لطالما شكّلت أقوال جدّتي لأميّ، ياسمين، رحمها الله، مدرسة بالنسبة لتلك الطفلة التي تُقيم فيّ، والتي وإن زارها العمر مراراً وتكراراً ، تنسى كما دائماً أن تكبر. ولعلّ أبرز تلك الأقوال كانت جملتها الشهيرة التي لم تتعب يوماً من تردَادها : ” الناجح بالحياة يللي بينجح ببلده”. واليوم ، وبعد أربعة عشر عاماً على سفر جدّتي الأبديّ ، أكتب ما أكتب لهدفٍ واحدٍ فقط وهو الإعتذار العلنيّ من ياسمينتي، وإيماناً منّي بأنّ الرسائل المكتوبة تبلغ طريقاً مختصرة الى أصحابها.
الحقّ أقول لك يا جدّتي، ما تتلبّد به سماء لبنان اليوم، ليس إيماءً الى خريفٍ قاتمٍ، ولا الى شتاءٍ عاصفٍ. إنّها فقط أمواج غيوم عالية عاتية تنذر بلعنة المرض والموت . الحقّ الحقّ أقول لك “ياسمينتي”، لقد حفظت جميع دروسك عن ظهر قلب ، وطبّقت أكثرها وعجزت عن أبرزها ، إذ لم تشفع لي الكفاءة والشهادة بدرجة جيد جداً والكفّ النظيف والآدمية للعيش بكرامة في هذا البلد . فقد إغتال المسؤولون السياسيّون وتجار الهيكل والمال هذا الوطن ، وتركوا شعبه هناك حيث تُرمى العظام . ومن نجا من الشعب بقصدٍ أو بغير قصد وجد نفسه صدفة أو مصادفة ، كائناً لا صوت له ، يأكل ويشرب من فُتات الزعيم وتبويس اللحى . لقد بات الوطن يا جدّتي ملهى للمجون ، يقدّم لنا الوجبات الضروريّة والدائمة للموت البطيء ، فيا لتعاسة لبنان ويا لبؤس شعبه!
سامحيني يا جدّتي، فالشهادة في وطني أكبر أكذوبة، والوظيفة دون ختم الزعيم نكتة، والحلم بغدٍ أفضل جريمة يُعاقب عليها القانون.
سامحيني يا جدّتي ، فبين العهد القويّ والشعب العظيم ، بيع وطن الإنسان، وجُهّزت القبور لإستقبال الأبطال، وارتدت الثورة حُلّتها لإستقبال الضيوف فقط !
سامحيني يا جدّتي، فبلد الوقاحة والضرائب والإنحطاط والإنهيار والإنتهاز والكذب والسرقة والتزوير والنهب والفساد والجوع والمرض والإستعلاء والإستيلاء ، لم يعد يليق بالفقراء الشرفاء الأوادم أمثالنا ، الذين لا يملكون شيئاً سوى محبة الله.
سامحيني يا جدّتي، فالوظائف التي أملكها تسرق الحياة منّي وتعجز عن شراء الدواء ودفع الضرائب ومكافحة الغلاء.
سامحيني يا جدّتي، إن رأيتني غداً أو بعده على أبواب إحدى السفارات في انتظار الفيزا، فأنا لم أستطع النجاح في وطني ، كما عجزت عن تربية الأمل كما يفعل العاطلون عن العمل.
سامحيني ياسمينتي .. والسلام..!
سيندي أبو طايع *
إعلامية لبنانية
*الآراء الواردة في النص تعبر عن رأي كاتبها .
شو بخبرك عن بيت من لبنان !
يقول الفنان وديع الصافي في رائعة من أجمل أغانيه ” بيتي ما برضى يسيب بيتي أنا سلاحو .. ما بتركو للديب ولا بعير مفتاحو” من المؤسف القول أن بيوت العديد من اللبنانيين اليوم “تركت للديب” وضاعت مفاتيحها … وما أدراك ماذا فعل بها ” الديب” ؟ يعرف البيت اللبناني الأصيل ليس من حجارته المقصوبة فحسب
Read More