وليد الخطيب يوقع “رهف” وحوارحول “رحلة الكلمة من الحلم إلى الوجود “

برعاية بيت ثقافة وفنون،استضاف محترف ريشة ولون في رأس النبع حفل توقيع ديوان “رهف” للشاعر وليد حسين الخطيب، وذلك يوم السبت.
حضر الحفل الممثل اللبناني فادي أبي سمرا، كما تشارك عازفة البيانو كوثر السردوك في إحياء الأمسية بعزفٍ موسيقيّ مميّز، يتخللها إلقاء قصائد مختارة من الديوان بصوت الشاعر وليد الخطيب
وللمناسبة أطلّ الخطيب على القارئ من خلال صفحات موقع nextlb فاتحًا نوافذ روحه، كاشفًا عن عالم تتداخل فيه الحواس بالفكر، والذاكرة بالزمن، والحلم بالواقع. ليس الشعر عنده مجرّد كلمات منمّقة، بل هو ثورة صامتة، وملاذ للروح، ومسافة تُضيء الداخل قبل أن تُطلّ على الخارج. من «ورد وأرض» إلى «رهف»، تتجلّى رحلته الشعرية خطوطًا متعرّجة لكنها متصلة، تُعيد تشكيل معنى الحضور والغياب، الفقد والحنين… وتبحث عن جماليات الحياة في تناقضاتها. هنا، يروي الشاعر تجربته بصدق عميق، ليوصل القارئ إلى يقين واحد هو أن الكلمة ليست غاية في ذاتها، بل جسد حيّ، يعيش، يهزّ الوجدان، ويخلّد أثر الإنسان.
المحور الأول: الشعر والكتابة
– كيف يلتقي عندك الحلم والواقع، والمقصود بالمشاعر واللغة، عندما تصوغ شعرك؟
* الحلم والواقع في شعري ليسا متقابلَين بل متداخلان، كأنهما وجهان لعملة واحدة. المشاعر هي المحرّك الأول، واللغة هي الوسيلة التي تصوغ هذه المشاعر صورًا تنبض في ذهن القارئ. الشِّعر عندي ليس مجرّد وصف لما هو موجود، بل محاولة لتصوير ما يمكن أن يكون، وما يمكن أن يُحسّ، وإن لم يكن واقعيًّا بالمعنى المادّي.
– ديوانك الأول «ورد وأرض» صدَر في العام 2000 وبعد ذلك «بين هذا وذاك» في العام 2023، ثم «رهف» في العام 2025، هل ترى مسارًا متواصلًا بين هذه العناوين، أم إن كل ديوان يمثل محطّة استكشافية مختلفة لذاتك؟
* بدايةً، الفاصل الزمني بين الديوان الأول والديوان الثاني كان طويلًا، حيث كان 23 عامًا، وهذا مردّه إلى كثرة المسؤوليات والعائلة وضغط العمل، والأوضاع المأسوية التي نعيشها في لبنان، فأنا أكبر من كل الحروب التي خيضت فيه، وهنا أقصد المعنى الزمني. بالعودة إلى السؤال، ثمّة مسار متواصل بلا شك، لكنه ليس خطيًّا. كل ديوان يمثل محطة، كل محطة رحلة مختلفة داخل ذات واحدة، تتساءل، تتأمّل، تحبّ، تفقد، وتبحث عن معنى للحياة وللكلمة. «ورد وأرض» كان بداية الاكتشاف ولم يكن بالنضج الكافي ولم يكن له صدًى كبير، أما ديوان «بين هذا وذاك» فهو فضاء للتأمل والحوار الداخلي، و«رهف» تجربة حسية وجدانية أكثر عمقًا، تصف الفراغ والحنين والفقد بطريقة مباشرة ومؤثّرة.
– ماذا يعني لك الشعر: هل هو رسالة، اكتشاف، مقاومة، أم تأمّل وجودي؟
* أولًا، أفضل كلمة ثورة على كلمة مقاومة، لأن هذه الكلمة لكثرة استعمالها، فقدت معناها. ثانيًا، الشعر كلّ هذه معًا، لكنه قبل كل شيء مساحة للوجود، لحضور النفس في العالم، مساحة للثورة والصمت، للتأمل والاحتفاء بالحياة والحرية. الشعر عندي طريقة لفهم العالم كما هو، وكيف يمكن أن نحلم به وكيف يمكن أن يكون.
– كيف تصنع الكلمة التي تتجاوز المعنى فقط لتصبح إحساسًا حيًّا في ذهن القارئ؟
* أراقب الصمت بين الكلمات، أختبر موسيقى الحروف والإيقاع، أبحث عن المفاجأة التي تثير المشاعر من دون أن تكون تفسيرًا مباشرًا. الكلمة الحية هي التي تكسر حدود العقل وتلمس الروح مباشرة.
– هل ترى أن الشعر قادر على تغيير الناس، أم إن دوره أعمق من مجرد التأثير المباشر، أقرب إلى تنوير الروح؟
الشعر لا يغيّر الناس بالقوة، لكنه يفتح نوافذ للروح، ينير الداخل ويهزّ اللاوعي، يجعل القارئ يرى العالم بعيون مختلفة. دوره أعمق، هو ثورة صغيرة داخل القلب قبل أن تتظهّر إلى العالم.
المحور الثاني: التجربة
– في ديوان «رهف»، اسم طفلة لم يُكتب لها أن تكون في رحلتها معك… كيف أثّر هذا الحلم غير المكتمل في شعورك بالشعر والحياة؟
* اسم «رهف» كان حضورًا غائبًا، وجودًا لم يكن، لكن له أثر عميق في روحي. الشعر أصبح عندي محاولة لتقديم الحياة لمن لم تُمنح الحياة، وللتعبير عن الحلم الذي لم يتحقّق. كل كلمة في «رهف» تحمل عبء الفقد وبهجة الذكرى، حزن الغياب، وإصرار القلب على الاحتفاظ بالأمل.
– كيف تواجه التناقضات بين الحزن والفرح، بين الفقد والاكتفاء، في تجربتك الكتابية؟
* إذا أردنا وصف ديوان «رهف»، فأبلغ وصف له هو “عالم من الحزن”، حيث لا فرح كثير فيه، والسبب أن الشعر ابن بيئته يجسّد ما فيها، وأنا على المستوى الشخصي لم تكن لي محطّات فرح كثيرة، أضف إلى ذلك أنّنا نعيش في لبنان عمومًا مأساة دائمة بكل ما للكلمة من معنى. ومع ذلك، أحاول ألا أختصر المشاعر إلى واحدة منها فقط، فالوجود يتشكل من التناقضات. الحزن يعمّق الفرح، والفقد يجعل الاكتفاء أكثر قيمة. الكتابة عندي مساحة لتقبّل هذه التناقضات، لفهمها، ومنحها صوتًا، حتى تصبح طبيعة الحياة نفسها حاضرة في النصوص، فالأشياء بأضدادها تتمايز، والضد يُظهِر حُسنَه الضدّ.
– إلى أي مدى يشكّل الماضي والذاكرة والحنين وقودًا لقصائدك؟
* الماضي والذاكرة والحنين وقودي الدائم والمستمرّ. الشعر من دون ذاكرة مجرّد كلام، لكن عندما يحمل الماضي، يصبح جسرًا بين الحاضر والمجهول، بين الواقع والخيال. الحنين يجعل الكلمة تهتزّ، ويعطيها حرارة وصدقًا لا يُمكن اختلاقهما.
المحور الثالث: الكتابة والتعبير
– لقد كتبت أيضًا عن لغة الجسد في كتاب «ماذا تقول أجسادنا؟»، كيف ترى العلاقة بين اللغة المكتوبة واللغة الجسدية؟
* كتاب ماذا تقول أجسادنا؟ عمل مشترك، فهو فكرة الصديق حبيب الخوري وإعدادي وتأليفي من ألفه إلى يائه. الجسد واللغة مترابطان؛ الجسد يعبّر عما تعجز عنه الكلمات، والكلمة تنير ما يختبئ في الجسد. الكتابة بالنسبة لي مثل مراقبة الجسد وكشف رموزه، وفهم كيف تنعكس المشاعر الداخلية على العالم الخارجي. كل حركة، كل نظرة، هي نصٌّ غير مكتوب، وأنا أحاول ترجمتها بالكلمة.
– هل يمكن الشعر أن يكون لغة جسد في حدّ ذاته، تعبيرًا عمّا لا يُقال بالكلام الصريح؟
* بالتأكيد، فلغة الجسد يتحكّم فيها اللاوعي لا الوعي، وفي اللاوعي تُخزّن المشاعر، فالشعر هو جسد الروح. الحروف تتنفّس، الإيقاع يتحرّك، الصورة تنبض كما لو كانت عضلة أو نبض قلب. الشعر يعبّر عن المخفي، عمّا يصعب لفظه بالكلام العادي، لكنه يُشعَر به.
– في عصر وسائل التواصل، هل تغيّرت تجربتك الشعرية؟ وهل يضيف الفضاء الرقمي بعدًا جديدًا للقصيدة أم يحدّ منها؟
* وسائل التواصل وسّعت الوصول، لكن التحدّي الأكبر هو الحفاظ على عمق التجربة. الفضاء الرقمي سريع، مختصر، لكنه يمكن أن يخلق صدًى جديدًا، يجعل القصيدة حية في أذهان قرّاء جدد، ويجعل الحوار معهم أكثر حيوية. التحدي ألّا تُختزَل الكلمة ولا تفرّ من روحها من أجل السرعة أو الشهرة.
المحور الرابع: الفلسفة والوجود
– ما دور التساؤل الفلسفي في كتاباتك؟ هل تبحث عن أجوبة أم عن أسئلة؟
* أنا أبحث عن الأسئلة قبل الأجوبة، فالفلسفة تطرح الأسئلة لا تعطي إجابات. الأسئلة تفتح الباب على الوجود، على معنى الحياة، على الصمت والحرية والحب. كل إجابة موقتة، كل سؤال يترك أثره، ويصبح جزءًا من النص الشعري الذي يفيض على القارئ باحتمالات شتّى.
– كيف تتعامل مع فكرة الزمن في الشعر: الزمن كذكرى، كحاضر، أم كمستقبل متخيّل؟
* الزمن في قصائدي متعدّد البُعد: الماضي يتكرّر في الذكرى، الحاضر يتنفّس في اللحظة، والمستقبل يظهر أملًا أو حلمًا أو خوفًا… الشعر يجعل الزمن مرنًا، كأن كل لحظة يمكن أن تُحتضن في لحظة واحدة تتّسع للإنسان كله.
– هل ترى الشعر وسيلة للمواجهة مع الواقع الصعب، أم ملاذًا للروح بعيدًا من صخب العالم؟
* كلاهما معًا. الشعر مواجهة هادئة، ثورة بالصمت والكلمة، وملاذ في الوقت نفسه. هو السلاح والملجأ، الضوء والظلّ، الحزن والفرح، كل ذلك في نص واحد…
المحور الخامس: القراءة والمصدر
– من هم الشعراء أو الفلاسفة أو الكتّاب الذين تركوا أثرًا عميقًا فيك؟ وكيف ظهر أثرهم في نصوصك؟
* أثّر فيَّ الكبار الذين يربطون الفكر بالمشاعر: أبو تمام والمتنبي… وأيضًا الفلاسفة الذين يطرحون أسئلة وجودية عن الإنسان والكون مثل غاستون باشلار وجان بول سارتر… أثرهم يظهر في النصوص من خلال عمق التساؤلات، والموسيقى الداخلية للكلمة، والسعي لفهم الحياة بتجرّد وصدق.
– هل ترى الكتابة تجربة فردية خالصة، أم إنها تتغذّى بالضرورة من الآخرين والعالم؟
* الكتابة تجربة فردية، لكنها تتغذى من الآخرين، من العالم، من كل ما يلمس الروح ويثير الحس والشعور. حتى الصمت والصخب حولنا يصبحان جزءًا من النص، كأن الكلمة لا تولد إلا في فضاء مشترك بين الذات والعالم
المحور السادس: التطلعات والإرث
– كيف تتمنى أن يُقرأ شعرك بعد عشرين أو ثلاثين سنة؟
* أتمنى أن يُقرأ بعيون القلب قبل العقل، أن يلمس الروح، أن يكون حاضرًا في كل زمن كما لو كان يكتب راهنًا، أن يبقى ملهمًا كما كان هو لي.
– ما الذي تحرص على أن يتركه الشعر لك وللقارئ، أكثر من مجرّد كلمات؟
* الصدق، الحرية، التأمّل، القدرة على الشعور العميق بما هو إنساني وجمالي. الشعر رسالة صامتة، لكنه يحمل روح كل شيء لكل قارئ.
– إذا كان عليك اختيار كلمة واحدة تصف بها مسيرتك في عالم الشعر، فما هي ولماذا؟
* “رحلة”، لأنها دائمًا اكتشاف، دائمًا تساؤل، دائمًا حركة بين الحزن والفرح، بين الحلم والواقع والخيال، بين الصمت والكلمة. كل ديوان، كل قصيدة، محطة في هذه الرحلة المستمرة.

لمشاركة الرابط: