قدمت رئيسة الفرقة البحثية في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية البروفسورة عايدة زين الدين قراءة تاريخية واجتماعية والثقافية لرواية “محطة العريس” لمؤلفها للعميد البروفيسور محمد محسن وقالت في قراءتها وتحليلها للرواية :
“أنهيت اليوم قراءة كتاب “محطة العريس- سيرة مفتش ومدينة، حكاية بيروت الضائعة” للعميد البروفسور محمد محسن. كانت قراءة ممتعة إنسبنا فيها في تفاصيل أيام جميلة تختزن حكايا الناس وتاريخهم ونمط حياتهم.
الكتاب من منشورات دار النهار، وعدد صفحاته 287 صفحة موزّعة على خمسة أقسام وتقديم للدكتور جان داوود، ومقدمة للدكتور فضل ضاهر، وشخصيات الرواية، ولائحة بالمصادر والمراجع”.
وأضافت ” في هذا الكتاب، يقدّم العميد محسن نصاً يجمع بين التوثيق الشخصي والرصد الاجتماعي، وضمناً نقد لبنية الدولة الحديثة. وتمثّل روايته نموذجاً “للسرد التاريخي الإجتماعي من الداخل”، حيث الذات تتداخل مع الدولة، والمدينة، والمجتمع في مسار واحد. ويحاور من خلاله التاريخ الاجتماعي للدولة في لبنان، من خلال تفكيك بنية النّص، ورصد تحوّلات المدينة والدولة والذات فيه، ويعكس عبر تجربة فردية معمّقة قصّة مجتمع بأسره، عاش الحلم وواجه الإنكسار.”
وتابعت “فإلى أيّ مدى يمكن اعتبار “محطة العريس” نصاً يؤرّخ لبيروت الحديثة من خلال سيرة فردية؟ وكيف يعكس هذا النصّ تحوّلات العلاقة بين الدولة والفرد والمجتمع في لبنان بين مرحلة الانتداب الفرنسي والاستقلال اللبناني وما بعده؟”.
وأضافت ” يعتمد نص الرواية مقاربة تاريخية-اجتماعية تنطلق من تحليل البنية السردية للكتاب، وربطها بسياقاتها التاريخية الواقعية من خلال التفاعل بين:
تحوّلات بنية الدولة اللبنانية و تشكّل المدينة كفضاء للسلطة والانتماء والصراع و تقديم سيرة فردية كوثيقة مضادة أو موازية للتاريخ الرسمي.”.
وفي قراءة مجتمعية تاريخية معمقة لإندماج ابناء الريف في المدينة لاحظت د. زين الدين مايلي :
أوّلاً- بيروت-المدينة الوعد
يشكّل القسم الأوّل (للتأسيس على أرض بيروت الصلبة) سرداً لبدايات الانخراط في المدينة، حيث تمثّل بيروت صورة الأمل المديني مقابل التراجع الريفي. وتنتقل السيرة من الحنين إلى الطفولة القروية نحو الانبهار بسحر المدينة وفضائها الحرّ. وتمثّل بيروت هنا وعداً بـ”الهويّة الجديدة” التي تمنح عبر الحب والعمل والانتماء.
ثانياً- الدولة كأداة للإندماج والضبط
يتحوّل البطل في القسم الثاني (المنعطفات الأساسية) إلى رجل أمن، ما يعني ولوج مؤسسة الدولة الحديثة، بكلّ ما تحمله من تنظيم وانضباط وسلطة. ويبرز النص تفاصيل التحقيقات والمخافر، والعلاقة مع المجتمع، ما يجعله مصدراً توثيقياً نادراً لتاريخ الشرطة والأمن في بيروت القرن العشرين.
ثالثاً- ذروة الصراع
يشهد القسم الثالث (التوتّر وقمّة الصراع) تفجّر الأوضاع الأمنية والاجتماعية، وتصاعد الجريمة، وتداخل العنف، وشخصية حسن بدورها تتأثّر بهذه الأوضاع (من شرطي محقّق إلى ضحية للاختطاف والإصابة.
رابعاً- من السلطة إلى التوثيق (السيرة كبديل عن الدولة)
يتناول القسم الرابع (الحياة بلون آخر) التحوّل من الخدمة الرسمية إلى الموقع التأمّلي والنقدي: تقاعد، كاميرا، مذكرات، تأسيس شركة تحريات خاصة. ويظهر فيه تراجع الدولة مقابل صعود السوق، كما يتكشّف الحلم اللبناني مع إفلاس بنك “إنترا” ودخول الحرب الأهلية. ويهيمن على النص هنا طابع الحنين والانكسار.
خامساً- نهاية الحكاية (من الخسارة إلى الذاكرة)
تغلق الرواية السرد (لكلّ حكاية ضائعة نهاية واضحة) بلحظة وداعية حميمية “البداية والنهاية” وتختزل المأساة الشخصية والمجتمعية. ومعها تكتمل فصول الوثيقة لتصبح التجربة الفردية نوعاً من الأرشيف البديل لتاريخ الدولة.
وختمت بالقول ” إنّ “محطة العريس” ليس مجرّد نصّ سردي، بل أرشيف اجتماعي-أمني لبيروت الحديثة، يقدّم العميد محمد محسن من خلاله وجهة نظر الناس العاديين، ناقلاً قضاياهم وتجاربهم بما يثري الكتابة الإجتماعية التاريخية.







