أوليغ سكريبوشكا سيعود إلى كوكب موبوء بـ”كورونا”!

حين انطلق أوليغ سكريبوتشكا من الأرض إلى الفضاء في أيلول/سبتمبر الماضي، كانت أول حالة مسجلة لفيروس كورونا على بعد شهرين، ولم يكن سوى عدد قليل من الدوائر الطبية على دراية بماهية الفيروس التاجي.
الأسبوع المقبل، سيعود رائد الفضاء الروسي، البالغ من العمر 50 عاماً، إلى كوكب تغيّر بشكل جذري عن الكوكب الذي غادره.
وبينما كان سكريبوتشكا يدور حول الكرة الأرضية مرة كل 92 دقيقة، كقائد لمحطة الفضاء الدولية، انتشر الوباء في جميع أنحاء العالم، وأصاب أكثر من 1.5 مليون شخص، متسبباً بوفاة قرابة مئة ألف شخص، وواضعاً سكان الكوكب بالكامل في العزل الصحي.
تعد المحطة الفضائية، التي تبلغ من العمر 22 عاماً، والتي تجري أبحاثاً ودراسات علمية في الفضاء، على بُعد 400 كيلومتر فوق سطح الأرض، أحد أبرز الأمثلة على التعاون الروسي – الأميركي، تحت إدارة مشتركة لوكالتي الفضاء الروسية “روسكوسموس” والأميركية “ناسا”.
وبالرغم من تفشي الوباء على الكرة الأرضية، فإن “روسكوسموس” مصممة على الالتزام بجدول إطلاق الصواريخ وإعادتها للحفاظ على عمل محطة الفضاء الدولية المجهّزة تجهيزاً كاملاً، مع ضمان أن تبقى آخر موقع بشري خالٍ تماماً من فيروس “كورونا”.
على أرض الواقع، عقّد “كورونا” العمل على نقل طاقم بديل إلى المحطة الدولية، خاصة بعما ثبتت إصابة تسعة من موظفي “روسكوزموس” بالفيروس خلال الأسبوع الحالي.
دميتري روغوزين، مدير عام “روسكوزموس”، قال لصحيفة “فاينانشيال تايمز” إن تأثير كورونا كان “سلبياً للغاية”، إذ أدى إلى قطع التفاعلات الطبيعية مع وكالات الفضاء الأوروبية، واستلزم الحجر الصحي الصارم على المراكز الهندسية للوكالة الروسية والميناء الفضائي.
وتمثل أحد الشواغل الكبيرة في ضمان عدم إصابة الرواد الروسي وأحد رواد الفضاء الأميركيين الذين انطلقوا يوم الخميس من قاعدة بايكونور، التي تديره روسيا في جنوب كازاخستان، ليحلوا محل سكريبوتشكا وزملائه في الطاقم، بفيروس كورونا.
في هذا الإطار، قال روغوزين إنه “تم وضع الطاقم الدولي مقدماً في عزلة صارمة عن جميع الاتصالات الخارجية باستثناء بعض المهنيين الذين يخضعون أيضاً لإشراف طبي صارم”.
تم حرمان طاقم الإطلاق، المسمىMS-16، من توديع عائلاتهم وأصدقائهم، وأغلق المسؤولون الميناء الفضائي أمام الجمهور والصحافيين.
وقال كريس كاسيدي، رائد الفضاء الأميركي الذي سيتسلم قيادة محطة الفضاء الدولية من سكريبوشكا: “نحن واثقون تماماً من أننا سنصل إلى محطة الفضاء الدولية بصحة جيدة”، مضيفاً “منذ حوالي شهر ونحن نتبع قواعد الحجر الصحي الصارم للغاية ، وكلنا نشعر بالارتياح.”
وأظهرت لقطات قبل الإطلاق المهندسين وغيرهم من المسؤولين يرتدون أقنعة الوجه قبل أن يقوم رواد الفضاء، في بدلات الطيران، بإجراء فحوصات قبل التحليق على متن الصاروخ.
في هذا الإطار، قال روغوزين: “لقد ألغينا كافة الفعاليات التقليدية، التي كانت تجري بمشاركة الصحافة، وتم عزل مدينة بايكونور حيث يُراقب الوضع الوبائي عن كثب”، مضيفاً “لقد تم إجراء الاختبارات على جميع موظفينا – مئات الأشخاص – للكشف عن الفيروس، وكانت نتيجتهم سلبية، لكننا أعدنا إلى المنزل حوالي 300 متخصص، وهم الآن في الحجر الصحي.”
وفي وقت يفرض تفشي فيروس كورونا عزلاً على مدن بأكملها، واغلاقاً للحدود بين الدول، ووقف جميع الرحلات الدولية باستثناء القليل منها، فإن برنامج “روسكوسموس” الفضائي يبقى ركناً أساسياً لضمان بقاء محطة الفضاء الدولية، وتزويدها بالوقود والإمدادات الأساسية.
ومنذ إغلاق برنامج مكوك الفضاء التابع لوكالة “ناسا” في العام 2011، بسبب التكلفة العالية، باتت صواريخ “سويوز” الروسية هي السبيل الوحيد للوصول إلى محطة الفضاء الدولية، وقد أجبر التأخير في مشاريع الصواريخ من قبل الشركات الأميركية الخاصة وكالة “ناسا” على الاستمرار في دفع تكاليف المقاعد في عمليات الإطلاق الروسية من أجل الحفاظ على وجود أميركي في المحطة.
في 25 أبريل/نيسان، سيرسل صاروخ آخر من “بايكونور” إلى محطة الفضاء الدولية لإيصال طنين من البضائع، بما في ذلك ما يقرب من 700 كيلوغرام من الوقود، بالإضافة إلى الطعام والماء والأدوية، إلى جانب المواد المطلوبة للحفاظ على عمل الأنظمة الإلكترونية للمحطة.
وفي حال تمت العملية كما هو مخطط لها، سيكون سكريبوشكا وزميلته الأميركية جيسيكا ماير قد أمضيا 205 أيام في الفضاء، إلى جانب درو مورغان، وهو رائد فضاء أميركي آخر يعمل حالياً في محطة الفضاء الدولية، والذي سيكون قد أمضى 272 يوماً في مهمته الفضائية.
ويتمتع الطاقم باتصالات كاملة مع الأرض، بجانب إمكانية استخدام شبكة الانترنت، وبالتالي فهم على يقين بوجود وباء كورونا.
يبقى سؤال أخير: كيف سيتم التعامل مع رواد الفضاء العائدين عند هبوطهم في الصحراء الكازاخستانية، بعدما أغلقت الدولة الواقعة في آسيا الوسطى مدنها الرئيسية وحظرت وصول الأجانب؟
وفقاً لما قاله سيرغي سافين، كبير علماء الأوبئة في مركز تدريب رواد الفضاء في “روسكوسموس” لوسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي: “في كازاخستان، كما في روسيا، يجب إرسال جميع الوافدين من الخارج إلى الحجر الصحي لمدة 14 يوماً”، مشيراً إلى أنه “على الأرجح، سينطبق هذا الشرط أيضاً على أوليغ سكريبوتشكا بعد عودته من محطة الفضاء الدولية”.

لمشاركة الرابط: