«إلياس خوري … الحاضر الأبديّ» ندوةُ تحيّةٍ في معرضِ بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب 66

بيروت ـإكرام صعب
تحلّق نُقّادٌ وصحافيّون ورسميّون وأكاديميّون مساءَ أمس ضمن فعاليات معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب، ليُجدّدوا الوفاء لكاتبٍ لبنانيٍّ رحلَ جسدُه وبقيَ أثرُه: إلياس خوري. استُهلّت الأمسية بدقيقة صمتٍ على أرواح ضحايا مجازر غزّة، قبل أن تُذكّر مقدِّمة الندوة بأنّ «إلياس كان يحبّ هذا المعرض كثيراً، وكان يعدّه بيتَه».
وعلى وقعِ الوجع الفلسطينيّ الذي رافقَ حياته وكتابته، استعاد الحضور محطّاتٍ وقصصاً عاشها خوري في أروقة المعرض، وكيف ترك في رفوفه طيفاً واسعاً من الروايات التي صارت علاماتٍ في السرد العربيّ المعاصر.
حضور رسمي
تقدّمَ الحضور رئيسُ مجلس الوزراء نواف سلام وعقيلته السيدة سحر بعاصيري، ونائبُ رئيس الحكومة الدكتور طارق متري، ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة ومثّل وزيرَ الثقافة غسان سلامة في الامسية مديرُ عام الوزارة الدكتور علي الصمد. ورئيسةُ النادي الثقافيّ العربيّ سلوى السنيورة بعاصيري، إلى جانب وجوهٍ من المشهدين الفكريّ والأدبيّ.
وأعلن ممثّلُ وزارة الثقافة أنّ «15 أيلول سيُعتمد يوماً لإلياس خوري» احتفاءً بإرثه.
طرابلسي: «محاربٌ بالكلمة»
افتُتحت الشهادات بثلاثةٍ من أصدقاء إلياس. استهلها الكاتبُ والمؤرّخ فواز طرابلسي استعاد صُحبتَه معه منذ تعرّف إليه عام 1970، قائلاً إنّ خوري «كسرَ التجريب في اللغة والبنية ومسجَ روايةً نُسجت من جذورها العربيّة»، مضيفاً أنّه ظلّ «محارباً حقيقيّاً» ضدّ العنصريّة والاستبداد والطائفيّة.
أضاء طرابلسي على إصابة الياس بجلطةٍ معويّة في أشهره الأخيرة، وكيف فُرضت عليه «ثلاث ساعات كتابةٍ فقط كلّ يوم»، لكنه واصل المواجهة «بالقلم وبحلاوة الروح»، يكتب عن الذين «فقدوا الشجاعة» وعن «أولئك الذين امتزجت أرواحهم بالتراب منذ البدايات الأولى للمقاومة الفلسطينيّة».
وأكّد أنّ الكاتب «ظلّ وفيّاً للحرّيّة» حتى لفظ أنفاسه.
جرّار: «لغةٌ هجينةٌ بروح الشدياق»
الباحثُ والناقدُ الأدبيّ الدكتور ماهر جرّار استاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت تناول تجربةَ خوري من باب اللغة والبنية السرديّة.
جرار قال إنّ رواياته «بحثٌ مستمرّ عن بيروت مدينةِ الغرباء، وعن أسماءِ المدينة المتعدّدة»، وإنّه رأى في الحكاية «مساراً نقديّاً» ينقضُ «زمن السلطة الأبويّة» ويفتحُ أفقاً للنصر التغييريّ العربيّ. ركّز جرّار على «المنعطف الأسلوبي» الذي أتاح لخوري «توظيفَ العاميّة» في الخطاب الروائيّ، لتصبح لغةُ الحياة أداةَ رسمٍ لخرائط الرموز الثقافيّة والسياسيّة. وصف لغته بأنّها «هجينةٌ تستمدُّ مفرداتها من العاميّة وتحتفظُ برصانة الفصحى»، مستعيداً نسبه الأدبيّ إلى أحمد فارس الشدياق ومارون عبّود اللذين دعوا إلى «تحرِّر اللغة من القوالب».
صقر أبو فخر: «في معسكر العادلين»
الكاتبُ والباحث صقر أبو فخر، رفيقُ خوري في مجلة الدراسات الفلسطينيّة، قدّم مداخلةً وُضِعت في موقعها الصحيح تحت عنوان «تحيّة إلى إلياس خوري». قال: «كُنّا، وسنبقى، في معسكر العادلين؛ ففلسطين رمزُ العدالة الإنسانيّة المستباحة. ومن أجلها حملنا الأقلام، مؤمنين بأنّ دور المثقّف أن يكون نقديّاً، منحازاً إلى الضمير والعدالة». روى كيف التقى خوري بلا «أوّل مرّة» محدّدة، «كما لا يعرف المرء أين التقى والده»، مؤكّداً أنّ حروب لبنان ومكاتب «السفير» ثم «النهار» رسّخت صداقتهما.
تتبّع أبو فخر رحلةَ خوري من «الجليل» إلى رام الله لنيل «جائزة فلسطين للرواية» (1999) «ولو على صهوة الخيال»، وكيف جاءه الفلسطينيّون إلى بيروت يقرأون باب الشمس ويشاهدون فيلم يسري نصر الله ويبنون سنة 2013 قريةً رمزيّةً تُجسّد الملحمة قرب القدس. استذكر دعوته لإضاءة الشموع في ساحة البرج (8 / 8 / 2011) تضامناً مع انتفاضة السوريّين، وزيارات القاهرة ومنتدياتها، وأمسيةَ تكريم المناضل محجوب عمر (2012).
وختم أبو فخر بمشهد مرافقة خوري لمحمود درويش إلى صبرا وشاتيلا بعد عودته الأولى إلى بيروت (2004)، وحديثهما الطريف عن تجويد الفاتحة. قال: «عاش إلياس كطفلٍ شقيّ، مشاكسٍ جميل، وغاب وهو يصارع شقاءه في وطنٍ مُسيَّج بالشقاء. رحيله أليم، قاسٍ كحدّ السيف».
خاتمةٌ على قياس الغائب
قبل إسدال الستار، تلت مقدِّمةُ الندوة نصّاً من كلمات خوري عن «واجب المثقّف في قول الحقيقة»،
و هكذا بدا أنّ الكاتب الذي عاش «شقيّاً مشاكساً» سيظلّ، وإن غاب، حارساً للحرّيّة وعدالة فلسطين، شاهداً بالكلمة على أنّ بيروت لا تزال ــ بفضله وفضل رفاقه مدينةً يليق بها الأدب والحلم
[email protected]

لمشاركة الرابط: