“الدويلة” التي إستولت على “الدولة”..بقلم زياد ضاهر

نعم للثورة ومطالبها المحقه التي طالت كافة مجالات الحياة، من الصحه الى التربية الى الاقتصاد وفرص العمل الى الضرائب و غيرها، غاب عن الحراك الشعبي ما كان هو السبب الأساسي في منع حصول كل ما أوردوه في خانة المطالب.
لقد جافى الحراك و شعاراته المطالبة بالدولة، و القضاء على الدويلة، لقد ابتعدوا عن ما كان يشكل 80 % من التأثير السلبي على مسار بناء الدوله و توفير تلك المطالب حيث أنها من مسؤولياتها حصرا.
ان ثوره 17 تشرين الأول 2019 تشكل متعطفا في تاريخ البلاد، وهي حركة مطلبية اجتماعية و تكاد تمثل انفجارا اجتماعيا لم يسبق للبلاد أن واجه مثيلا لها.
ولمزيد من الفهم لهذه الأحداث لا بد من قراءة ما سبق من تراكمات و الاجابه عن سؤال لماذا حصل ما حصل؟
في 14 شباط 2005 أغتيل الشهيد رفيق الحريري الذي شكل حجر أساس لانطلاقة ثورة الأرز في 14 آذار 2005 ، التي مثلت ثورة سياسية مبدئية واجهت الاحتلال السوري و الدويلة داخل الدولة تحت عناوين السيادة والحرية والاستقلال بصيغة وطنية. ووجهت هذه الثوره بالاغتيالات والتفجيرات وتم تصفية العديد من قياداتها، فتعرضت ل 16 تفجير، نجى منها 4 شخصيات و استشهد 9 قيادات سياسية و3 من القايادات الأمنية و عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين.
شكل اغتيال رفيق الحريري واندلاع ثورة الأرز سببا لتحرير لبنان من الوجود العسكري السوري بعد 30 عام من الهيمنه. و لاسباب كثيرة بعضها تتحمل مسؤوليته الخيارات السياسية لحركة 14 آذار و والبعض الآخر يندرج في ضعف الموقف الدولي الذي يشوبه الكثير من تبادل المصالح، وبالنتيجه أخفقت تلك الثورة من انجاز معركتها مع الدويلة. ودخلت معها في تموضع بين ربط نزاع و تسويات استنزفتها سياسيا و شعبيا و ارهقت البلاد وزادت من أعبائه.
منذ العام 2005 الى اليوم ولم يتحقق مبدأ قيام الدولة الراعية والعادلة التي تتولى شؤون المواطن و توفر له الحياة الكريمة وتحمي حقوقة. كان العائق الاساسي متمثلاً “بالسلاح الغير شرعي” و “فائض القوة” الذي مارسه حزب الله و حلفائه في الادارة اليومية للحياة السياسية في لبنان. من تعطيل نتائج الانتخابات في العام 2005 و 2009 و التمديد لمجلس النواب و تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية و تدخل في القضاء الى فقدان الدولة للسيطره على المعابر الشرعية في المطار والمرافئ و على الحدود البرية، اضافة الى تعطيل تشكيل الحكومات المتعاقبة واسقاط حكومة الوحدة الوطنية عام 2011. عدى عن سياسة الاستئثار بالقرار في الوزارات التى تولاها الفريق الذي مارس فائض قوته في كل المجالات.
تراكمت الأزمات و تأجلت الحلول و استفاد الفاسدون من ضعف الدولة و ترهلها في بلد يعتمد على الاستقرار و الامن ليقدم الخدمات في اقتصاد لم يتمكن من مواكبة المتغيرات وأثقل بالازمات المتتالية و ليس آخرها أزمة النزوح السوري. تزايدت الأعباء على المواطن بغياب فرص الاستثمار زاد عدد العاطلين عن العمل و البطالة المقنعة. و بذلك اكتملت شروط الانفجار الاجتماعي الذي نعيشه اليوم الذي يتضمن كل النتائج التي ترتبت على الاخفاق في القضاء على مشكلة “الدويلة” و “فائض القوة”.
خلت المطالبات الشعبية من مطلب الانتهاء من “الدويلة داخل الدولة”، وأغفل مطلب “لا للسلاح الغير شرعي”، ليس ذلك تقليلا من أهمية المطالب الشعبية ولا انتقاصا من معاناة المواطن ، ولكن للأزمة جذور تتغذى منها و مسببات يجب الاضاءة عليها لتكتمل الصورة، فأصل الداء في “الدويلة” التي استولت على “الدولة” ولم تتمكن من القيام بدورها ولن تتمكن.
، فحزب الله الذي يعتبر نفسه منتصرا في الاقليم والحائز على دعم متناهي من دول محوره الممانع لم يتمكن من ترجمة انتصاره في الداخل اللبناني الا بأحلاف سياسية لم تنتج ادارة ناجحه للدولة بل استقواء و ممارسة سياسة تطويع الدولة لصالح دويلته و اجندته السياسية المرتبطه بايران. والقوى السيادية التي حملت مشروع الدولة، تركت لمصيرها في مواجهة فائض القوة لم تتمكن عبر سياسات التعايش والتسويات من ايصال مشروع الدولة الى بر الأمان.
ما نعيشه اليوم يعيدنا الى المعركة الأولى التي لم تستكمل أو لم تصل لخواتيمها السعيدة، ليس المطلوب هزائم و انتصارات لأي طرف، انما انتصار المواطن عبر قيام “الدولة”.
زياد ضاهر٠
كاتب وعضو متب سياسي في تيار المستقبل

لمشاركة الرابط: