أطلق عدد من الكتاب والناشرين والباحثين والإعلاميين العرب تحذيراً من اتساع نطاق عمليات القرصنة للكتب والنصوص والوثائق الورقية والإلكترونية العربية.
وجاء ذلك خلال المشاركة في مؤتمر بروكسيل، الذي انعقد لمدة يومين، برعاية المعهد الأوروبي للدراسات الإبستمولوجية، للبحث في أزمة النشر في العالم العربي واعتبر أن القرصنة “جريمة نهب خطيرة تصيب حركة النشر بأضرار قاتلة، وسرقة سافرة لجهود المؤلف وحقوق الناشر وتنطوي على ضرر استراتيجي للقارئ الذي يستفيد مجانا من كتاب مقرصن”.
الكاتبة زغير
ومن الناشرين اللبنانيين المشاركين الكاتبة آناييل رانية زغير التي قالت ل nextlb.com : ” شاركت في مجموعة المُلكية الفكرية وقمت بطرح ومناقشة المحاور التالية : الملكية الفكرية وحقوق النشر وفيها :
نشر ثقافة الملكية الفكرية وعلاقة الناشر مع صاحب الحق وعلاقة الناشر مع زميله في حال انتقال الحق وأهمية حقوق الملكية في تطور صناعة النشر والحقوق المصاحبة التي تعتبر حقوقاً مستقلة ، وكذلك السعي لتوحيد التشريعات الناظمة لحقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي ، ومواجهة القرصنة باعتبارها آفة ضارة للابداع ، وادخال ثقافة حقوق الملكية الفكرية في المدارس والجامعات ، والعمل على شرح أهمية هذه الحقوق عن طريق وسائل الإعلام “.
وأضافت “كما طرحت تأسيس موقع تتوفر فيه قوانين حماية الملكية الفكرية، وتوفير مرجع قانوني قادر على الإجابة عن تساؤلات أي ناشر أو مؤلف او شخص مهتم.
وتطرقت زغير كذلك الى حماية الملكية الفكرية بين الناشرين: في حال انتقال عقد النشر من ناشر إلى ناشر جديد، يكون الناشر القديم ملزما بتقديم جرد للنسخ الموجودة عنده يبيعها الجديد بسعر الكلفة.
والى علاقة الناشر مع أصحاب حقوق الملكية اذ لا يمكن للناشر نشر أي كتاب من دون عقد محدد المدة كما يحدد الملكية الأدبية.
وأكدت زغير في مداخلتها على لفت نظر الناشرين إلى أهمية تضمين العقود نصوصا واضحة تحدد الحقوق المجاورة، أي البيع الصوتي والالكتروني، والتوقيع على عقد الترجمة إلى لغات أخرى، واستخدام النص في اقتباسات المسرح أو السينما.
وكذلك العمل على توحيد التشريعات الناظمة لحقوق الملكية الفكرية في الدول العربية باعتبارها سوقا واحدة وتفعيلها. وبذل كل الجهود، والتضامن من أجل مكافحة القرصنة، وضرورة البحث عن وسائل لمواجهة هذه الآفة قانونيا. والبحث عن تمويل لخوض مواجهة قانونية في مواجهة القرصنة.
وختمت بالقول ” المطلوب دعوة وسائل الإعلام إلى الإضاءة على ما تمثله القرصنة من خطر على البحث والابداع، ومن تأثير على سمعة الوطن العربي ، وحماية حقوق الملكية الفكرية ضرورة لا غنى عنها ولا يمكن أن يتطور النشر في العالم العربي في ظل قوانين لا تحمي هذه الملكية.”
قرصنة ضارة
وصدر عن المؤتمر بيان جاء فيه إن القرصنة تلحق بالقارئ العربي :”ضرراً استراتيجياً جراء إضعاف حركة التأليف والنشر وبالتالي إنتاج المعارف ونقلها وتداولها وتفعيل اقتصادها”.
ودعا المؤتمر “جمهور القراء في عموم العالم العربي إلى الامتناع عن تداول الاعمال المقرصنة واعتبارها غير قانونية وقد تلحق ضررا معرفياً خطيرا بهم”.
المؤتمر أرجع سبب هذا التحذير إلى أن الكتب المقرصنة :”قد تتعرض للتحوير والحذف والإضافة ولا شيء يضمن سلامتها ومطابقتها للأصل” وذلك بما يجعلها “تشبه أعمال التهريب والغش والتزوير وبالتالي ليست جديرة بالثقة”.
وناشد المجتمعون وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والجهات كلها والمؤسسات المعنية بتداول الكتب والنصوص بـ “مقاطعة الاعمال المقرصنة والتشهير بأصحابها عبر تنظيم لوائح سوداء بأسمائهم وعناوينهم والمطالبة بمحاكمتهم ونشر الأحكام الصادرة بحقهم كما تنشر الأحكام الصادرة بحق سائر المجرمين”.
وطالب الكتاب والناشرون الذين خاضوا نقاشات موسعة حول هذا الأمر الجامعة العربية والبلدان المنضوية في عضويتها بالتدخل بهدف :”وضع أسماء المقرصنين والجهات المعنية بالقرصنة على المطارات ومنع دخولهم إلى البلد المعني كما تمنع سائر المجرمين”.
وحتى يصبح الأمر قانونياً ويدخل حيز التنفيذ بسرعة فإنه ينبغي من وجهة نظر المؤتمر “إصدار قوانين تكافح هذه الآفة وتحول دون انتشارها، وتضمن تقديم المقرصنين للعدالة، وتحريم التعامل الادبي و التجاري معهم”.
أزمة الكتاب العربي
وفي تعليقه على نتائج مؤتمر بروكسل في ظل أزمة وفوضى النشر في العالم العربي قال الأكاديمي في جامعة ليون الفرنسية يحيى بلحسن :”سنحاول إيصال قرارات المؤتمر إلى المعنيين بالأمر ” لكن الأمر سيظل في رأي بلحسن “بيد الناشرين وبمقدار تعاونهم لنفيد تلك التوصيات”.
وتأتي تحذيرات الموقعين على إعلان بروكسل بعد سنوات من تعرض مئات وربما آلاف الكتب والنصوص والوثائق العربية وحتى بعض المخطوطات التاريخية للقرصنة، لكن هذا لم يكن يمثل جريمة نشر يفترض أن تُستخدم ضدها كل الوسائل القانونية للحد من تفشيها ولمعاقبة المقرصنين وردعهم.
هل أصبح الكتاب سلعة كمالية في لبنان؟
بدوره اعتبر الكاتب اللبناني، فيصل جلول، في حديث لبي بي سي قبيل مشاركته في اجتماع بروكسل أن :”هناك آفة اسمها القرصنة، وأن الكتب العربية ما إن تنتشر حتى تقرصن وتطيح بحق الكاتب وأحياناً بحق دار النشر، وبالتالي تقتل كتاباً مرشحاً للانتشار في مهده”.
وأضاف جلول أنه عندما أراد توكيل أحد المحامين لمقاضاة أحد المقرصنين قام بطباعة أكثر من خمسين ألف نسخة من كتابه، متباهياً بتوفيره للجمهور ، قال له المحامي :”احمد ربك أن الشخص الذي قام بقرصنة الكتاب لم يضع إسمه على الكتاب كمؤلِف له محل إسمك”.
وجهة نظر أخرى
لكن الناشر صالح البيضاني، رئيس دار نشر (عناوين بوكس) في القاهرة يرى أن :”أحد أطراف هذه المشكلة هم المؤلفون أنفسهم” ويضيف البيضاني في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن :”كثيراً من المؤلفين يسربون نسخة من كتبهم بصيغة (بي دي إف) وهذا يضر بالكتاب”، ويضيف البيضاني، وهو رئيس دار نشر يمنية تعمل من القاهرة أن ذلك :”يضر بالكتاب، فبعض المؤلفين لا يدرك حقيقة أنه يجب عليه تسويق كتابه بطريقة صحيحة ويشجع القراء على اقتنائه بشكل قانوني بدلاً من توزيعه بتلك الطريقة ثم لا يجد الكتاب طريقه للانتشار في منافذ البيع ومعارض الكتب.
طبعة شعبية!
القرصنة ليست وحدها المشكلة التي يواجهها الكتاب العربي
غير أن بعضهم يرجع أسباب القرصنة ليس فقط إلى جشع المقرصنين وطمعهم، ولكن أيضاً إلى تدني القدرة الشرائية لدى عامة القراء في مختلف الدول العربية، إذ يَعتبر بعض المقرصنين أن ما يقومون به هو نوع من الخدمة للقارئ العربي غير القادر على شراء الكتب وذلك من خلال ما يصفه هؤلاء بـ “طبعة شعبية” بدلاً من شراء الكتب الجيدة الطباعة والمصقولة الورق من المكتبات أو منصات البيع الأخرى بأسعار أعلى.
مشكلات أخرى
غير أن القرصنة ليست وحدها المشكلة التي يواجهها الكتاب العربي، فثمة تحديات أخرى تتمثل في منافسة الكتاب الرقمي وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً.
جدير بالذكر أن أزمة الكتاب العربي لم تعد تتعلق فقط بارتفاع تكاليف الطباعة، وتذبذب أسعار العملات المحلية والعالمية عقب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، ولكن أيضا بغياب سياسات منظمة للنشر ، فباستثناء الكتب التراثية والمترجمة المسوح بنشر أغلبها فإن ثمة تضييقاً في مساحات الحرية وقيوداً على المؤلفين وازدواجيةً في معايير النشر غير الموحدة لدى الدول العربية أجمع وحتى غير المحددة أو الثابتة في كل دولة عربية على حدة، ما قد يجعل أنه يلزم على الكاتب أن يضع (صيغاً) من كتابه تناسب قائمة المحذورات والممنوعات في كل بلد عربي.
لا مردود من تأليف الكتب
رغم أن بعض الانتاجات الإبداعية كالرواية والدواوين الشعرية تتصدر المبيعات من الكتب أكثر من كتب الفلسفة والاقتصاد والعلوم إلاّ أنها تبدو في المرتبة الثانية من كتب الطبخ والجنس وكثب الإثارة الأخرى ، إلاّ أن كثيرا من الكتاب والمبدعين لا يزال يتعين عليه أن يدفع لدور النشر للإسهام في تكاليف طباعة كتابه، وذلك مقابل حصوله على نسخ محدودة من الكتاب ، يضطر أحياناً إلى شراء نسخ من كتابه لإهدائها إلى أصدقائه.
تتحدث الشاعرة الأردنية، باسمة غنيم، عن تجربتها لبي بي سي، بعد أن أصدرت ثلاث مجموعات شعرية بقولها :”تعطينا دور النشر جزءًا من كتبنا، وعندما تنفد من لدينا نعود إليها لنشتري كتبنا” وتضيف غنيم قولها :”لا مردود مادياً أو معيشياً من وراء الكتابة، فالكاتب يدفع من جيبه أكثر مما يأخذ”.
أزمة الكتاب انعكاس لواقع الأمة
حال الكتاب العربي إذاً هو من حال الأمة العربية من وجهة نظر من الكتاب والمبدعين الذين استطلعت بي بي سي آراءهم بشأن هذه الأزمة، فالكاتب الموريتاني البروفيسور بدي المرابطي الذي يرأس المعهد الأوروبي الأوروبي للدراسات الإبيسمولوجية في بروكسل
يرى من موقعه أن العالم العربي في أغلبه هو :”أقل المناطق الأقل حرية في العالم إذا قرأنا التصنيفات الدولية ، وأن بعض الدول تقترب من كوريا الشمالية ، بل أن بلداناً سلطوية في افريقيا الآن تجاوزت كثيراً في تطورها بلداناً عدة في العالم العربي”.
ويعتقد المرابطي أن :”الفاعل الثقافي يمكن أن يبتكر آليات للضغط تسمح بأن يكون الفضاء الثقافي يتمتع بمستوى معين من الوحدة”كما يمكنه “اقناع صانع القرار في البلدان العربية أن الرقابة التقليدية لم تعد مفيدة”.
الرقابة ليست حلاً
ما هو مطلوب على ما يبدو هو أكثر من مجرد عصف ذهني من وقت لآخر بين المعنيين حول أزمة النشر في العالم العربي، بل إلى إدراك المؤسسات العربية المعنية لما يجب أن تكون عليه سياساتها في مجال النشر العام والأكاديمي بعيداً عن اشكال الرقابة التي لم يعد ثمة مستقبل لها في ظل “الانفجار المعلوماتي” عبر الإنترنت ، وبما يتماشى كذلك مع متطلبات حرية التفكير والتعبير وتطورات علم المعرفة وتكنولوجيا الاتصال.
إعلان بروكسيل ضد قرصنة الكتب والنصوص والوثائق في الوطن العربي
إنعقد في بروكسيل بين 15 و16 الشهر الجاري، مؤتمر لبحث أزمة النشر في العالم العربي، وصدر عن المشاركين فيه من كتّاب ومؤلفين وباحثين وناشرين وإعلاميين، إعلان جاء فيه:
أولاً: نعتبر قرصنة الكتب والنصوص والوثائق الورقية والإلكترونية جريمة نهب خطيرة تصيب حركة النشر بأضرار قاتلة. وإنها سرقة سافرة لجهود المؤلف وحقوق الناشر، وتنطوي على ضرر استراتيجي للقارىء الذي يستفيد مجاناً من كتاب مقرصن لكنه يتضرر ضرراً استراتيجياً جراء إضعاف حركة التأليف والنشر وبالتالي انتاج المعارف ونقلها وتداولها وتفعيل اقتصادها.
ثانياً: دعوة القراء الى الامتناع عن تداول الاعمال المقرصنة واعتبارها غير قانونية و قد تلحق ضرراً معرفياً خطيراً بهم. وان الكتب المقرصنة قد تتعرض للتحوير والحذف والاضافة، ولا شيء يضمن سلامتها ومطابقتها للأصل. انها تشبه اعمال التهريب والغش والتزوير وبالتالي ليست جديرة بالثقة.
ثالثاً: يتمنى المجتمعون على وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وكل الجهات والمؤسسات المعنية بتداول الكتب والنصوص مقاطعة الاعمال المقرصنة والتشهير بأصحابها، عبر تنظيم لوائح سوداء باسمائهم وعناوينهم والمطالبة بمحاكمتهم ونشر الاحكام الصادرة بحقهم كما تنشر الاحكام الصادرة بحق سائر المجرمين .
رابعاً: الطلب من الحكومات العربية وضع أسماء المقرصنين والجهات المعنية بالقرصنة على المطارات ومنع دخولهم الى البلد المعني كما تمنع سائر المجرمين.
خامساً: دعوة الجامعة العربية لاصدار قرار بالأجماع ضد اعمال القرصنة في الوطن العربي والطلب من الدول الأعضاء اصدار قوانين تكافح هذه الافة وتحول دون انتشارها. وتقديم المقرصنين للعدالة وتحريم التعامل الادبي والتجاري معهم”.
وتابع البيان “نحن الموقعين على هذا الاعلان، نعتبر قرصنة الكتب والنصوص والوثائق جريمة نشر ونطالب باستخدام كل الوسائل القانونية لمعاقبة المقرصنين”.
nextlb و بي بي سي نيوز عربي