نعم كنت أتوقع أن يقع ربيع ضحية الزعران، ربيع أراد أن يكون صحفيا في بلد لا كرامة للمرء فيه، ولا أمان للحر، ولا مكان للمستقل، ولم يفهم اللعبة، أراد أن يكون صحفيا هكذا بتجرد، يركض وراء الحدث، يفتش، يبحبش، يسأل، يتواصل، ويحاول تلمس الحقيقة، لم يكن صاحب ايديولوجيات ولم يكن تابعا لتنظيم سياسي أو محتضنا لفكر معين، كان طليقا، لا يحب ان يحاصر ولا يرغب في ان يكون تحت جناح أحد، منفتح على الجميع، من الصعب أن تصنفه في خانة حزب أو فكر معين.
عندما جاء الى جريدة المستقبل ليتدرب تمهيدا للعمل، كنت أتابعه، أعجبني فهو يبادر، يجري وراء الخبر، صحفي في الميدان، يمكن انه يحكي كثيرا، لسانه لا يطاوعه على السكوت، يصف كل ما يشاهده، يتجاوز الخوف بضحكة، ويواجه الميليشيا بقلم، ويضحك من سخافات الدويلات المغلقة والسلاح القاتل الذي يريد ان يواجه سلاحه القلم.
لم يعجب به صحافيون آخرون زملاء لي، قالوا إنه متهور، ربما لأنه أكثر شجاعة في مغادرة كرسي التحرير الى أرض الواقع، ومن صحافة العلاقات الفوقية، الى صحافة الحقيقة، المراقبة والمتابعة والاخذ بكل الآراء، لا إنتظار “التعليمة” ليبنى على الشيء مقتضاه.
الأهم إنني إتهمت بإحتضان هذا الصحافي المغامر الشاب الطموح كونه من بلدتي برجا، وكنت استغرب ذلك، ولم اصدق ان الغيرة تصل الى هنا، رغم أن ربيع لا يعرفها جيدا، فهو عاش في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية ووالدته الفنانة الراحلة آماليا ابي صالح اما والده فهو من بلدة برجا ولكني اظن انه من سكان بيروت وله اخ تؤأم واخت اقريقية تم تبنيها كونها كانت تهتم بوالدته في مرضها.
كنت أرى فيه صورة شبابي الأول، وانا أركض من مكان لآخر اتابع خبر غارة اسرائيلية في الجنوب او مهرجان سياسي فيه 12 كلمة اسجلها بالورقة والقلم على مدى 3 ساعات او اذهب الى مكان انفجار حيث انفجار الناس اقوى من انفجار من القذائف والعبوات، واقطع الطرقات سرا الى أماكن تواجد مقاومين قبل ان يتحفنا اعلام مقاوم ببيانات جاهزة، تصل غب الطلب الى المكاتب.
تم التضحية بربيع في مؤسستنا لان احدا غير قادر على فهمه، وصف بالمتهور وهم يريدون عقلاء في مهنة مجنونة، تنقل ربيع بالعمل في اكثر من مؤسسة استهواه ملاحقة الجرائم والخفايا، وفوجئت انه اصبح رئيس تحرير موقع الكتروني وهذا دليل صحة وعافية ودليل على موهبته الصحا فية.
لم ننقطع عن الاتصال تماما وكنا نضحك في سرنا من الاحكام الجاهزة عنا في عمل لم يعد للمهني اي تقدير فيه، المهم التبعية لا المهنية العالية، فالمهنة تتطلب مداحين وهم كثر في هذا الزمن وتتطلب ردادين وهم كثر، ولا مكان لمن يريد البحث عن الحقيقة.
كنت اجد ربيع مهضوما طليق اللسان وسريع الرد، طبعا قد يسبقه لسانه احيانا كثيرة لا عقله، فهو لا يلجم اندفاعاته، لانه لا يجد مبررا لذلك، وربما هذا ما اوقعه فريسة مجرمين حاولوا قتله.
لم يأت مؤخرا شبان للتدرب وانا كنت ادرب طلاب الجامعات الذين يقصدون مؤسستنا “المؤسسة السابقة” من هو مثل ربيع في حب المهنة، فبعض الفتيات يعتمدن على اشكالهن وعلى ضرب صحبة صاحب قرار، و بعض الشباب كانوا يدجنون في اطار العمل الحزبي قلة من اراد ان يكون صحفيا لا مجرد كاتب لخدمة سياسة معينه، او الالتحاق برعيل الاجهزة الامنية وما ادراك في قدرتها على صناعة نجوم اعلامية واخفاء اخرى لقلة حظها او لحسن حظها لا اعرف وانا انتظر جواب النقابة علها تفلح في حماية الصحافيين من اغراءات السلطة والمال.
ربيع الذي كتب عن مغامرته حين اعتقل عند حزب الله ضحكنا يومها لكنه خرج سالما وهذا ما كان يعنينا الم اقل انه لا يريد ان يقف بوجه مهنيته احد، من الذين ترنخوا في المكاتب والتعليمات الجاهزة.
ربيع الحمد الله على سلامتك، لا تغامر بحياتك من جديد فهذه المهنة عقوقة بحق شجعانها. لك كل التقدير والاحترام، كن انت دائما ربما يكون لنا أمل بمهنة ووطن يحمي الصحفيين والحقيقة ويدافع عن حقهم في الكتابة الحرة ليكونوا السلطة الرابعة المؤثرة.
فاطمة حوحو*
صحافية لبنانية مقيمة في المغرب