“بغزة يُشرق الشعر ” ندوة في المعهد العالي للدكتوراه – الجامعة اللبنانية

خاص –nextlb
أقام المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية الأسبوع الماضي ندوة شعرية حملت عنوان “بغزة يُشرق الشعر” بمركزه في سن الفيل قاعة المؤتمرات .
شاركت في الندوة كوكبة من الأكاديميين ضمت الوزير السابق الدكتور طراد حمادة ، والعميد السابق لكلية الآداب الدكتور محمد توفيق أبو علي ، والدكتورة ربى سابا حبيب ، ورئيسة الفرقة البحثية في اللغة الانكليزية وآدابها في المعهد الدكتورة حياة الخطيب و الدكتور ديزيره سقال.
وكانت المشاركات باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية

وقدم للقاء عميد المعهد الدكتور محمد محسن وقال في كلمة له :
“يُغبطُنا في هذا اللّقاءِ حولَ ندوةٍ شِعريَّةٍ تحتَ عنوان: “بغزَّةَ يُشرقُ الشِّعرُ”، التي يقوم بـها المعهدُ العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة بالجامعة اللبنانيَّة، أنْ يَتشرَّفَ بحضورِكم ، وكما العادة، يقومُ المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانيَّة بتنيم نشاطات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
*الحرب على غزَّة والصَّدمات النَّفسيَّة، قراءةٌ في مشاهدَ وصوَرِ القتلِ والدَّمار والتَّهجيرِ.
*سرديَّةُ الحربِ الصهيونيَّةِ على غزَّة، قراءةٌ في المواكبة الإعلاميَّة.
*قراءة في دور المؤسَّسات الثقافية والأدباء والشُّعراء في التَّعبير عن مأساة غزّة المفتوحة وعن إجرام جلاد بحقّ الأطفال والنّساء.
وأضاف ” المؤسَّساتُ الثقافيَّةُ تستمدُّ فعاليَّتُها الثقافيَّةُ من جُهُودٍ فَرديَّةٍ خاصَّةٍ، وتَعتمدُ في نشاطاتِـها على ما يُـخصِّصُه لـهـا الأدباءُ والشُّعراءُ والصَّحافيُّون والمؤرِّخون والإعلاميُّون من مشاركات “.
وتابع ” الأدبُ له دورٌ كبيرٌ في بناءِ الوعي الوطنيّ وصناعةِ الثقافةِ والصُّمودِ في وجه الأزْمات. وكما يمنحُ الشَّاعرُ بُعدًا إنسانيًّا كي يَصيرَ حاضرًا في تاريخِ الأُمَّةِ، بحـثًـا عن قواربِ الحياةِ والقيَم الإنسانيَّة، كذلك يجب على الشَّعب المقهور أنْ يستعيدَ أرضَه المسلوبةَ، ويُقدِّمَ صورةً واضحةً عن الوطن المفقود، ويحملُ صورةَ الاُسرة التي الحاملةِ بيوتَ الآباء، كي تَستعيدَ ما سُلِبَ منها، كيفَ إذا دُمِّرَتِ البيوتُ، وقُتلَتِ الأطفالُ والآباءُ والنّساءُ… مَنْ يعودُ إلى البيوت ؟ ألَـمْ يقلْ درويش: “نُسافرُ بحثًا عن الصِّفر”؟
وأضاف ” الشَّاعرُ يُعبِّرُ عن قضيَّةِ وطنِه ومساعي الشَّعب للتَّحرُّر من الاحتلال، كما يحدثُ الآنَ في عزَّة الأبيَّة التي لا تتعبُ ولا تستكينُ ولا تستسلمُ لحظةً واحدةً، لأنَّها تريدُ العبورَ نحو الحريَّة، وتؤكِّدُ وَحدةَ وجودها.
ولِغزَّةَ مكانةٌ مرموقةٌ لفلسطين لأنَّها تُـعَدُّ من أهمّ وأقدمِ المدن في العالَم، فضلًا عن شهرتِـها بفضلِ موقعِها الجغرافيّ الحيويّ ، إنَّـها الخطُّ الأماميُّ للدِّفاع عن فلسطين ، أمَّا أطفالُ غزَّةَ فهُم يعيشون الكآبةَ، ويذوقون الموتَ المحتومَ وسْطَ دمارِ واختناق القضيَّة المأسويَّة.”
وقال ” هُمْ أطفالٌ لا أحلامَ لهم، ولا أَمَلَ يَصبُغُ طفولتَهم في ذاك المنفى، حيث يحملون سُتـرَتَـهُم في جيوب الصُّمود داخلَ أرضهم المحتلَّة، دفاعاً عن هُـويَّتـِهم وإرثِهم من أجل مقاومةِ الاحتلال.”
وأضاف ” القضيَّة الفلسطينيَّة مصدرُ إلهامِهم الأوَّل؛ لأنَّ الشَّعب يعيشُ مأساةً مزدوجةً: مأساةُ الواقع الذي فرضَتْه عليه حياةُ الغربةِ والاغتراب، ومأساةُ الخيانة العربيَّة بالسكوت واللامبالاة.”
وعن واقع القطاع قال ” واقعُ غزَّةَ أليمٌ، هو زمنُ الإجرام ِوالإبادةِ، هو زَمَنٌ لا اختيارَ فيه لأطفالٍ يُريدونَ أنْ يَكبُـروا، هو زمنٌ بَكَتْ فيه أُمَّهاتٌ على قَتْلِ أطفالِهنَّ أمامَ أعيُنِهنَّ، فسادَ الوجعُ والقهرُ إلى زمنٍ انحداريّ، يحملُ رئةَ الحياةِ في قبور النّساء ، أرضُ غزَّةَ مرتبطةٌ بكلِّ امرأةٍ تحملُ في أحشائها رغبةً كامنةً في ولادةِ الحريَّةِ، فقد دمَّروا الحريَّةَ، وقتلوا كلَّ ولادةٍ جديدةٍ لغزَّةَ حين قتلوا ألافَ النَّساء الحوامل “.
وختم “هذا الإجرامُ بحقّ النّساء والأطفال إنَّما هو دليلٌ على انعدام الإنسانيَّة، وانتهاكٌ لحقوق الإنسان، وقد يصحُّ القولُ للشاعر محمود درويش: “وأنتَ تحوضُ حروبَكَ فكِّرْ بغيرِكَ”.

أبو علي
وتحت عنوان “أحوالٌ ومَقام” القى الدكتور والشاعر محمد توفيق أبو علي قصيدة قال فيها :”
دَمُهُمْ يسيل على ضفاف الجدبِ حِبْرَ غمامةٍ
كتبتْ بأسفار الأريجِ فصولا
وهَمَت تعانقُ وردةً
وتصدّ عن يأس الشذا
موتًا يدبّ ثقيلا
ومَضَتْ تهرول نحو ذاكرةٍ
لتوقظ منْ سبات القهر وهْجَ ذبالةٍ
في عتْمةٍ
يا ليلَها
كم صارَ مكْثك في الضلوع طويلا
دَمُهُمْ سيطلِق في الفيافي
رجْع أغنيةٍ
يردّدها حداةٌ قد مضَوْا
وغدَوْا
لأهل الوصل بوصلة الهوى وطلولا
ومن القبور صحَوْا وغنّوا: يا ترابُ كفى نوًى ورحيلا
دَمُهُمْ سيولم للرّياح لَقاحَها
سيكون للعصفِ الجموح دليلا
عصْفًا سيورقُ في خيال خميلةٍ
سيكون ظلًّا في الهجير ظليلا
دَمُهُمْ سيبزغ في الغروب مثابةً
للنّور، ثمّ يقول للشّمس امكثي
لا تأفلي
فكفاك في سغب الضياء أفولا
سأحيكُ من شَفَقِ الأحبّةِ هودجاً
والعِيسُ كلُّ فراشةٍ
ذابتْ هياماً
والحداة: دمٌ يذوب صبابةٌ، والشوق، والشِّعر الذي للجمر صار مَقِيلا
وتقولُ: غزّةُ أسرجي للحبّ ، للفرح العظيم خيولا
****
ساعاتِ رملٍ صار وقتي
والغمام غفا
على أرجوحة القيظ الذي
سكبَ الجِمار هطولا
فاصفرّ أخضرُ وارفٍ
تمرُ النخيلِ نخيلا-على حرّ الحشا – وجفا
يبس الكلام على المباسم واشتكى
وَرْدُ العبارة في معاجمنا شحواً قاتماً وذبولا
صدئتْ سيوف العُرْبِ واهترأتْ
وصار السيفُ عندهمُ من الورقِ المقوّى
لم يعدْ سيفًا يمور صَقيلا
والخيلُ ساحاتِ الوغى أنِفتْ
كما كرهتْ من الأصواتِ ما
كان اسْمهُ بين الجياد صَهيلا
****
القدس تسأل حَوْلَها
فيجيبها رجْعُ الدماء أنا
بلادٌ ساورتها ظلمةُ
لكنّني سأظلّ أسمع في الظلام صدًى
لأقدامٍ سعتْ في نورها
وغدتْ لقنديل السماء فَتيلا
الماء صار غوايةً
والأخضرُ الفتّان صار خرافةً
والرّملُ أضحى معجمًا
للخصبِ في لغةٍ
يُضيعُ القولُ فيها قائلًا ومَقولا
****
عذبٌ بكائي حين يروي
في الزمان المرّ
للأمل الكليم حقولا
ويَميد بالأشجانِ يُسكِنُ حزنها
ويكون صبرًا في العذاب جميلا
عذبٌ بكائي
إنْ ظمئتُ ولم أجدْ
ماءً سوى دمعي
يفيضُ هوًى
ويُطْفئ في الشَّغاف غليلا
****
تعبتْ مآقي الضوء من حسراتها
هَرِمَتْ قناديلُ الهوى
شاختْ فراشاتٌ يَطُفْنَ بها
وشحّتْ شعلةٌ زرقاءُ يَنْحُلُ جسمُها
والهجر زاد على النّحول نُحولا
والريحُ في الأحداقِ تذرو رملها
فاصْفَوْفَرَتْ
مقلٌ تهيم بِلَيْلِها
ضلّتْ عن الفجر المبينِ سَبيلا
والشعلةُ الزرقاءُ تسأل زيْتها
رِفدًا…فيخبو الصّوتُ في رجْع الصدى
ويردّد الآهاتِ تهمس للمَدى:
زمنُ الرّمال غوى بلؤمٍ زيتَنا
صار بخيلا – يا أمّاه – والزّيْتُ
سأظلّ للفجر المهيضِ جناحُه – رغم مواجعي – لكنّني، يا رجعُ
ريشًا يطير بهِ
ودفْءَ مثابةٍ
سأقول في سوق القبائل : إنّني
سأكونُ للفجر الخليع قبيلا
وأصدّ عنه العادياتِ بمهجتي
وأخيط من روحي لمركبه الفؤادَ سُدولا
فرحي سيبقى للمدامع سلوةً
ودمي سيبقى رُقيةً
تنجي الرّمال من اليباب وسحرهِ
ستظلّ غزّةُ وِرْدَ نافلةٍ وفرضِ تهجّدٍ
يُتلى كفاتحةٍ ترَتَّل بكرةً وأصيلا
الدّمعُ والتَّهيامُ والأرواحُ أحوالٌ…
فِلَسْطينُ المَقامُ مُقامُ عزٍّ…لن يكون ذليلا .

لمشاركة الرابط: