المعرض العربي الدولي للكتاب: إطلالة موثقة بالصور تستحضر التاريخ والتراث

خاص -nextlb – عاطف البعلبكي
إضاءة تاريخية – أرشيفية بالصور والملصقات خصص لها معرض الكتاب العربي الدولي في نسخته ال 66 مساحة مهمة وحشد لها مجموعة من الشواهد والمستندات التي تؤرخ لإقامة المعرض بحد ذاته منذ عام 1956 ، وتؤرخ كذلك لبداية عصر الإنتاج السينمائي الحديث (نسبياً) بسلسلة من الملصقات الجدارية “أفيشات” وإعلانات السينما المحلية منذ العشرينيات ، منها ما هو ترويجي للسياحة في لبنان عبر إبراز أهمية الآثار الرومانية في قلعة بعلبك ، ومنها ما هو هادف يحمل قصة وتطلعات شعب الى الحرية والعدالة عبر رحلة فنية امتدت على حوالى أكثر من تسعة عقود كانت غنية بالشواهد التي تؤرخ لتطور قطاع السينما في تلك الفترة.

تسلسل تاريخي للمعرض
في أحد أجنحة المعرض إخراج مميز ل ” جدارية” تمثل التسلسل التاريخي لتنظيم معرض الكتاب العربي منذ افتتاحه في عام 1956 مع صور المسؤولين الذين تولوا هذه المهمة بدءاً من المؤرخ والعلامة قسطنطين زريق وهو مُفكر سوري ولد في دمشق عام 1909، وكان من أحد أشهر دعاة القومية العربية في العصر الحديث ، وفي عام 1949 أصبح رئيساً لجامعة دمشق ثم رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت حتى سنة 1957، وتوفي في بيروت عام 2000 ، الى الكاتب والمفكر برهان الدجاني (1920-2000) هو كاتب و مفكر أردني من أصل فلسطيني ولد في يافا ، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم الإقتصادية من الجامعة الأميركية في بيروت في عام 1940 والماجستير في عام 1944 ، وأسس مجلة “الهدف” الأسبوعية في القدس في عام 1950 ، وعين أستاذًا لمادة الإقتصاد في الجامعة الأميركية ببيروت منذ عام 1953 – 1974، وأستاذاً ومحاضراً زائراً في الجامعة اللبنانية، وجامعة بيروت العربية، وأسهم في إنشاء مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت في عام 1962 ، وشغل منصب عضو مؤسس في مجلس أمنائها، كما أسهم في تأسيس النادي الثقافي العربي في بيروت عام 1956 ، وانتخب رئيسا له ، وهو كذلك من مؤسسي حركة القوميين العرب ، وقد ومنحته الحكومة اللبنانية وسام الأرز في عام 2000.
وصولا الى مشاهير اللغة والأدب الذين افتتحوا المعرض ومنهم الأديب الكبير ميخائيل نعيمة في عام 1960 ، وتكر السبحة : من الأعلام والرواد والأدباء الى السياسيين ومنهم وزير الخارجية لاحقاً فؤاد بطرس عام 1960 ، والرئيس الراحل عبدالله اليافي ، والرئيس الراحل كامل الأسعد ، والرئيس الشهيد رشيد كرامي ، والرئيس الراحل عمر كرامي ، والوزيرالراحل ميشال إده السياسي المحنك ، وصولاً الى مرحلة الشهيد الكبير الرئيس رفيق الحريري ، والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس ميقاتي  .

تأريخ لعصر السينما : ملصقات تاريخية !
تحت عنوان “مئة سنة من السينما اللبنانية من خلال الملصق” خصص المعرض مساحة هامة للناشر عبودي أبو جودة وهو صاحب دار نشر ومن المهتمين بحفظ وطباعة هذه الملصقات التاريخية التي ترصد تطور عصر السينما في لبنان ويملك منها الآلاف ، ومنها ملصق مهم وطريف لفيلم يحث اللبنانيين على البقاء في أرضهم و”عدم المهاجرة “(الهجرة) في ذلك الوقت من عام 1929 -1930 بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ، والبقاء في أرض الوطن والنجاح في العمل وكسب الرزق ، و حمل اسم الفيلم حينها اسم”مغامرات الياس مبروك” و الياس هذا يمثل الإنسان اللبناني المتعلق بأرضه الذي لم يهاجر بل افتتح مقهى وأداره وأتقن عمله وصار من الأثرياء دون أن يهاجر الى أميركا .
ويلفت النظر ملصق مهم يؤرخ لبدء استخدام السينما كوسيلة دعائية للترويج للآثار ولثروة لبنان التاريخية ، قلعة بعلبك حمل اسم “في هياكل بعلبك” بالعربية والفرنسية dans les ruines de baalbeck ، عرض حينها (حسب الملصق ) في سينما رويال برعاية فخامة رئيس الجمهورية إميل إده مع ذكر الموصفات والمعلومات التوثيقية والمخرج والمشاركين في عام 1934 .


أما في التواريخ اللاحقة ، ومع بداية عصر السينما بالألوان تبرز في جناح العرض ملصقات من صلب التراث اللبناني وتتصدرها الفنانة فيروز مع الأخوين رحباني بجدارية عملاقة لفيلم “سفر برلك” يواجه أبطال الفيلم المحتل التركي الذي فرض السخرة على اللبنانيين والسوريين في الحرب العالمية الأولى ، وتزامن عرضه مع زمن النكسة في عام 1967 فتماهى موضوعياً مع المحتل الإسرائيلي ، وهو كان موضوع نقاش في الندوة التي أقيمت خلال يوميات النادي الثقافي العربي في المعرض عن تاريخ وتطور السينما اللبنانية ، وشارك فيها مختصون وأكاديميون في هذا المجال .


ومع الفنانة فيروز أيضا وأيضاً نرى إعلاناً لفيلم “بنت الحارس” الذي أنتج في عام 1968 وعرض لتاريخ إحدى القرى اللبنانية وتطرق بوضوح كلي الى آفة الفساد في لبنان وبخاصة في عمل البلديات ، وهي مصادفة تزامنت حالياً بشكل كوميدي مع انتخابات لبنان البلدية .


وفي العمل العربي المقاوم برز في جناح الأفيشات للناشر أبو جودة كذلك ملصق فيلم “كلنا فدائيون” وكان استعادة تاريخية للعمل الفلسطيني المقاوم في عام 1969 الذي مثله كنموذج مقاوم الإعلامي والممثل غسان مطر ، وجسد صورة الفدائي المقاوم الذي يخترق الأراضي المحتلة لينفذ مع مجموعته عمليات داخل خطوط العدو ، وقد استمر عرضه حتى على التلفزيون سنوات عديدة ، وكان متوافقاً حينها مع المزاج اللبناني والعربي المقاوم الذي واكب العمل الفلسطيني المسلح انطلاقاً من لبنان ، وشكل فيما بعد أحد أسباب العدوان الإسرائيلي على لبنان واحتلال ثاني عاصمة عربية بعد القدس الشريف في مطلع حزيران من عام 1982 وإجلاء منظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت الى تونس وبعض الأقطار العربية .
خاتمة
شكل استخدام ملصقات الأفلام والأعمال السينمائية كمستندات في المعرض غير التقليدية كما الكتاب والكلمة ، إطلالة تاريخية هامة وذكية أجاد إبرازها بمساحة بصرية محترمة نالت الإهتمام من زوار المعرض ، تؤرخ للذاكرة الجماعية للمواطن اللبناني والعربي بشكل عام وتغني الوجدان بمحتوى قيم يؤسس كذلك لإنطلاقة متجددة قد تشكل لدى البعض حافزاً للدراسة الأكاديمية العلمية واستخلاص العبر في المستقبل ، وهذا من صميم دور الأرشيف الذي يقع على عاتقه حفظ الذاكرة الجماعية للمجتمع بالصور ونقلها بأمانة للأجيال اللاحقة كما الكتاب .

[email protected]
عدسة nextlb.com

لمشاركة الرابط: