ندوة في ” معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 66 ” حول الذكاء الاصطناعي و رسم مشهد التعليم في المنطقة العربية

 

إكرام صعب

في إطار نشاطات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 66 نُظّمت بعض ظهر يوم الجمعة ندوة بعنوان“الذكاءالاصطناعي في التعليم في المنطقة العربية: بين الحوكمة، التعلّم الرقمي، ورؤية الشباب”، بحضور نخبة من الأكاديميين والخبراء والطلاب والمهتمين بالشأن التربوي.
حضر الندوة الرئيس فؤاد السنيورة ورئيسة النادي الثقافي العربي السيدة سلوى السنيورة بعاصيري وشخصيات تربوية واكاديمية
وشهدت الندوة حماساً ونقاشاً ومداخلات مفيدة للشباب الحاضرين وطلاب الجامعات نظراً لأهمية دور الدكاء الاصطناعي في حياة الشباب


افتُتحت الندوة بكلمة سلّطت الضوء على رمزية انعقاد هذا اللقاء في فضاءٍ مكرّس للمعرفة الورقية، في لحظةٍ عالمية يتقدّم فيها الذكاء الاصطناعي كأداة محورية تعيد تشكيل العملية التعليمية بأبعادها كافة.


الصايغ
الدكتور سليم الصايغ، النائب والوزير السابق، قدّم مداخلة تناولت موضوع الحوكمة والتشريعات في ظل الذكاء الاصطناعي، مشددًا على أهمية وجود أطر قانونية واضحة تضمن العدالة، الشفافية، والمسؤولية في استخدام هذه التكنولوجيا. ولفت إلى أن التعليم في القطاع الأهلي في لبنان ما زال دون المستوى المطلوب، في ظل تسارع التحوّلات الرقمية، مشيرًا إلى القانون الصادر في 21 شباط 2021 لإدماج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المناهج، والاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي.
واعتبر الصايغ أن الفجوة الرقمية في لبنان تُشكّل عائقًا كبيرًا أمام ديمقراطية التعليم، حيث لا تتوفر أجهزة الكمبيوتر والإنترنت بشكل كافٍ للطلاب. وأكد أن مقاربة التعليم الحالية لا تلبي متطلبات سوق العمل المتغيّر، ما ينذر ببطالة مستقبلية في حال لم تُحدّث المناهج بشكل جذري لتشمل الكفايات الرقمية والمهارات المستقبلية.
وختم مداخلته بالإشارة إلى أن الذكاء الاجتماعي الذي يتمتع به اللبنانيون يمنحهم ميزة تنافسية رغم التحديات، داعيًا إلى ضرورة الاستثمار في التعليم المستمر والتدريب المهني لتأمين استجابة فعّالة للتحوّلات الرقمية.

اسحاق
الدكتورة هيام إسحاق، رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء في لبنان، شاركت برؤية استراتيجية للتعلّم الرقمي ودمج الذكاء الاصطناعي في التربية. واستهلت كلمتها بالإشارة إلى التطوّر العالمي السريع، معتبرة أن لبنان ليس بعيدًا عن هذا المسار، بل يعمل بخطى حثيثة لتحديث المناهج وتطويرها عبر المركز التربوي، لاسيما في ما يخص مهارات المستقبل.
وأكدت أن التعليم الحديث لا يمكن أن ينفصل عن التقنيات الجديدة، موضحة أن تبنّي الذكاء الاصطناعي في التعليم يستوجب العمل على عدة محاور أساسية:
• تنمية مهارات التفكير الحاسوبي (Computational Thinking) منذ المراحل التعليمية الأولى.
• تعزيز التمكّن من البيانات (Data Literacy) لفهم العالم الرقمي وتحليل المعلومات.
• الاستفادة من تحليلات الذكاء الاصطناعي في تصميم المناهج، وتقييم أداء الطلاب، وتقديم تغذية راجعة دقيقة وشخصية.
• توظيف هذه الأدوات في صناعة السياسات التربوية المستندة إلى البيانات.
وشدّدت إسحاق على أهمية دعم المعلّمين وتمكينهم من أدوات العصر، مشيرة إلى أن التدريب المستمر للمعلمين هو من أبرز أولويات المركز التربوي بالتعاون مع منظمة اليونسكو.
وأوضحت أن التكنولوجيا الرقمية، بما فيها أدوات الذكاء الاصطناعي، تخضع للقانون اللبناني، تحديدًا القانون رقم 275 الصادر عام 2022، ما يضمن حماية البيانات والشفافية والمساءلة.


وفي هذا الإطار، يعمل المركز على إعداد إطار مرجعي وطني لكيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي في البيئة التعليمية، من قبل المعلّم والمتعلّم على السواء، بشكل مسؤول ومتكيّف مع السياق اللبناني. كما أُعلن عن خطط لإطلاق مدارس تجريبية وعقد شراكات مع منظمات غير حكومية لتوسيع التجربة.
شهاب
الدكتورة ميسون شهاب، رئيسة قسم التربية في مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت، أكدت على أهمية بناء سياسات تعليمية مستندة إلى البيانات، قادرة على مواكبة التحوّلات الرقمية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا الهدف الرابع المتعلق بـ”التعليم الجيد”، باعتباره مدخلًا لتحقيق باقي الأهداف مثل القضاء على الفقر والمساواة والعمل اللائق.
واقع عالمي وإقليمي
تطرقت الندوة إلى واقع الذكاء الاصطناعي في التعليم عالميًا، حيث تشير تقارير اليونسكو وماكنزي إلى أن هذه التكنولوجيا قادرة على توفير 40% من وقت المعلمين، وخفض كلفة التعليم بنسبة تصل إلى 30%. ومع وجود أكثر من 1.5 مليار طالب و190 مليون معلم حول العالم، تبدو الحاجة ملحّة إلى أدوات مساندة وفعالة.
لكن التوزيع العالمي لا يزال غير متوازن؛ فبينما تتصدر دول الخليج المشهد باستثمارات تفوق 700 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي بحلول 2028، تعاني دول أخرى من نقص في البنية التحتية الرقمية وضعف في الحوكمة.
وتتحكم خمس شركات عالمية (معظمها في أميركا والصين) في 80% من النماذج الكبرى للذكاء الاصطناعي، بينما تهيمن اللغة الإنجليزية على أكثر من 90% من المحتوى الرقمي الموجّه لتدريب النماذج، مما يطرح تحديات ثقافية ولغوية أمام العالم العربي.
وفي حين لا تملك سوى 25% من دول العالم سياسات واضحة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تقلّ هذه النسبة إلى أقل من 20% عند الحديث عن أطر المساءلة في التعليم، ما يستوجب وضع تشريعات صارمة وشفافة.
أما في العالم العربي، فتُقدَّر الفجوة التمويلية السنوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ما بين 230 و250 مليار دولار. رغم أهمية التعليم، لا تزال معظم الحكومات العربية تُنفق حوالي 4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي عليه، مقارنة بالحد الأدنى الموصى به عالميًا وهو 6%.
مع ذلك، برزت تجارب ناجحة مثل:
• الإمارات التي أنشأت وزارة للذكاء الاصطناعي عام 2017 وطوّرت منصة “مدرسة”.
• مصر التي رقمنت أكثر من 100 ألف مدرسة، وأطلقت منصات تعليمية تعتمد على التعلّم التفاعلي.
صوت الشباب
شهدت الندوة أيضًا مداخلات حيوية من شباب وشابات عبّروا عن رؤيتهم لدور الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة التعليم، مؤكدين أهمية إشراكهم في صنع السياسات التربوية، وتطوير مناهج تواكب تطلعاتهم وتؤهلهم لمستقبل أكثر استقرارًا وإنصافًا.
خلاصة
خلص المشاركون إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن المعلم، بل شريك داعم في بناء نظام تعليمي أكثر عدالة وكفاءة، قادر على استيعاب التحديات، وتحويلها إلى فرص في العالم العربي
[email protected]

لمشاركة الرابط: