حبيبتك وعانق عطر جدّتك، وبعد أن تنهي الصلاة عن راحة نفوسنا، خذ قلمك وأوراقك، وأنت في قلب الله، وأكتب “مانفيست” الحياة لأنّ الموت صار خلفك وأمامنا.

سيندي أبو طايع
*إعلامية لبنانية

لمشاركة الرابط: