الكويت تتجه نحو أكبر تغيير سكاني في تاريخها.. لكنه سيؤثر على آلاف العمال من دول عربية عدة!

تسود في الكويت حالياً حالة من التدافع نحو إعادة هيكلة التركيبة السكانية بفعل تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا في البلاد، وهي الحالة التي نشأ عنها تراكم أعداد كبيرة من العالقين الأجانب وبخاصة العمالة العربية والآسيوية ممن فقدوا وظائفهم وتقطعت بهم سبل العيش.
هذه الحالة كشفت أزمة كبرى في الداخل الكويتي تتمثل فيما عرف محلياً بـ” تجار الإقامات” وهم أصحاب الشركات التي أصدرت وسوم استقدام هذه الأعداد الكبيرة التي قدرت بعشرات الآلاف على إقامات وهمية، ودون غطاء قانوني يؤمن لهم وظيفتهم أو مصدر رزق واضح ، الأمر الذي نتج عنه وقوع الدولة الكويتية في مشكلات سياسية وديبلوماسية مع دول عربية وغير عربية، فإتجهت الدولة تحت ضغط نواب البرلمان والسياسيين للتفكير في مشروع يهدف لتعديل التركيبة السكانية في البلاد وتقليل عدد الوافدين خلال المرحلة المقبلة، بصورة كبيرة هي الأكبر في تاريخ البلاد، إذ بدأت بعض الوزارات بالتوجه نحو الإستغناء الكامل عن الوافدين خلال الأشهر المقبلة.
كورونا
وزادت حالة الرفض الداخلية لإستمرار الوافدين بأعدادهم الحالية ازدادت حدتها، خاصة مع تطبيق الإجراءات الاحترازية وفرض الحظر العام على الدولة والحظر الجزئي على النشاط الإقتصادي في كافة أرجاء البلاد، قبل أن يدخل مرحلة الحظر الكلي الذي بدأ في العاشر من مايو أيار الماضي وامتد حتى نهاية الشهر ذاته.
ومع تزايد أعداد العمال الوافدين المصابين بفيروس كورونا، تفجرت مشكلات عدة أهمها الحاجة إلى توفير مساكن بديلة وملائمة ومتفرقة لتستوعب آلاف العمال، الذي وصل التكدس بينهم ليصل إلى أكثر من ألف عامل في البناية الواحدة.
تجار الإقامات
وهذا ما دفع وزارة الداخلية الكويتية لتوقيف العديد من أصحاب الشركات، من الكويتيين وغيرهم بدافع شبهة الإتجار بالبشر، كما ألقت القبض على نائب في البرلمان البنغلاديشي يقيم في الكويت بدعوى تورطه وعدد من المسؤولين في جهات حكومية في تجارة الإقامات بجلب آلاف العمال الى الكويت وتقاضي منهم مبالغ باهظة نظير استقدامهم ، ثم يتركونهم في العراء دون أي سند قانوني أو مصدر دخل، حتى باتوا عرضة للمطاردات من الشرطة بدعوى إقامتهم في البلاد بخلاف القانون.
وتعد نشبة الكويتيين مقابل الوافدين 30% من إجمالي عدد السكان – المصدر: الهيئة العامة للمعلومات المدنية بالكويت .
ومع تزايد ضغط العمالة الوافدة على المرافق الصحية في البلاد كان الحل الأسهل دوماً هو المطالبة بتقليل أعداد الوافدين في البلاد وهو ما عكسته العديد من الوسوم التي تصدرت موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” طوال الفترة الماضية.
وبحسب الأرقام المعلنة على الموقع الرسمي للهيئة العامة للمعلومات المدنية فقد بلغ إجمالي عدد سكان الكويت حتى 16 يونيو حزيران 4.776.407 نسمة مقسمين بواقع 1.432.045 مواطن كويتي و3.344.362 مقيم غير كويتي، أي أن نسبة المواطنين تبلغ 30% مقابل نسبة 70% من الجنسيات الأخرى.
وتشير إحصائية الهيئة ذاتها بشأن سوق العمل في البلاد والصادرة في 31 ديسمبر كانون الأول الماضي، إلى أن سوق العمل في البلاد يضم ثلاثة قطاعات رئيسية، هي القطاع الحكومي ويبلغ عدد العاملين فيه 464.411 عاملاً والقطاع الخاص ويعمل به 1.716.642 عاملاً وأخيراً قطاع العمالة المنزلية وفيه 744.208 عمال.
أغلبية كويتية
ويشكل الكويتيون أغلبية العاملين في القطاع الحكومي إذ يبلغ عددهم 344.937 ألف مواطن أي بنسبة 74%، ويليهم المصريون بإجمالي 43.309 موظفين وعمال بنسبة 9%، فيما يبلغ عدد الهنود 28.326 بنسبة 6%، يأتي بعدهم البنغلاديشيون ويبلغ عددهم 9.813 عاملاً ويشكلون 2% من قوة العمل في القطاع، ثم يليهم السوريون بواقع 5.061 بنسبة 1% من العاملين في الحكومة.
نسب الوافدين
وعلى مستوى القطاع الخاص تحتل الجنسية الهندية المرتبة الأولى في عدد العمال والموظفين، إذ يبلغ عددهم 549.714 عاملاً بواقع 32% من قوة العمل، ويليهم المصريون وعددهم 475.534 بواقع 28% وبعدهم البنغلاديشيون وعددهم 175.592 ويشكلون 10% من قوة العمل، ثم الفلبينيون بعدد 73715 أي بنسبة 4% وفي المرتبة الرابعة يأتي الكويتيون بعدد 63268 أي بنسبة 4% وأخيراً النيباليون وعددهم 55705 بنسبة 3%.
وفي قطاع العمالة المنزلية ويشمل الخدم والسائقين وغيرهم يحتل الهنود المرتبة الأولى بواقع 352.548 بنسبة 47.4% ويليهم الفلبينيون وعددهم 159.294 بنسبة 21.4% والبنغلاديشيون وعددهم 159.294 بنسبة 12% والسريلانكيون وعددهم 81.413 يشكلون 10.9% من العمالة المنزلية.
فيما يشكل الإثيوبيون نسبة 2.5% بعدد 18.816، وتليهم الكاميرون وعدد العاملين منها 18.544 يشكلون نحو 2.5% والنيبال 16.734 بواقع 2.2% وإندونيسيا 2.815 بواقع 0.4% وباكستان ومنها 1.846 بواقع 0.2% وغانا 1.575 يمثلون نحو 0.2%.
الإستغناء عن الوافدين
وكان رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح قد أكد في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المحلية في مطلع يونيو حزيران الجاري أن “التحدي القادم هو أن نعكس التركيبة السكانية بحيث تصبح 70% للكويتيين و30% لغير الكويتيين”.
