في قصة سقوط إمبراطور صناعة السيارات الذي يحمل جنسيات فرنسا واليابان اللبناني الأصل كارلوس غصن خيوط تتكشف الواحد تلو الآخر، إذ لا تقل قصة هروب الرجل المثيرة في وقت سابق من العام الجاري عن تفاصيل قصة السقوط التي كشفت وكالة بلومبيرغ المزيد حولها في تقرير حديث.
ويشير تقرير الوكالة إلى أن سقوط الرجل الذي كان يوماً رمزاً للنجاح في عالم صناعة السيارات يقف وراءه مجموعة من الوشاة الذين خططوا بدقة للإيقاع بالرجل بدأ من توفير المعلومات للسلطات وإبلاغهم بها حتى لحظات القبض عليه في نهاية العام الماضي بعد أن جاء على متن طائرته الخاصة لحضور أحد الاجتماعات.
وإذا كانت القاعدة الشهيرة التي تشير إلى أن أي انقلاب في شركة لا بد له من عقل مدير، فإن العقل المدبر في سقوط كارلوس غصن كان نائب رئيس الشركة هاري ندا، الذي دبر التفاصيل الدقيقة للإيقاع بقطب الأعمال الشهير وأحد أشهر رجال صناعة السيارات حول العالم والذي اشتهر يوما بـ”قاتل النفقات”.
نية مبيتة
في العام 2018 بدأ ندا خطته للإيقاع بكارلوس غصن على نحو فردي بعد أن دبر نائب رئيس شركة نيسان خطة لقرصنة جهاز الكومبيوتر الخاص بكارلوس غصن دون إبلاغ المسؤولين عن تكنولوجيا المعلومات في الشركة بخطته.
وقال أحد موظفي تكنولوجيا المعلومات لوكالة بلومبيرغ: “لقد بدأ الأمر مبكراً للغاية على ما أعتقد، ونجح فيما خطط له، فقد نجح في الولوج إلى البريد الإلكتروني الخاص بغصن وحصل على مئات الوثائق التي سهلت عملية الإيقاع بغصن في وقت لاحق”.
وبعد شهور من قرصنة البريد الإلكتروني لأيقونة صناعة السيارات العالمية كارلوس غصن، قرر هاري ندا التوجه إلى السلطات اليابانية، وبدأ كارلوس غصن رحلته نحو الهاوية من نجم يتلألأ في عالم صناعة السيارات إلى متهم في قضايا فساد.
ولكن المثير في الأمر هو اتهامات جرى توجيهها في وقت لاحق من السلطات اليابانية لندا بالفساد المالي في الشركة، وهي الاتهامات التي تم إسقاطها في وقت لاحق في إطار صفقة الوشاية التي أبرمها ندا مع السلطات اليابانية التي نجحت في وقت لاحق في الإيقاع بكارلوس غصن.
من هو ندا؟
ولد هاري ندا في ماليزيا لعائلة من أسرة متوسطة قبل أن يترعرع في المملكة المتحدة التي حصل منها على شهادته في القانون قبل أن يحصل على منحة دراسية في جامعة Chuo University في اليابان.
التحق الرجل بالعمل في نيسان 1990 كشخص مغمور يعمل على التعاقدات مع الوكلاء في المملكة المتحدة وأوروبا قبل أن يترك منصبه في أوروبا وينتقل إلى المقر الرئيسي للشركة العام 2012.
لم يكن ندا كثير الظهور في وسائل الإعلام حتى بعد أن تولى منصباً رفيعاً في الشركة في عام 2014، ولا يوجد الكثير من المعلومات حول الرجل الذي هندس عملية إسقاط غصن سوى مجموعة من الصور على الموقع الإلكتروني للشركة.
ليس وحده
لم تكن عملية الإيقاع برجل بحجم كارلوس غصن ليكتب لها النجاح بحفنة من الوثائق على البريد الإلكتروني ورجل واحد قرر على نحو منفرد الإيقاع بغصن، إذ تعاون نائب رئيس الشركة مع حفنة أخرى من المسؤولين في نيسان لإتمام العملية.
ويشير تحقيق أجرته وكالة بلومبيرغ وعشرات المقابلات مع مجموعة من المصادر داخل الشركة إلى أسماء أخرى كان لها الفضل في سقوط غصن ولكن يبقى ندا هو الرجل الذي كتب السطر الأول في قصة الأفول الشهيرة لنجم غصن.
ومن بين الأسماء التي شاركت في سقوط غصن حزمة من المسؤولين اليابانيين الذين عارضوا بشدة خطط غصن لدمج شركة رينو الفرنسية مع شركة نيسان التي ينظر إليها كل ياباني بفخر كرمز وطني على الساحة العالمية في عالم صناعة السيارات.
ولعب الرئيس السابق للشركة هيرتو سيكاوا، الياباني الجنسية، دوراً بارزاً في مساعدة ندا لإسقاط غصن من خلال تعقب رواتب غصن وعملياته السرية وتوفير الوثائق اللازمة للسلطات من أجل الإيقاع بغصن الذي لم يكن يدري أن هناك مؤامرة تحاك ضده.
“بتكوين” للهروب
وفي أحدث تفاصيل واحدة من أكبر عمليات الهروب في التاريخ الحديث، أشار تقرير بلومبيرغ إلى أن تكلفة عملية الهروب التي خطط لها أشخاص بارزون بلغت نحو 1.4 مليار ين ياباني تم دفعها بواسطة العملة الرقمية المشفرة “بتكوين”.
وتسعى السلطات اليابانية لتسليم غصن وعدد آخر من الأشخاص الذين وقفوا وراء عملية الهروب المتقنة ولكن يبقى المشهد الأبرز في قصة غصن دخوله إلى اليابان على متن طائرة خاصة وخروجه منها هارباً داخل صندوق للآلات الموسيقية.
المصدر : العربية