تنطلق في 13 ابريل نيسان الجاري في صالات السينما اللبنانية عروض فيلم “هردبشت” الذي يعرض من خلاله المخرج وكاتب السيناريو محمد دايخ لجوانب من الحياة الحقيقية في بعض الأحياء الفقيرة بضواحي بيروت، ناقلا إياها بواقعية كبيرة ومن دون مواربة أو تجميل من خلال شخصيات متننوعة ومتناقضة، يجسدها ممثلون من محيطه ومن هذه البيئة يخوضون تجربتهم السينمائية الأولى بعدما سبق أن تعاونوا معه في أعمال مسرحية وتلفزيونية، أبرزهم صديقه حسين قاووق وشقيقه حسين دايخ، إلى جانب ممثلين كبار ومحترفين كرندة كعدي وغبريال يمين وفؤاد يمين وألكسندرا قهوجي.
ويناقش الفيلم قصة عائلة تتألف من “إم حسين” وأبنائها الثلاثة، تعيش في أحد أحياء ضواحي بيروت الفقيرة. أصغر الشبان الثلاثة ملتزم دينيا، خلافا لشقيقيه اللذين يروجان المخدرات. ويضغط تاجرا المخدرات على أخيهما الأصغر للعمل معهما مستفيدين من كونه ذا سمعة حسنة. وتتوالى سلسلة تطورات تعيث الفوضى في العائلة وفي الحي الذي تقطنه.
تولت إنتاج الفيلم شركة “فينيسيا” التي أسسها أمير فواز عام 2004 وتعنى بتوزيع الافلام الاميركية والاوروبية وبيعها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، إضافة إلى مساهمتها في إنتاج عدد من الأفلام في الولايات المتحدة، ويدشن “هردبشت” دخولها مجال الإنتاج المحلي.
المخرج والمنتج
وقال المخرج وكاتب السيناريو محمد دايخ (33 عاما) إن فكرة “هردبشت” ولدت من الحي الذي نشأ فيه في عائلة من أربعة شبان. وأضاف: “أمي تشبه الى حد ما الام التي نشاهدها في الفيلم، وفي شخصيات الاخوة في الفيلم ملامح تشبه تقريبا شخصيات إخوتي لكن بعيدا من المخدرات”.
وأضاف : “كان من المفروض أن نصور الفيلم في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكننا اخترنا في نهاية المطاف أن نصوره في الاوزاعي، مما حملني على تغيير تركيبة الشخصيات وبعض التفاصيل”.
ورأى دايخ أن “عنوان هردبشت يعكس واقع تهميش المنطقة والفوضى السائدة فيها والتي يصعب تنظيمها، ونحن ننقل الواقع كالمرآة، والواقع يؤلم. يا للاسف البعض لا يتقبلونه، بل يعيشون في أوهام”.
وعن الفيلم قال صاحب شركة “فينيسيا” التي تولت إنتاج الفيلم أمير فواز أن “لهذا المشروع خصوصيته إذ يسلط الضوء على قضايا لم يسبق لأحد أن تطرق اليها مثل الحي الذي صور فيه، وأسلوب حياة الناس الذين يعيشون فيه، وواقعهم داخل جدران المنزل، والفقر وما يولده من أمور تدفع الشباب الى الانحراف وتعاطي المخدرات، ويتضمن مواضيع جريئة تعتبر محرمة”.
الممثلون
“هردبشت” هو أول فيلم روائي طويل يتولى حسين قاووق بطولته. ولاحظ قاووق الذي أدى دور حسين، أحد الشقيقين اللذين يتاجران بالمخدرات، أن أهمية “هردبشت” تكمن في أنه “يجسد الحياة الواقعية بشكل حقيقي بكل تفاصيلها، من حيث اللهجة والملابس والمكان والزمان والشخصيات”.
أما حسين دايخ الذي تولى الدور الرئيسي الثاني، أي شخصية ابو الفضل، شقيق حسين وشريكه، فكان “هردبشت” تجربته الأولى أيضا في فيلم روائي طويل. وقال دايخ، وهو شقيق المخرج، إن “هردبشت ” فيلم “شاعري وشوارعي، حقيقي من النواحي كلها”، مشددا على أنه “ليس آتيا من المريخ بل من منطقة موجودة وليست من نسج الخيال”.
وتولى محمد عبدو دور محمد أو حمودي، الشقيق الاصغر لحسين وأبو الفضل، و”هو مختلف عن شقيقيه بلباسه وطريقة تفكيره وسلوكه”، إذ أنه “متدين، يعيش صراعا داخل منزله في خلافه مع شقيقيه، وخارج المنزل ايضا مع بيئته”.
وقال: “نحن كفريق عمل عشنا في هذه الاجواء ونعرف أوجاعهم، وكيف يتكلمون وماذا يرتدون. والنص مرتبط بعمق بواقع هذه البيئة”. ورأى أن “الفيلم مختلف فنيا في شخصياته وحواراته عن معظم الافلام اللبنانية، ومن الناحية الاجتماعية يطرح قضايا جريئة”.
وتألقت الممثلة رندة كعدي الآتية من بيئة مختلفة، في تجسيدها بأمانة فائقة شخصية إم حسين، والدة الشبان الثلاثة.
وقالت كعدي التي تحفل مسيرتها بأعمال سينمائية ومسرحية وتلفزيونية مهمة إن هؤلاء الشبان “يستمدون قوتهم” من والدتهم.
واضافت: “هم أبناء بيئة متواضعة”، لكنها رفضت “تبرير الانحراف والقتل أو السرقة وتعاطي المخدرات بالعوز المادي”.
وتابعت قائلة: “شاركت في هذا العمل لإيصال رسالة هي أن هناك ولدا مختلفا عن شقيقيه، وهو تقي ويصلي ويخاف ربه، وبالتالي البيئة هي التي تدفع الشباب الى الانحراف وليس العوز”.
وأبدت كعدي إعجابها بالنص لانه غير مباشر، وفيه رسائل مغلفة في اطار ساخر لكنه هادف”. ورأت أن “قصة الفيلم محبوكة جيدا، واختيار الممثلين فيه صحيح، وإنتاجه كريم، وإخراجه فيه لمسات ابداعية”.
ويساهم حضور الممثل الكبير غبريال يمين بدور طلال، وهو تاجر خردة ومخدرات، في إثراء الفيلم، بأدائه الواقعي المتقن والمميز.
وبرز فؤاد يمين أيضا في شخصية ميكانيكي السيارات المعلم طانيوس، ولاحظ أن “هردبشت من الافلام القليلة التي تنطلق من حقيقة معينة مقدما الصورة كما هي من دون تلميع او تنظيف وبلا كذب، وهو فيلم صادق ابن بيئته، ويتناول بيئة هي عادة مهمَّشة إعلاميا وفنيا، بخباياها ويومياتها وخصائصها الإيجابية والسلبية”.
ووصف “هردبشت” بأنه “مرآة لمجتمع ويظهر الأشياء على حقيقتها”.
وأدت ألكسندرا قهوجي ببراعة دور زكية، وهي “امرأة منبوذة من المجتمع لانها مطلقة (…) تضطر إلى ان تلجأ إلى الدعارة” وتعيش مع شاب يدعى علي لكي يهتم بابنتها، في المبنى الذي تقطنه إم حسين وأولادها الثلاثة. واعتبرت أن “هردبشت” يفتح “بابا غير تقليدي لم تفتحه السينما اللبنانية”. وأوضحت أن الفيلم الذي “يتناول طائفة بالذات ومجتمعا محافظا”، يضيء “على مواضيع قد تكون غير مقبولة من البعض (…) وعلى فئة من الشعب اللبناني لم يتم التطرق اليها في السينما، وهو فيلم جريء”.
وقال جوزف زيتوني الذي يؤدي دور رواد، “الدركي العنيف في الشارع والحنون في منزله وفي تعاطيه مع والدته”، على ما وصفه، إن الفيلم “يتطرق إلى مشاكل أساسية يومية في حياة الناس”، و”يسلط الضوء على شريحة كبيرة هي المواطن العادي والفقير الذي يواجه مشاكل حياتية و اقتصادية”.
كذلك اشار حسين حجازي الذي يؤدي دور علي، شريك حياة زكية، أن الفيلم “يحاكي ظروف بعض الشباب في بعض المناطق الفقيرة في لبنان”.
وتتولى ماريا ناكوزي شخصية سعاد “وهي فتاة ذكية وجريئة لديها ثقة بنفسها أكثر من اللزوم”، حاولت “جر حمودي الذي يبدو ضعيفا ولكن تبين أنه أذكى منها بوطنيته فلم تنجح في السيطرة عليه”.
ورأت أن “هردبشت” يتناول “مواضيع لم يتجرأ احد من قبل على تناولها بكل واقعية ومن دون تجميل نصا وتمثيلا وموقعا”.
أما دور زوزو، معاون المعلم طانيوس في الكاراج، فأسند إلى مهدي دايخ، شقيق المخرج أيضا. ووصف زوزو بأنه “شخصية بريئة مظلومة لم تأخذ حقها في الحياة، فهو مراهق، وبدلا من أن يكون في المدرسة، يعمل في محل ميكانيك سيارات ويعنف لفظيا وجسديا”. ورأى أن احداث الفيلم “مترابطة ومتماسكة وحقيقية من البداية إلى النهاية”.
المصدر : وطنية