“مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية “ذراع الإمارات الحضارية في عمق الفهم التنموي ..بقلم زياد علوش

*زياد علوش
“ابو ظبي،دبي،عجمان،الشارقة،رأس الخيمة،القيوين،الفجيرة” انها الإمارات العربية المتحدة سبع حبات من العقد اللؤلؤي الفريد صاغه حكماء وقادة عظام خلدوا اسمائهم في سفر التاريخ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة. كان له دور كبير في توحيد الدولة مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وتحقق لهم ذلك في 2 ديسمبر 1971 وأسس أول فيدرالية عربية جمعت الاصالة بالحداثة في ابهى صورها ومعانيها ، جذور عميقة ضاربة في التاريخ التليد منذ ما قبل العصر الحديدي لحوالي 7000 سنة خلت غرب الخليج العربي.
على نهج الاصالة يتجدد صباح الامارات بقيادة الأبناء والاحفاد فيتوهج الدور ويتألق المستقبل مع سمو رئيس الدولة خليفة بن زايد آل نهيان واركان دولته.
اتسمت السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة بالاعتدال وتأييد ودعم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم والعمل على ترسيخ أهداف ومبادئ الشرعية الدولية.وبكلمة إماراتية واحدة: فإن العدالة بكل مخزونها الرمزي والمعرفي، ومضمونها السياسي والاجتماعي، هي سبيل البشرية الى التنمية ولتجاوز محن الفقر والتهميش والغلو والعنف والإرهاب.
وبإرادة سامية كبادرة تنموية رائدة في خدمة الانسانية تأسست مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية بقانون رقم 20 في يوليو 2007 أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة.
من هنا ؛ يمكن وصف أي مبادرة على هذا المستوى , بالخيار الإستراتيجي , لأنها ستؤثر لا محالة في دينامية الحراك الإجتماعي وفي الحياة العامة للبلدان والمجتمعات المعنية.
سنة 1986 صدر إعلان الحق في التنمية الذي تؤكد المادة الأولى منه على أن ” الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف ، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالاً تاماً ” .
كما أن المادة الثانية من هذا الإعلان توضح جيدا بأن ” الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية ”
تنطوي التنمية في أبلغ صورها على إحداث نوع من التغيير في المجتمع الذي تتوجه إليه ، وبالطبع فهذا التغيير من الممكن أن يكون مادياً يسعى إلى رفع المستوى الاقتصادي والتكنولوجي لذات المجتمع، وقد يكون معنوياً يستهدف تغيير اتجاهات الناس وعاداتهم وتقاليدهم وميولهم ، فالأمر يتعلق إذن بعمليات هادفة محدودة في الزمان والمكان تراهن على التغيير الإيجابي طبعا ، إن التنمية في مختلف أشكالها وتصوراتها تستهدف أبعاداً مفتوحة على ما هو لوجيستيكي أو ما هو معنوي تقود ختاماً نحو تغيير السياسات والممارسات والمواقف.
سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة رئيس مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية يؤكد في تصريحات سابقة” إن انشاء المؤسسة في عام 2007، تزامن مع الجهود الحثيثة تجاه إيجاد مؤسسة مجتمعية فاعلة تمثل الفكر والنهج الإنساني السامي لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وتجسّد العطاء بمفهومه الشامل بأسلوب علمي متطوّر يسهم في نهضة المجتمع وتقدمه، ليس داخل الدولة فحسب، بل يساهم في تنمية وخدمة العمل الخيري في المجتمعات الأخرى خارج الدولة”.
رسالتها خدمة البشرية من خلال برامج مساعدات جادة للمستحقين ،المساهمة في نشر روح التسامح ،ومد جسور التعاون مع المنظمات المحلية والعالمية المشتركة في العمل الإنساني ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي وتشجيع العمل التطوّعي في مختلف جوانبه الإنسانية”.
ولتحقيق تلك الاهداف النبيلة سلكت في تطبيق استراتيجيتها تطوير محاور اساسية ثلاث :التعليم،الصحة والاستجابة للطوارئ والأزمات
وتستند في تحقيق رسالتها إلى القواعد والأسس التالية:الدخول في شراكات استراتيجية مع المنظمات الدولية والمؤسسات العالمية المستقلة.،السعي إلى رفع الكفاءات المؤسسية ودعم القدرات الذاتية للرأس المال البشرية،الإلتزام المباشر في تنفيذ مشاريع البنى التحتية،المراجعة والتقييم.
العمل الانساني الذي يحقق روح الشريعة الاسلامية ضمن فلسفة الحق في العطاء والنماء وقد تجاوز حدود الامارات الجغرافية إلى شتى أنحاء العالم.
نعم العمل الانساني التنموي المتكامل متجذر ومتاصل في الامارات فقد سبق أن أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي العديد من المبادرات الخيرية والإنسانية التي أسهمت في تخفيف المعاناة عن كاهل العديد من المضارين جراء أوضاع إنسانية صعبة ناجمة عن ظروف اجتماعية استثنائية أو ظواهر طبيعية قاسية أو نزاعات مسلّحة، سواء في المنطقة العربية أو في بقاع عدة حول العالم. ومن تلك المبادرات على سبيل المثال لا الحصر: مبادرة “سقيا الإمارات” التي أطلقها سموه في يونيو 2014 لتوفير مياه الشرب النقية لنحو خمسة ملايين شخص حول العالم، والتي تحولت فيما بعد إلى مؤسسة تُعنى بالبحوث والدراسات لدعم إنتاج المياه النظيفة باستخدام الطاقة الشمسية، كذلك إطلاق سموه جائزة عالمية بقيمة مليون دولار أميركي، لإيجاد حلول دائمة لمشكلة شح المياه حول العالم، باستخدام الطاقة الشمسية لتنقية وتحلية المياه.
ومن انجازات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الإنسانية ذات الأثر العالمية المدينة العالمية للخدمات الانسانية” التي تأسست في دبي في العام 2003 بتوجيهات مباشرة من سموه لتصبح أكبر مركز للخدمات اللوجستية في مجال الإغاثة الإنسانية وأكثرها فعالية على مستوى العالم، إذ يندرج في عضويتها اليوم 60 من المنظمات التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية.
قرية العائلة للأيتام:
وإدراكاً لقيمة التعليم في تحقيق نهضة الشعوب وتقدمها، أطلق سموه “دبي للعطاء”في نوفمبر عام 2008، والتي ما لبثت أن تحولت إلى إطارها المؤسسي لاحقاً، لضمان مواصلة تحقيق مأربها في تعزيز فرص حصول الأطفال في البلدان النامية على التعليم الأساسي السليم، ما يكفل تخريج أجيال جديدة مزودة بالعلم والمعرفة التي تعينهم على التحول إلى أفراد نافعين لأنفسهم ومؤهلين للمشاركة في تنمية مجتمعاتهم والخروج بها من دائرة الفقر والعوز.
وفي مجال العمل الخيري المعني بصحة الإنسان، والتي تعتبر المقوم الأول في منظومة التنمية والمطلب الرئيس لإقامة مجتمعات يتمتع أفرادها بالقدرة على العمل والإنتاج، كانت مبادرة”نور دبي”في سبتمبر ٢٠٠٨ والتي نشطت منذ انطلاقها في مجال مكافحة العمى والإعاقة البصرية على مستوى العالم وهو الهدف الذي تأسست من أجل تحقيقه، إضافة إلى العديد من الحملات والمبادرات التي يبادر دائماً سموه بإطلاقها لمد يد العون والمساعدة للمحتاجين في شتى بقاع العالم.
ضمن دبلوماسية ناجحة تحتكم الى الحق والعدل والانفتاح تؤدي السياسة الخارجية الإماراتية ادوار عالمية فاعلة على مسرح الاحداث،تجاه القضايا ذات الطابع الإقليمي والدولي، فضلاً عن المبادرات والمساعدات الإنسانية التي تقدمت بها إلى الدول النامية في مختلف أرجاء العالم،مما مكنها الارتباط العميق بكافة الاشكال مع العالم الخارجي على كافة المستويات من علاقات سياسية واقتصادية وثقافية واسعة ومتشعبة مع الدول القريبة والبعيدة، مع اولوية خاصة بالعلاقات العربية العامة، وهو اهتمام يوازي اهتمامها بالبيئة الخليجية، ويأتي الاهتمام بالبيئة العربية من منطلق أن العالم العربي هو خط الدفاع السياسي الأول لها، وهو ملاذها الاستراتيجي وحصنها الثقافي الذي تستمد منه هويتها وشخصيتها الحضارية
لذلك فإن المساعدات والمبادرات الإنسانية التي تقدمها الإمارات إلى الدول النامية في العالم، تأتي بغض النظر عن التوجهات والانتماءات أو العقائد، ودافعها الوحيد هو الدافع الإنساني المؤطر بقيم الدين الإسلامي وتعاليمه .
كباحثين في الشأن التنموي ولطالما قلنا أن التمويل وحدة لا يحقق الانماء بعيداً عن الارتباط بأهداف واستراتيجيات واضحة نستطيع القول: إن مجمل القواعد التنموية والممارسات العملية التي تقوم عليها مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للاعمال الانسانية تسير في الاتجاه الصحيح ولا بد ان تحقق اهدافها النبيلة،خاصة عندما يعلن مسؤولوا المؤسسة انهم حريصون على إرساء قواعد تنموية حقيقية في العمل الخيري والإنساني بحيث تكون المؤسسة قادرة على إيجاد أفكار وأساليب جديدة غير نمطية، تضاعف من قدرة الأفراد وكفاءتهم، وتنتهج مبدأ المبادرة بشكل أكبر في استثمار الموارد البشرية ، واستغلال طاقاتها وقدراتها بشكل فاعل وإيجابي ومنظّم.
عبر تنفيذ مشروعات وبرامج وأنشطة مبتكرة منذ تأسيسها، تتسم جميعها بالفاعلية والإنتاجية حيث عكست ثقة كبيرة وشفافية عالية لدى المجتمع المحلي ولدى المنظمات الإنسانية العالمية، وهو ما يعكس أيضا إيمان المؤسسة بالتنمية المستدامة، ودعم المشاريع الإنسانية التي تُعنى بالتنمية البشرية والتعليمية والصحية في العديد من دول العالم.
تجاوز عدد الدول التي إستفادت من المبادرات والمشاريع الإنسانية التي نفذتها مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للاعمال الانسانية في الخارج إلى أكثر من 70 دولة بالمقارنة مع 22 دولة قدمت لها المؤسسة مساعدات في العام الاول من تأسيسها.. وتم تقديم هذه المساعدات بالتعاون مع سفارات الدولة في الخارج والمؤسسات والمنظمات الدولية..
ولإنجازات المؤسسة في لبنان ابعاد خاصة مع النزوح السوري الكثيف الذي تجاوز معدله نصف الشعب اللبناني فكان لا بد من الجمع بين البعدين الانمائي والانساني كبادرة إنسانية أثبتت مدى التزام دولة الإمارات العربية المتحدة الأخوي والأخلاقي بالقضية الإنسانية الأكثر إلحاحا.
لقد تسنى لي في لبنان أن اكون شاهداً على تلك الانجازات العظيمة عندما افتتحت بكلمتي الترحيبية بإسم مجلسنا البلدي بسعادة سفير دولة الامارات العربية المتحدة في لبنان الدكتور حمد بن سعيد الشامسي في بلدتي العكارية مشحا ضمن جولته لإفتتاح أكثر من 32 مشروعاً تنموياً ممولاً من مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للاعمال الانسانية من اصل 41 في محافظة عكار التي تشكل ما نسبته 20% من المساحة اللبنانية والوحدات السكنية. يذكر أن هناك 86 مشروعا معدا للافتتاح في مختلف الأراضي اللبنانية وكلها ممولة من ” مؤسسة خليفة ” بعضها تم افتتاحه والباقي في المرحلة المقبلة ليستفيد من المشاريع مختلف الشرائح اللبنانية إضافة للنازحين السوريين
لم يكن غريباً ان تحظي زيارة الوفد الإماراتي الى عكار بأهمية استثنائية وبترحيب شعبي واسع كونها وصلت الى العديد من القرى والبلدات النائية والمحرومة والتي تتحمل تبعات النزوح السوري، حيث شكلت المشاريع الحيوية التي تم افتتاحها او الاعلان عنها بارقة أمل.

السفير الشامسي الدبلوماسي المرموق الذي يمثل قيم بلاده خير التمثيل وضع النقاط على الحروق عندما قال” أن «هذه المشاريع تؤكد عمق العلاقات التاريخية والأواصر المتينة التي تربط الامارات ولبنان ورسالة محبة من قادة وشعب دولة الامارات إلى لبنان، لتحسين مستوى خدمات البنية التحتية لهذه البلدات، تنفيذا لمبادرة «عام الخير» التي اطلقها رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان».
وقال: «اننا ندرك حجم الأعباء الملقاة على عاتق لبنان نتيجة ضغط النزوح السوري على معظم قطاعات البنية التحتية، وسنستكمل تقديم المزيد من المساعدات بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية والبلديات المعنية لتحديد أولويات المشاريع التي من شأنها تخفيف معاناة النازحين السوريين أو المجتمع اللبناني المضيف، وستقوم ملحقية الشؤون الانسانية والتنموية لسفارة الامارات بدراسة الاحتياجات والتنسيق مع الجهات الاماراتية المانحة والمؤسسات الانسانية لتوفير الدعم المطلوب»، مؤكداً ان «الامارات التي احتلت المركز الاول عالميا للعالم الثالث على التوالي بحجم المساعدات الانسانية المقدمة نسبة للدخل، كانت وستبقى الى جانب لبنان الشقيق وشعبه على مختلف الصعد، وهي تتمنى ان ينعم هذا البلد بالاستقرار والرخاء والأمن”.

(كاتب صحفي ومحلل سياسي)

لمشاركة الرابط: