مقرر الأمم المتحدة دي شوتر : صُدمت بإنفصال المؤسسة السياسية عن الشعب وزيارتي جرس إنذار للحكومة بضرورة الإصلاح

خاص – nextlb

أعرب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر عن صدمته في ختام زيارته التي امتدت على 12 يوما زار خلالها مناطق الفقر واحزمة البؤس في معظم المناطق اللبنانية في تقرير غير نهائي أعده خلال الزيارة من الحال المزرية التي وصل اليها لبنان وهو الدولة الغنية بمقدراتها الفكرية والتي تصدر أصحاب الكفاءات والأدمغة الى العالم .
وكشف أن ” لبنان لديه فرصة لإعادة النظر في نموذجه الإقتصادي ولن يؤدي الإستمرار في تحفيز نموذج فاشل قائم على الريعية وعدم المساواة والطائفية إلا إلى إغراق السكان أكثر في العوز.”
وقال دي شوتر ” لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الإنهيار، وحكومته تخذل شعبها الذي كان ذات يوم منارة تسترشد بها المنطقة مع مستويات عالية في التنمية البشرية وقدرات كبيرة ، ولكن الأزمة المصنعة تدمر حياة السكان، وتحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثه الناس جيلا بعد جيل”.
وقال في ما يشبه المضبطة الإتهامية للسلطة السياسية والطبقة الحاكمة أنه ” من المذهل التقصير في المسؤولية على أعلى مستويات القيادة السياسية

وكان مقرر الأمم المتحدة دي شوتر عقد مؤتمراً صحافياً لهذه الغاية في فندق مارتينيز بيروت اليوم بحضور وسائل إعلام محلية وعالمية ، نقل عبر مواقع التواصل الإجتماعي والإنترنيت عبر العالم .

السلطة السياسية في واد والشعب في واد
وأضاف دي شوتر في تقريره ” صدمت بإنفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الأرض ، فالأطفال يجبرون على ترك المدرسة والعمل في ظروف غير آمنة، واللاجئون واللبنانيون في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة والكهرباء، وموظفو المدارس والمستشفيات العامة يغادرون البلد بعد أن طالهم الفقر ، بينما التقيت كذلك بمسؤولين مخلصين على مستوى صغار الموظفين “.
واتهم دي شوتر السلطة اللبنانية ب” تدمير العملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، قد أغرق لبنان في فقر مدقع ، مضيفاً أنه “حتى يتم اقتراح خطة موثوقة لتحويل الإقتصاد، ومعالجة عدم المساواة، وضمان العدالة الضريبية، والحؤول دون المزيد من المآزق السياسية، لن يأخذ المجتمع الدولي الإصلاحات على محمل الجد”.
وأضاف “في حين يحاول السكان البقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم، تضيع الحكومة وقتا ثميناً في التهرب من المساءلة وتجعل من اللاجئين كبش فداء لبقائها”.

صبر الدول المانحة بدأ ينفذ !
ورأى دي شوتر أن الإعتماد على المعونة الدولية ليس مستداماً، وأنه في الواقع يضعف مؤسسات الدولة. وقال “التقيت خلال زيارتي بأشخاص يعتمدون على المنظمات الدولية وغير الحكومية للبقاء على قيد الحياة، وأطفال صغار حلمهم الوحيد أن يغادروا البلد في أقرب وقت ممكن، ونساء يتحملن العنف المنزلي ويقتطعن من وجباتهن لحماية أطفالهن، وشباب في مقتبل العمر لا آفاق لحياتهم ويحتاج هؤلاء الناس اليوم إلى حلول موثوقة، ويساورني قلق عميق من أن الحكومة لا تأخذ محنتهم على محمل الجد ، فقد بدأ صبر مجتمع المانحين ينفذ مع الحكومة اللبنانية بعد خسارة 240 مليون دولار أميركي نتيجة التلاعب بأسعار الصرف التعسفية، ويجب أن يلمس المجتمع الدولي جدية الحكومة في تطبيق الشفافية والمساءلة ، ومن شأن اعتماد نهج قائم على الحقوق أن يوجه جهودها على هذا المسار”.

مطلوب إصلاح ضريبي
وكشف دي شوتر عن “عدم المساواة في لبنان عند مستويات غير مقبولة منذ أعوام ، وحتى قبل الأزمة، عندما كانت فئة أغنى 10 في المائة من السكان تحصل على دخل يزيد خمس مرات عن فئة أفقر 50 في المائة منهم. وهذا المستوى الصارخ من عدم المساواة يعززه نظام ضريبي يكافئ القطاع المصرفي، ويشجع التهرب الضريبي، ويركز الثروة في أيدي قلة. وفي الوقت نفسه، يتكبد السكان ضرائب تنازلية تصيب أكثر ما تصيب أشد الناس فقرا. إنها كارثة من صنع الإنسان، استغرق صنعها وقتاً طويلا.”
وقال دي شوتر في تقريره الأولي : ” مقلق كيف أن القيادة السياسية تبدو غير راغبة في تبيان العلاقة بين الإصلاح الضريبي وتخفيف حدة الفقر، وتقلل من شأن ما يمكن أن تحققه أنظمة الحماية الإجتماعية من فوائد في إعادة بناء الإقتصاد، ولا سيما في أوقات الأزمات ، وللأسف، ما من خطة موثوقة لتخفيف حدة الفقر أعلمتني بها الحكومة إلا وتعتمد على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية ، فقد أدى تدمير الليرة اللبنانية إلى تخريب حياة الناس وإفقار الملايين. وتسبب تقاعس الحكومة عن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة بحالة بؤس شديد لدى السكان، ولا سيما الأطفال والنساء وعديمي الجنسية والأفراد الذين لا يحملون وثائق، والأشخاص ذوي الإعاقة الذين كانوا مهمشين أصلا”.

لا سياسات ولا رعاية إجتماعية
وأضاف: “معروف أن لبنان يتكبد مستويات عالية من الديون، لكن ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يؤدي بحد ذاته إلى أزمة ديون ، والسؤال المطروح هو علام أنفق القادة السياسيون الموارد على مدى عقود، تجاهل لبنان الحاجة إلى سياسات اجتماعية، من برامج قوية في الرعاية الإجتماعية وبنى أساسية للخدمة العامة، وركز بدلا من ذلك على القطاعات غير المنتجة مثل المصارف، مضاعفاً الدين العام بإستمرار، ومكرساً تلك الموارد لخدمته”.

وكذلك رصد تقرير دي شوتر أن لبنان “يفتقر إلى نظام شامل للرعاية الإجتماعية كان من شأنه أن يخفف من آثار الأزمة التي ضربت معظم السكان من غير حماية مضيفاً أنه يجب على الحكومة أن تعطي الأولوية لوضع حد أدنى من الحماية الإجتماعية الشاملة، بما في ذلك التأمين ضد البطالة، ومستحقات الأطفال، ومعاشات الشيخوخة والإعاقة، ومستحقات المرض والأمومة أو الأبوة، وكلها كانت ستحمي العمال أثناء الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19″.

وأضاف ” لا تزال العلاقة المعقدة بين الطبقة السياسية والقطاع المصرفي مقلقة للغاية. وعلى الحكومة أن تكون قدوة وأن تكشف علناً عن جميع الإيرادات والحصص والمصالح المالية، وأن تخصص الموارد لآليات المساءلة الحقيقية. ولن يصدق المجتمع الدولي التزامات الحكومة بالإصلاح إلا إذا التزمت بشكل جدي بمبدأ الشفافية”.

حوار
وبعد اللقاء رد دي شوتر على اسئلة الصحافيين كالتالي :
*”المانحون محبطون من عدم التغييير والفساد والمطلوب من الحكومة سرعة البدء بالإصلاحات دون تقديم اللاجئين السوريين كبش محرقة فهذا ليس حلاً حقيقياً للأزمة “.
ورداً على سوال ما إذا فشلت الحكومة في تنفيذ الإصلاحات هل هناك من هجرة جديدة قال :
*الهجرة ليست جديدة على لبنان واللبنانيون في انتشارهم يشكلون صمام أمان ولكن اليوم هناك زيادة في معدل الهجرة وهناك طلبات تاشيرات ، والأسوأ انني تحدثت مع أطفال في عكار بعمر 10 سنوات يفكرون بالهجرة وهذا مقلق لأن العنصر البشري هو من أصول هذا البلد الذي أعطى للعالم الكفاءات طويلاً”
وعن مشاهد الفقر التي عاينها في المناطق قال :
*صدمتني إمراة في طرابلس قالت لي أتمنى لو كنت حيواناً ، وأطفال مشردون أجهشوا بالبكاء عند سؤالهم عن حالهم ، هناك غياب كلي لمؤسسات الدولة وهي ليست فاشلة حتى حينه ولبنان يتمتع بمستوى تعليمي عال وهذا غير مقبول مطلقا وقد شكل صدمة لي .”
وهل هناك تطبيق لخطة الإطار للإصلاح وإعادة البناء والتعافي قال :
* سمعت من رئيس الحكومة أنه يقوم بتنفيذ خطة الإطار التي تحتوي على عدد من البنود ومنها إزالة نظام الكفالة ورفع الحد الدنى للأجور ، وأرحب بالدور الذي أوكل للمظمات غير الحكومية حيث يكون استخدام أموال الأسرة الدولية تحت الرقابة . وهذا الإطار يشكل جسراً للتعافي وإعادة البناء وصدر عن الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ونأمل تطبيقه من قبل الحكومة اللبنانية .
وردا عن سؤال عن الوضع البيئي في لبنان قال :
*الفقراء خاصة يواجهون خطر السكن في أماكن تنتشر فيها النفايات والمطامر غير الصحية ، وقد زرت مطمر برج حمود ، وصعقت من الرائحة الكريهة وعدم جمع النفايات وهذه المسائل سوف تبرز في التقرير النهائي مع التلوث الهوائي الناتج عن استخدام المولدات ، وهذا دليل واضح عن الخدمات الحكومية غير الفعالة وأن من هم أكثر فقراً هم من يصابون بنقص الخدمات .
وعن انهيار وعدم كفاءة القطاع الصحي قال :
*التقيت وزير الصحة الدكتور فراس أبيض وهو رجل محترم واجه انتشار وباء كورونا بفعالية ، ولفت نظري عدم توفر الأدوية وسوف أركز على ذلك في تقريري النهائي الذي سأقدمه لاحقا .
وردا عن سؤال عن الضمانات التي قدمتها الحومة للبدء بالإصلاحات قال بالعربية :” إن شاء الله” وآمل أن تتم الإصلاحات التي وعدتني بها الحكومة وزيارتي هي دق جرس الإنذار للحكومة ، لقد حان وقت الإصلاحات وهي ضرورية ، ولا يمكن القاء اللوم على اللاجئين السوريين . وأعتقد ان الحكومة تدريجياً ستصبح أكثر وعياً للحقيقة وإذا لم يحصل الإصلاح خلال 3 أشهر يصعب التعويض عن الخسارة البشرية ، ولا يمكن للسلطة ان تستعيد ثقة الشعب ويجب طرح هذا السؤال على الحكومة .
وردا عن سؤال عن الوضع الكارثي للكهرباء قال :
*خصصة قطاع الكهرباء خطيرة فالشركات الخاصة تسعى للربح لا لرفع مستوى المواطن ، وبيع أصول الدولة قد يعطي بعض الأموال ولكن لا يمكن أن يكون منتجاً على المدى الطويل ، وطلبت من وزير الطاقة أن يتاكد من عدم تاثير الخصخصة على الشريحة الفقيرة من المجتمع ، وكان جواب الوزير أنه سيزيد التعرفة حسب استخدام الطاقة ، والجواب طبعا لم يكن مقنعاً لي لأن ذلك سيؤثر على الفقراء ، ولا بد للفقير أن يدفع ثمناً أقل للكهرباء التي تعطيها الدولة ولا يكون هدفاً لأصحاب المولدات بينما تؤمن الدولة ساعتين فقط من التغذية بالتيار الكهربائي .
وكان المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع (*)، قد زار مناطق لبنانية من بيروت وطرابلس ومنطقة عكار والبقاع بين 1 و12 تشرين الثاني نوفمبر. واجتمع برئيس الوزراء نجيب ميقاتي و8وزراء في الحكومة، وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد أن تحدث مع أشخاص يعانون من الفقر، ومع منظمات المجتمع المدني، ومجتمع المانحين، ووكالات الأمم المتحدة، والبلديات”.

[email protected]

عدسة nextlb

************************

*عين مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اوليفييه دي شوتر في مركز المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان في أيار مايو من عام 2020 والمقررون الخاصون جزء مما يعرف بالإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان ، والإجراءات الخاصة ، وهي تضم أكبر هيئة من الخبراء المستقلين في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أي أنهم ليسوا من موظفي الأمم المتحدة ، ولا يتقاضىون راتباً منها ، وهم مستقلون عن أية حكومة ومنظمة ويخدمون بصفتهم الفردية “.

لمشاركة الرابط: