بين الإقامة والانتماء.. أنتِ بيروت لي سامحيني

في قلب بيروت، حيث تعانق شوارعها ذكرياتنا، وتنطلق صباحاتها بين ضجيج الشوارع وصدى خطوات المارة، نكبر يوميًا على وقع قصص المدينة ، صخبها، ضحكاتها، أحلامها المؤجلة.
كل من يعيش على أرضها بصدق محبته ، هؤلاء ليسوا زوارًا عابرين، بل هم رفاق الأرصفة، وشهود العتمة عند غروب الشمس، وأصدقاء بحرها ، وروّاد المقاهي التي تشدّهم برائحة القهوة. ومع ذلك، عندما يأتي موعد الانتخاب البلدي، يتحوّل جزء كبير من هؤلاء إلى “”مقيمين بلا صوت”، لأن قيد نفوسهم مسجّل في محافظة أخرى لا يعرفون منها إلّا الأوراق الحكومية.
قد يُظن أن الأمر بسيطٌ إداريًّا، لكنّ القيد الزائف يقطع صلة الانتماء العمليّ؛ يُبعدنا عن صناديق الاقتراع في مدننا التي نُضيء شوارعها، ونرتشف همومها اليومية. كيف يُعقل أن أقترع لصالح مجلس بلدي في بلدة لا أعرف فيها صباحاتها  وأحيانا ولا مرشحاً واحدًا، بينما لا أملك حقّ الاقتراع في المكان الذي أسكنه، وأعلم تفاصيل دروباته وأعطال يومياته وأنقل همومه إلى الإعلام يومياً!
الانتماء إلى بيروت… أكثر من عنوان في البطاقة ،بيروت ليست جغرافيا فقط، بل حالة مزاجية
• أصوات الشوارع التي لا تنام، حيث يختلط انبعاث البنزين بسيول البشر.
• رائحة ” مناقيش” الصعتر ،رائحة المطر حين يتسلل عبر الشقوق في الجدران القديمة.
• ألوان الجدران المكسوّة بالحكايات، تروي قصصًا عن حنينٍ لم يعد ينام.
كل هذا  والأكثر  هو “بيروت التي تسكننا”، تفصيلاتٌ يوميةٌ تتداولها أرصفة المدينة. لكنّ القانون لا يرى في هذا الانتماء سوى عنوانٍ على هوية ورقية، فلا يسمح للمقيم الفعليّ لعاشق المدينة  بالمشاركة في انتخاب من يدير شؤونه.او لإختيار مختار يعرفه حلة ونسبا !
لماذا يجب أن نصحح القانون؟
1. العدالة الديمقراطية
الديمقراطية الحقيقية تقوم على مشاركة كل من يعيش ويتنفس في المدينة، لا فقط من يحمل قيدًا في محافظة بعيدة.
2. تحسين الخدمات
المجالس البلدية التي تنتخبها قاعدة أوسع تعي حاجات السكان الفعلية، ستعمل بجد لتحسين الإنارة، تنظيف الشوارع، وضبط الازدحام المروري.
3. تعزيز الانتماء
عندما يُشرك المواطن في القرار المحلي، يرتفع إحساسه بالمسؤولية تجاه حيه وحيه يسعى للحفاظ على نظافته وجماله.
4. مطابقة المعايير الدولية
العديد من الدول تمنح الاقتراع في الانتخابات المحلية للمقيمين بعد فترة إقامة قصيرة. لبنان بحاجة لمواكبة هذه الممارسات الحقوقية.
دعوة إلى البرلمان اللبناني
من هنا لا بد أن نناشد مجلس النواب اللبناني بفتح باب النقاش الفوري لتعديل قانون الانتخابات البلدية (قانون رقم 118/1977 وتعديلاته)، ليشمل:
• توسيع مفهوم الناخب ليطال “أي شخص مقيم فعليًا في البلدية لمدة سنة على الأقل”، بغض النظر عن قيده الأصلي.
• إنشاء لائحة انتخابية واحدة للمقيمين والمواطنين، ليتساوى الجميع في اختيار من يدير شؤونهم.
• إقرار فترة انتظار لا تتجاوز السنتين للمقيمين الجدد قبل الاقتراع، مع حملات توعية لتعريفهم بدورهم المدني.
فلتكن بيروت حقًّا لكل من يسكنها ويحبّها. ولتحيا ديمقراطيتنا بمشاركةٍ كاملةٍ لكل من يصنع حكايتها اليومية
أنتِ بيروت لي … سامحيني
إكرام صعب
[email protected]

لمشاركة الرابط: