لا خلاص لقطاع التعليم العالي في لبنان من دون دعم الدولة اللبنانية، وسعي القيادات السياسية إلى حل شامل للأزمة الحالية ، فلجوء الجامعات إلى رفع أقساطها لن يخرج الجامعات من المأزق الحالي، طالما أن دخل المواطن اللبناني بات منخفضاً جداً. وفي حال رفع الدعم عن المحروقات وباقي السلع، سترتفع الأسعار مجدداً، ما يوجب رفع رواتب الموظفين كي يتمكنوا من العيش وتعليم أبنائهم ، لذا، نحن في حلقة مفرغة لا خلاص منها، إلا إذا انتصرت فكرة الدولة التي تستطيع رسم مستقبل البلد، والذهاب نحو حل شامل، ووقف النزاعات القائمة بين جميع الأطراف ، والمضي بخطط التنمية الشاملة، وإعادة ثقة المستثمرين في لبنان، وترميم الثقة المفقودة بالمصارف اللبنانية، وتأمين تدفق الأموال مجدداً ، فلا أهالي الطلاب قادرون على تحمل أعباء رفع الأقساط، ولا الجامعات قادرة على الصمود أكثر، حتى لو لجأت إلى رفع الأقساط بشكل طفيف، كي تستمر في تأدية رسالتها ، لكن تفاقم الأمور أكثر في لبنان سيؤدي إلى انهيار كل شيء ، ما يستوجب من المسؤولين التحرك لإنقاذ الجامعات والتعليم العالي، كما يقول رئيس جامعة بيروت العربية ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﻤﺮﻭ ﺟﻼﻝ ﺍﻟﻌﺪﻭﻱ.
في مكتبه الفاره في مبنى الجامعة ، يستقبلك العدوي وقد أدار مروحة هواء للتخفيف من حدة حرارة شهر آب، بعدما لجأت الجامعة إلى إطفاء جميع المكيفات والأنوار، لتخفيف مصروف المحروقات، التي باتت عملة نادرة في بلد الأرز. يعاجلك العدوي بالقول: “خفضنا المصاريف وأوقفنا العمل في الجامعة مرات عدة، كي نوفر المحروقات للأقسام الحيوية في الجامعة. نحاول أن نقتصد في الكهرباء كي نؤمن استمرارية قسم المعلوماتية الذي تعتمد عليه الجامعة ، ونحاول تأمين المحروقات كي يستمر مركز الرعاية الصحية، وبرادات المختبرات التي نجري فيها الأبحاث ، رفعنا الصوت لتخصيص حصص محروقات مدعومة للجامعات، لكن لا حياة لمن تنادي. فحتى المستشفيات باتت بلا كهرباء”.
منذ أكثر من سنة أطلق العدوي، ورابطة الجامعات نداءً يحذر من أن التعليم العالي بخطر ويجب على المسؤولين التحرك ، فهل تحرك أي مسؤول وسأل عنكم ، وهل تغير الوضع؟
يبتسم العدوي ويقول: “الجديد أن المشاكل تزداد والأمور تتعقد أكثر فأكثر. الجديد أن القطاع التعليمي يواجه المزيد من المصاعب وخصوصاً التعليم العالي. بتنا أمام تهديدات من نوع جديد، مختلفة عن انهيار العملة وتراجع دخل الجامعة. نحن مهددون بكيفية المباشرة بالتعليم في ظل أزمة المحروقات الحالية وانقطاع التيار الكهربائي ، فالأزمات تتراكم وتتفاقم ، ولم يتحرك أي مسؤول بعد.. و”محدش سائل فينا خالص”.
ويضيف: “مستقبل أي أمة يعتمد على التعليم العالي. وإذا خسر لبنان هذا القطاع سيخسر كل شيء”.
لجأتم إلى تلقيح أهل الجامعة ، وهناك مشاكل جديدة تتمثل بأزمة المحروقات ورفع الدعم، هل ستكون الدروس حضورية أم من بعد؟
رغم كل المصاعب نحن مصممون على فتح الجامعة وستبدأ الدروس في السادس من أيلول حضورياً، حفاظاً على مستقبل طلابنا ومستقبل لبنان. فإذا لم تصمد الجامعات سنصل إلى أم الكوارث.
لقد أمّنا سلامة الهيئة التعليمية والموظفين والطلاب، وتعاقدنا مع وزارة الصحة لتلقيح الجميع. وانتهينا من تلقيح الأساتذة والموظفين، وجارٍ حالياً تلقيح الطلاب كي نبدأ التعليم الحضوري بشكل آمن. وستكون الدروس حضورية، كي يكتسب الطلاب المهارات والخبرات اللازمة ، لكن الخطة التي وضعناها للعام المقبل ستقوم على التعليم المدمج : الجزء الأكبر من الدروس حضوري، وهناك جزء من الدروس من بعد ، فلا يجوز اعتماد الأخير وحده كما حصل سابقاً، لأنه يؤدي إلى تراجع المستوى العلمي ، وسيتم تحميل كل المحاضرات على موقع الجامعة كي يتسنى للطلاب العودة إليها ، وتقوم الخطة على التعليم في الجامعة لأربعة أيام، ببرامج مكثفة، وذلك بعد إلغاء يوم الجمعة ، أي سيتوقف العمل في الجامعة لثلاثة أيام لتقنين استهلاك المازوت، ومراعاة عدم توفر البنزين للهيئة التعليمية والطلاب ، فأزمة المحروقات الحالية في عدم توفرها في الأسواق ، لكن بعد رفع الدعم ستصبح غير متاحة لجميع اللبنانيين، في ظل غلاء الأسعار ، وستصبح كلفتها مضاعفة على الجامعة وعلى الموظفين والطلاب”.
حيال هذه الأزمة التي تعيشها الجامعة، هل لجأتم إلى رفع الأقساط على الطلاب، لتوفير مداخيل إضافية؟
لقد انخفض دخل الجامعة بشكل كبير، والكلفة التشغيلية ارتفعت بشكل جنوني. لقد راعينا الأزمة التي تنعكس على الجميع، وسنبدأ بدفع تعويضات إضافية للأساتذة والموظفين من خارج رواتبهم ، وسيتلقون مبالغ حسب الإمكانات المتوفرة ، العام الفائت قدمنا دعماً على مراحل متعددة. لكن في العام الحالي ستكون المخصصات شهرية ، وتوازي رواتبهم أو تزيد عنها. وبما أننا رفعنا رواتب الأساتذة والموظفين وارتفعت الكلفة التشغيلية للمختبرات ونظام المعلوماتية، وكل المصاريف الأخرى التي تدفع على سعر صرف الدولار في السوق.. فقد قرر مجلس الأمناء اعتماد نظام وحدات تعليمية مختلفة للطلاب. وترجمة هذا الأمر على الأقساط هو كما لو أن الجامعة اعتمدت دولاراً بنحو 2750 ليرة للقسط”.
ويضيف: “هذا القرار اتخذ عندما كان سعر صرف الدولار بنحو 14 ألف ليرة، وهو مقتصر على الفصل الأول ، بالتالي سيتغير القسط في فصل الربيع. لأن الجامعة لن تستطيع تحمل الأعباء ، فالهم تشغيل الجامعة وتقديم العلم بمستويات رفيعة، والحفاظ على جودة التعليم ، لقد تقشفت الجامعة إلى أقصى الحدود في المصاريف، وأطفأت كل المكيفات لتخفيف مصروف الكهرباء ، واعتمدنا برامج جديدة تمزج بين الحضوري ومن بعد ، لكن الأقساط هي المصدر الوحيد للجامعة ولم نرفعها إلا بشكل طفيف ، حتى أنها لم تنعكس تراجعاً بعدد الطلاب المسجلين. بل العكس لقد تقدم عدد كبير من الطلاب إلى الجامعة هذا العام ، لكن العبرة تبقى في التسجيل والأخير جارٍ بصورة جيدة ، فما زال العديد من الذين قدموا طلبات لم يتسجلوا بعد، لأنه من الواضح أن الأزمة التي يمر بها لبنان تنعكس على قدرة الأهالي وقدرت الجامعة هذا الأمر ولم تقدم على رفع الأقساط إلا بشكل طفيف كي تستمر في عملها.
بعض الجامعات طلبت من الأهالي الذين يعملون في الخارج تسديد الأقساط بالدولار ماذا عن جامعة بيروت العربية؟
لا أرى عدالة في أن أطلب من طالب لبناني تسديد القسط بالدولار وطالب لبناني غيره بالليرة ، فاللبناني الذي يعمل في الخارج يساعد أسرته في لبنان أيضاً. لكن في المقابل طبقنا الدفع بالدولار على الطلاب غير اللبنانيين ، وليس جميع الجنسيات. لأننا نعامل بعض الجنسيات مثل اللبنانيين، نظراً لظروفهم المعيشية. وهناك بعض الجنسيات تسدد بالدولار في كل المستويات العلمية. لكن لا يمكن الاعتماد على هذا الدخل البسيط.
ويضيف: في السابق كان يلتحق طلاب كثر بالجامعة وباقي الجامعات اللبنانية بسبب المستوى العلمي الجيد ومستوى العيش في البلد وحباً بلبنان. لكن حالياً لا حياة في لبنان ، حتى أبسط الأمور الحياتية باتت غير متوفرة ، والجامعات في الدول المحيطة باتت بمستويات جيدة ، لذا على الدولة اللبنانية دعم الجامعات والذهاب إلى حل شامل للخروج من الانهيار الحالي.
المصدر : المدن