خاص – nextlb
غيب الموت اليوم الدكتور رامز محمد عمار بعد صراع مع المرض، والراحل أكاديمي عريق عين عميداً لكلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في عام 2005 .
درس د . عمار مواد الراي العام والدعاية في كلية الإعلام والتوثيق الفرع الأول في فترة الثمانينيات والتسعينيات ، وكذلك مواد القانون الدستوري في جامعة بيروت العربية ما بين عامي 1998 و2003 ، وفي كلية الحقوق – الجامعة اللبنانية ، وشغل كذلك منصب عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية.
الراحل حائز شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في عام 1983 وله مؤلفات عديدة في القانون الدستوري والإعلام .
وكان للراحل الدكتور عمار نشاط رياضي لافت في تاسيس نادي البرج الرياضي في برج البراجنة .
وفي رثاء الدكتور عمار كتب وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس على صفحته على الفيسبوك تحت عنوان :
“مَوْتُ الصديق ، أَقسى أَزْمِنَةِ الضيق “
رَمَّازٌ للأخلاقِ عَمَّارٌ لِلقِيَم
قَبْلَ أَنْ يُغْمِضَ المرَضُ عَيْنّيْهِ على زَعْلَةِ الأيَّام ، نامَ العميد رامز عَمَّار نَوْمَةَ الأَبَد ، و ماتَ مَوْتاتٍ كثيرات ، مَرَّةً حُزْناً و مرَّةً يَأساً و مِراراً على رَجَاءِ أَنْ يَسْتَيْقِظَ على وَطَنٍ أرقى و عالَمٍ تَشيعُ فيهِ المَحَبَّةُ و تَستوي فيهِ العدالةُ و تَعُمُّ فيهِ الكرامة !
عاش َ إبْنَ وجدانِهِ الأبيض و مَاتَ إبنَ فضيلة ، عَاضَّاً شّفَتَيْهِ على وَجْعَةِ الأيًّام. ، مُتَّكِئاً على دَهرِه الذي مشى إليه بالمقلوبِ ، مُتَكَفِّنَاً بعباءةِ المؤمنِ الذي تقرأ القرآن في سلوكه و تَفهمَ الآياتِ من خلال أخلاقِه .
منذ شهورٍ قليلاتٍ َكتبتُ له وجدانيةً لطيفةً شَغَفَتْهُ و إستَرَقَتْ من عَيْنَيْهِ دَمعةً حَرَّاقةً بَرّاقةً ..وَاخَذْتُ نفسي على فِعلتي و خاجَلْتُها عَميقاً ، لأنَ رامزَاً لا يَسْتَحِقَّ أَنْ يدمعَ .
هو صديقٌ عتيقٌ بالأُخُوَّةِ ، و زَميلٌ مَرْجِعٌ في الأكاديميات ، كَثيرُ الرُتَبِ على تَواضِعٍ ، وَفيرُ المعَارِفِ ، مَوْثوقُ المُدْرَكاتِ ، هادِئُ الطِباعِ …و أرفَعُ مَراتِبِهِ أَنَّهُ إِبنُ أخْلاقِهِ…و أَرْفَعُ الأَرْفَعِ أنه شَديدُ الأُبُوَّةِ ، شَفُّ الإنسانية حَنَّان
كنا كُلَّما تحاورنا نتبادلُ الرؤى و نَسْتَذكِرُ حَلاواتِ أيَّام العَرَاقَةِ ، و كُلَّما تَهَامَمْنا نُخَفِّفُ عن نَفْسَيْنا بِتقَاسُمِ رَوَاسِبِ الأَحوالِ
في زَمَنِيَّاتِ تَوَزُّعِ مغانِمِ الفَسادِ و تقاسُمِ قِطاعاتِ الهَدرِ ، و تَناسي (دَمِ بيروتَ ) ، والإكْثارِ المُنَظَّمِ من الإلهَاءَاتِ بِتَحويلِ العَيْشِ الى جَهَنَّمَاتٍ يَوْمِيَّةٍ مُنَوّعَة ، كثيراً ما نَتواصَلُ للإطمْئنانِ و تَخْفيفِ مُثْقَلاتِ الوَيلاتِ اليَوميَّة ، باحِثيَْنَ عَنْ قَبَسِ أَمَلٍ يُبقينا على قَيْدِ الوطن
وكثيراً ما كُنَّا نَتَضَاحَكُ و نتَكاذَبُ على حالِنا و نَتَطامَنُ ، بأنَّ الفَرَجَ لا بُدَّ آتٍ ، غَصْباً عن القَدَرِ الذي حَكَّمَ الجَزَّارينَ بِرِقَابِنا نحنُ الغَنَم…فإْسْتَحْكَموا و نَحَروا و جَذَّروا
مرَّةً نَتداولُ مُقاساةَ أحوالنا الحياتية ( أمّا الإقتصادية فمتروكة للتجَّار و مافيات الفُجَّار ) ؛ و ثانيةً نَخْتلِقُ تبريراتٍ غير إقناعية ، وسيلةٍ للتلَهّي عن ما يُحْرِقُنا ؛
و ثالثةً نتبادلُ فيها آياتِ الصبر والرحمة ، مُلتجِئينَ الى الله …
وكثيراً كثيراً ما كُنَّا نَصْمُتُ و نَتحاورُ على سَكْتِ الهَمْسِ حتى لا نسمعَ ما نقولُ و لا نَفزَعَ مِمَّا لا نقوى على قَوْلهِ و لا نَجْرُؤ على تَخَيُّلِه ، إحتراماً و وَجَلاً و إخْتِبَاءً منَ ذاتنا الخَجولةِ من قَعْسِيَّاتِها غيرِ المُبَرَّرَة…ثم نَتوادَعُ على أَمَلٍ تَواصُلٍ جديد…ونُصلّي ، كُلٌّ في كتابِه ، أَنْ تكونَ أثْقَالُ الغدِ على قَدْرِ ما وُسْعِنا أَنْ نَحْتَمِلُهُ من مُفَاجَاءاتٍ و خَيْباتٍ و إِحْباطاتٍ تَيْئِيسيَّة و نَكَباتٍ إِعْدَامِيَّةٍ ، نُسَلِّمُ فيها رِقابِنا طَوْعاً لِمِقصَلِة الزَمَنِ الأَصَمِّ خِلْقَةً والأَبْكَمِ غَبَّ الطلب!
صديقي ، المُدَجَّجُ فِكراً و خِبْرَةً و صَبْراً ، نتَشاغَلُ معاً أحياناً بشربِ القهوةِ الإفتراضية في مقهى إفتراضي وحياةٍ إفتراضيَّةٍ لا ترحم. و لِشِدَّةِ ما نحنُ مُصِرَّانِ على قَلْبِ الأبيضِ أَسْوَد ، على قَدْرِ ما نستطيعُ .
في آخرِ جَلسةِ قهوةٍ ، شربناها بلا فناجين ، أَسَرَّ لي أَنَّهُ تَعِبٌ من إنهيارِ الخُلقِيَّاتِ و سقوط القِيَم و إنْعِدامِ أبْسَطِ الخِدْماتِ الحياتية التي صرنا نعيشها بتصنيفٍ ما تحتَ الصِفرِ و ما قبل إكتشافِ علمِ العدد .
كاَلمَني الرَمَّازُ العَمَّار بِحَرْقَةٍ و كَسْرَةِ خاطِرٍ ، فَاشَّاً قَلْبَهِ لي ، قال :
تَخيَّلْ يا صديقي ، تَخَيَّلْ ، أَنَّني أَمٌضَيْتُ ساعاتِ الليلةِ الماضية وأنا أحَاوِلُ إِسْتِجلابَ نَسمَة هَواءٍ بِهَزَّةِ كَرتونةٍ ، أُخَفِّفُ بها وَهْجَ حَرِّ القَيْظِ عن وَجْهِ إبنتي.
هو قال لي : ” تَخَيَّلْ ” . و أنا تَخَيَّلٌتُ . فإِقْشَعَرَّ عَقْلي و صَفَنَ قلبي ، و قُلْتُ لنفسي : ” يا نفسي إنَّا نَتَدرَّبُ على المَوْتِ ، فَإِقْتَبِليه بِبَسْمَةٍ و هَزَّةِ رَأس .
حَمَانا اللهُ مِن شُرورٍ أَعْظَم
تَعْسَاً لِبَلَدٍ نُحَارِبُ فيهِ حَرَّ الطَقْسِ بِ كَرتونة !
و قَدْ تكونُ الكرتونة هي الطاقةُ البديلةُ في لبنان.!
أَيُّها الرامِزُ العَمّار ، تَكَفَّنْ باللهِ ، إِسْتَنِرْ بنورِهٍ و رُحْ إليه مُرتاحاً ، فالجَنَّةُ للطيِّبينَ
و دَعِ التُرابَ لِلتُرَابِيِّين…!