فيما يتسابق الوزراء في الإعلان عن حركة استغناء عن الوافدين داخل الجهات الحكومية، بدأها وزير البلدية وليد الجاسم بالإعلان عن إنهاء خدمات 50% من الوافدين في وزارة البلدية.
بدورها قررت وزيرة الأشغال وزيرة الدولة لشؤون الإسكان د. رنا الفارس، الإستغناء عن 33% من الوافدين في المؤسسة العامة للرعاية السكنية، والنسبة نفسها في وزارة الأشغال ابتداء من يوليو تموز المقبل، على أن يتم الإستغناء عن جميع الوافدين في الجهتين بحلول يوليو تموز 2021.
كما بلغت تحويلات الوافدين خلال 2019 نحو4.4 مليار دينار (14.4 مليار دولار) بارتفاع قدره 4.2% عن عام 2018، الذي قدرت إجمالي التحويلات خلاله بواقع 4.3 مليارات دينار، وفق إحصائية صادرة عن بنك الكويت المركزي.
محاولات سابقة
وبحسب وزير التخطيط الأسبق علي الموسى، فإن مشكلة التركيبة السكانية دائماً في تطبيق الرؤى بصدق وبشكل دقيق، إذ إن الموضوع ليس جديداً، إذ سبق وتم طرحه في العديد من المناسبات.
ويضيف الموسى في تصريح لـ”عربي بوست” أن القضية حظيت باهتمام حكومي بالغ على مستوى إعداد الدراسات في السابق، إذ سبق أن تعاونت الحكومة مع جامعتي هارفارد وMIT وكذلك معهد الكويت للأبحاث العلمية وجرى إعداد دراسة متكاملة.
وقال: “إلا أنها لم تطبق في النهاية كما أنه حين استعانت الحكومة برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في مجال الإستشارات كان من بين ما تم تقديمه دراسة خاصة بسوق العمل والتركيبة السكانية ولكن مصيرها لم يختلف عن سابقتها”.
ويقول وزير النفط الأسبق وعضو الديوان الوطني لحقوق الإنسان (هيئة حكومية) علي البغلي إن أزمة كورونا الحالية سلطت الضوء بشدة على اختلالات التركيبة السكانية، خصوصاً مع اكتشاف وجود عشرات الآلاف من العمالة السائبة الذين اشترك في جلبهم تجار البشر من المواطنين بالإتفاق مع وسطاء من جنسيات العمال ومتنفذين داخل الجهات الحكومية الكويتية، نظير الحصول على مبالغ طائلة.
ويضيف البغلي لـ”عربي بوست” إن هؤلاء العمال تركوا في الشوارع من دون عمل ثابت، ونظراً لكون الكويت من البلدان التي يتحمل المال العام فيها تكلفة أغلب الخدمات وعلى رأسها الخدمات الصحية، كما يوجد دعم للوقود والغاز وغيرهما.
وأضاف: “إن وجود هؤلاء يشكل ضغطاً على المال العام في وقت انخفضت فيه أسعار النفط بشكل غير مسبوق ، ومن المعروف أن الكويت تعتمد في ميزانيتها بشكل كلي على النفط وهو ما يعني لجوء الحكومة للسحب من الإحتياطي العام وكذلك صندوق احتياطي الأجيال وهو ما أثار مخاوف المواطنين على مستقبل أبنائهم”.
وتنتج الكويت حالياً نحو 2.7 مليون برميل نفط يومياً، وبنيت الميزانية الحالية على أساس سعر تقديري هو 55 دولاراً للبرميل، مع وجود عجز تقديري نحو 9 مليارات دينار كويتي، وهو عجز متوقع أن يتضاعف في ظل الوضع الراهن، ما يزيد الضغط على الحكومة.
ويشدد البغلي على أن عملية الإستغناء عن العمالة لن تتم بشكل عشوائي وأن من لديه عمل بشكل قانوني ومن تحتاجه البلاد سيظل مرحباً به، بينما يجب أن تتم إعادة عشرات الآلاف ممن لا يعملون بشكل قانوني (أي لا يعملون لدى كفلائهم) في مكان آخر، وفي الوقت ذاته فإن المنظمات الحقوقية لن تقبل المساس بحقوق أي شخص من المرحلين الذين ينبغي حصولهم على كامل حقوقهم وأن يحظوا بمعاملة إنسانية.
ويؤكد أن الدولة بحاجة لتطبيق القانون بحزم بحق تجار الإقامات مهما كان المتورط متنفذاً أو مسؤولاً في أي من الدوائر الحكومية، بعد ثبوت متاجرة البعض بآلاف البشر، ما يحتم على الحكومة التعامل بمقاييس واحدة مع الجميع خاصة وأن التعامل الحكومي كان انتقائياً في الفترة الماضية.
الوافدون ليسوا المشكلة
في المقابل يرى الباحث الاقتصادي محمد رمضان أن حل مشكلة العمالة السائبة يكمن في تسريع عودة الإقتصاد؛ إذ من المعروف أن تلك العمالة مهمة في الوضع الطبيعي لتحقيق أي نمو اقتصادي مستهدف، لأنه كلما انخفضت أسعارها حقق رب العمل نتائج أفضل من الناحية الإقتصادية. ويضيف رمضان أن من يتحدث عن مشكلة عمالة في الكويت عليه أن يتخلى أولاً عن العمالة المنزلية لديه؛ إذ إن واقع الحال يشير لوجود عامل منزلي لكل اثنين من المواطنين كما يؤكد أن ارتفاع نسبة العمالة مقارنة بالمواطنين أمر لا يعني بالضرورة وجود مشكلة وأن النسبة في بعض دول الجوار الخليجي تصل لنحو 80 % وليس 70% كما هو الحال في الكويت.
ويذهب رمضان للقول بصعوبة إجراء تعديل على التركيبة السكانية، واصفاً الحديث حولها بأنه حديث عاطفي لا معنى له لوجود وظائف لا يعمل بها المواطن أولاً، ومنهم الطباعون والسكرتارية والفراشون في الجهات الحكومية، وكذلك العديد من وظائف القطاع الخاص فضلاً عن عدم كفاية المواطنين لتغطية الحاجة في وظائف بعينها، منها على سبيل المثال القطاع الطبي والتمريض والتعليم وهي قطاعات تضطر الدولة لتغطية العجز فيها من خلال تعيين آلاف الوافدين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم.
ويؤكد أن ترحيل العمال في ظل الأزمة الراهنة لن ينجم عنه مشكلة إذ من الطبيعي استقدام آلاف غيرهم عقب تعافي الإقتصاد ودوران عجلة المشاريع الكبرى مرة أخرى، وستسهم الأوضاع الحالية في وضع شروط تضمن جودة ونوعية العمالة الوافدة مستقبلاً.
شرح الإنفوغراف
بحسب إحصائية الهيئة العامة للمعلومات المدنية لعام 2019، يمكن ترتيب جنسيات العاملين في دولة الكويت بالنسبة لإجمالي عدد العاملين على النحو التالي:
1- الهند:

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 930.624، يشكلون 32% من قوة العمل

2- الكويت:

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 408.205 بنسبة 14% من قوة العمل

3- مصر

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 520.104 بنسبة 18% من قوة العمل

4- بنغلاديش

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة274.731 بواقع 9% من قوة العمل

5- الفلبين

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة236.801 بنسبة 8% من قوة العمل

6- سريلانكا

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 102.537 بنسبة 4% من قوة العمل

7- باكستان

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 81.389 بواقع 3% من إجمالي قوة العمل

8- سوريا

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 63.033 بنسبة 2% من قوة العمل

9- نيبال

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 72.634 بنسبة 2.5% من قوة العمل

10- الأردن

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 26.309 بنسبة 1% من قوة العمل

11- جنسيات أخرى

يبلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة 208.813 يشكلون 7% من قوة العمل

الترتيب نسبة إلى جملة العاملين الوافدين بالدولة

1-الهند: بنسبة 37%

2-مصر: في المرتبة الثانية بنسبة 21%

3-بنغلاديش: بنسبة 11%

4- الفلبين: بنسبة 9%

5-سريلانكا: بنسبة 4%

6-سوريا: بنسبة 3%

7-باكستان: بنسبة 3%

8- نيبال: بنسبة 3%

9-الأردن: بنسبة 1%
10-جنسيات أخرى: تشكل معاً 8%
المصدر عربي بوست

لمشاركة الرابط: