اختتم مؤتمر “تحدي تجديد العروبة”، الذي نظمه “النادي الثقافي العربي”، بمناسبة الذكرى 75 لتأسيسه، في فندق البريستول في بيروت، بطاولة مستديرة، ناقشت مختلف المحاور والأفكار والمقترحات، التي تم التداول بها في جلسات المؤتمر، على مدى يومين، وقدم المنتدون مجموعة من الاقتراحات، التي تم التوافق على متابعتها، وكيفية ترجمتها في وقت لاحق، من خلال محطات ونشاطات ينظمها النادي.
وكان اليوم الثاني من أعمال المؤتمر شهد جلستين:
الجلسة الأولى، كانت بعنوان: “العرب والعالم”، وترأسها الدكتور شفيق المصري، الذي نوه ب”دور النادي الثقافي العربي، الذي كان ولا يزال، يشكل البيت الذي نأوي إليه، للتصدي لكل محاولات الشرذمة والتقسيم، واعتقد ان هذا هو هدف المؤتمر”.
المداخلة الأولى، كانت للسفير العراقي والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية الدكتور قيس العزاوي، الذي تحدث تحت عنوان: “العالم العربي والمحيط الإقليمي والدولي، والمتغيرات الجديدة”، فاستعرض “دور الأمتين الفارسية والتركية وتأثيرهما على الأمة العربية، والخلافات التي نتجت عبر المراحل التاريخية، وخسارتنا للواء الأسكندرون وسبته ومليلة والجزر الثلاث”، منتقلا إلى “الفترة الحالية وفقدان جنوب السودان واحتلال أميركا للعراق في العام 2003، وممارسات اسرائيل في فلسطين وموقف ترامب من نقل السفارة إلى القدس، وكيف أصبح الحديث عن العروبة والقومية العربية من المحرمات”.
وتطرق إلى تقارير منظمة العلوم والتربية، “التي تتحدث عن نسبة 21% من الأمية في الوطن العربي، وتتوقع أن يصل عدد الأميين عام 2024 إلى 49 مليون عربي”، كذلك تحدث عن “التقارير الدولية التي تصنف العراق وموريتانيا واليمن والصومال، في قائمة الدول الأكثر فسادا، والمؤشرات الدولية العالمية، التي تتحدث عن عدد من الدول العربية المهددة بالانهيار، إضافة إلى قوافل المهجرين والنازحين والبالغ عددهم 42 مليون عربي في العالم”، واستعرض “واقع الخليج العربي والتوتر مع إيران وحرب الناقلات والمسيرات، وتأثيرها السلبي”، كما تناول أيضا “الخلاف العربي التركي الذي لم يعد على جدول أعمال الجامعة العربية”، مذكرا ب”وجود 20 قاعدة عسكرية في العراق، بحجة وجود اتفاق قديم مع العراق، منذ أيام نظام صدام حسين، بحجة محاربة الإرهاب، بينما تبين لي من خلال مراجعة وزير الخارجية، أنه لا وجود لهكذا اتفاق”.
وتحدث عن “وجود قواعد عسكرية تركية في قطر والصومال وسوريا”، وتتطرق إلى “فتح القنوات التركية الروسية والتركية الإيرانية، ولا سيما التحالف والتعاون الاقتصادي بينهما، بينما نعاني نحن من فوضى في أنماط التحالفات العربية”.
وخلص إلى “مستجدات، لا سيما منها، عدم حصر بيع السلاح في الغرب، وقوة الصين الاقتصادية، وارتفاع معدلات النمو الهندي، والبعد التدريجي للاتحاد الأوروبي عن أميركا، ما يؤشر إلى نظام دولي جديد، لا زلنا نحن العرب خارج سياقه”.
المداخلة الثانية، كانت للوزير السابق الدكتور طارق متري من لبنان، تحت عنوان: “عروبة الاستثناء وعروبة الانتماء”، تناول فيها “غياب الديمقراطية في المشاريع العربية، والتركيز على منطق الدفاع عن الأنظمة، بحجة الدفاع عن الوطن، وتجاهل مصلحة الأفراد وحقوقهم، وتراكم الأمور وارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير والحقوق والممارسة الديمقراطية، بموازاة بروز جماعات نظمت نفسها تحت عنوان “إسلامي جهادي”.
وأشار إلى “فشل كل محاولات الإصلاح الخجولة في تحقيق أي تغيير، مع وجود خلل بنيوي في المجتمع العربي، والإخفاقات الكثيرة في الانتقال إلى الديمقراطية المشتركة، رغم المحاولات المتكررة، خصوصا في السنوات الثماني الأخيرة “الربيع العربي”، ولا زلنا في بداية الطريق”.
وعرض “التجارب السابقة وخوف واعتراض الأقليات”، مركزا على “التجربة اللبنانية التي يمكن البناء عليها، لتجديد العروبة، لا سيما بعد المصالحة معها من قبل من كان يتخوف منها قبل وخلال الحرب اللبنانية”، مؤكدا أن “هناك من يحاول إعادة تشكيل هوية لبنانية، تقوم على العداء للعرب، على خلفية عنصرية طائفية، خصوصا ضد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وهناك من يحاول التورية بغية التوصل إلى تحالف طوائف بعينها، على حساب العروبة”.
وقال: “إن الخصوصية لم تكن يوما في تاريخ العرب نقيضا للكونية، ولم تكن النهضة العربية عملية محدودة، ولم يشكل التمسك باللغة العربية مسوغا للقطيعة مع العالم، لذلك لا بد من تجديد العروبة من خلال التنازل عن مركزية “الأنا” من خلال إخصاب حياتنا السياسية في تجارب عالمية توصلنا إلى نهضة جديدة”.
المداخلة الثالثة، كانت للكاتب والصحافي اللبناني حسام عيتاني، تحت عنوان: “آفاق العروبة وتحدياتها بعد الثورات العربية المعاصرة”، وقد تحدث عن “حكم البعث في سوريا والعراق”، طارحا أسئلة واستفهامات حول “ما بعد هذا المؤتمر، من جهة أي عروبة سنجدد ولماذا، ومن هي الفئات التي ستتحمل هذا التجديد، ووفق أي مفهوم؟” وأشار إلى “عوامل عربية مشتركة أبرزتها الثورات العربية الأخيرة”، معتبرا أن “الدعوة لتجديد الخطاب الديني التي حصلت في مصر منذ سنوات، كانت تهدف إلى دعم الأزهر للسلطة في مواجهة الخصوم الإسلاميين”، وتحدث عن “تحركات الشباب العربي وشعارات الحرية والكرامة والخبز والعدالة الاجتماعية، ويؤكد وجود تحول في الصراع”، لافتا إلى أننا “نريد الشيء ونقيضه، لأننا نطالب بالوحدة بدون ديمقراطية وبالدولة بلا قانون”، سائلا عن “الهدف من تجديد العروبة، إذا لم تكن ستؤمن الحد الأدنى من العدالة للمواطن في حقه في التعبير”، مستعرضا “نظريات وتبريرات المتخوفين من الحداثة وصراع الأفكار”.
الجلسة الثانية
وكانت الجلسة الثانية تحت عنوان: “العرب والاقتصاد”، ترأسها الدكتور حارث سليمان، الذي تحدث عن “عناوين مختلفة يتم استخدامها في كل مرحلة للتعبير عن العروبة”، مستعرضا “ثقافة القطيعة”، متسائلا عن “مواكبة تطورات العالم، وخصوصا العولمة التي يدمج بعض المثقفين العرب بينها وبين الأمركة، وهما أمران مختلفان، فترامب ضد العولمة، التي تركز على الفرد وحريته في الإبداع والإنتاجية والسرعة والابتكار عبر البحث العلمي والتنافسية”، معتبرا أن “تجديد العروبة يتطلب الانخراط في العولمة والتنافس من داخلها، لأننا لا نملك ترف الاختيار في البقاء خارجها”.
المداخلة الأولى، كانت لرمزي الحافظ من لبنان، تحت عنوان: “السوق العربية المشتركة”، حيث استعرض “مراحل تأسيس هذه الفكرة نظريا من العام 1964، بقرار من جامعة الدول العربية، والمماطلة في وضع برنامجها حتى العام 1999، وإخفاق الدول العربية في قيام هذه السوق، بسبب غياب الإرادة لدى القادة السياسيين، إضافة إلى وجود معوقات إدارية واقتصادية وفنية، وغموض في نصوص الاتفاقيات وصعوبات أمام المستثمرين”، مشيرا إلى أن “كل ذلك لم يمنع من قيام اتفاقية التجارة العربية الحرة “غافتا”.
وتحدث عن “انضمام العرب إلى العديد من الاتفاقيات والمنظمات الأوروبية والعالمية، ما يعني أنهم أو على الأقل، العديد من الدول العربية، لديها الجهوزية للدخول إلى السوق العربية المشتركة”، مقترحا أن “يكون ذلك من خلال فصل مسار هذه السوق من خلافات الجامعة العربية عبر أحد الاقتراحين:
1- إقامة منظمة مستقلة لهذه الغاية بإشراف الجامعة العربية، على غرار المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
2- منظمة مستقلة على غرار منظمة التجارة العربية”.
وعرض ب”الوقائع والأرقام الفوائد التي يمكن أن تجنيها المنطقة العربية، من قيام هذه السوق”.
المداخلة الثانية كانت للدكتور سامي نادر من لبنان، تحت عنوان: “التحديات والفرص الاقتصادية”، استعرض فيها “التحديات، وأولها البطالة المستشرية في الوطن العربي، وهو ما يفسر التحديات التي تجري في أكثر من دولة عربية في هذه المرحلة”، مشيرا إلى أن “من أسباب هذا التحدي هو التنامي السكاني وضعف القطاع الخاص، الذي يمثل عصب الاقتصاد الحديث، إضافة إلى إرث الدولة الراعية وإرث الاستعمار”.
ورأى أن “حل مشكلة البطالة يتطلب الانفتاح على القطاع الخاص”، لافتا إلى أن “التحدي الثاني هو استشراء الفساد، الذي يشكل الوجه الآخر للسلطة، والذي تحول خصوصا في لبنان والعراق إلى الوجه الآخر للطائفية، ما يدعو إلى ضرورة تسريع قيام نموذج جديد للعروبة، يركز على دور الفرد ودور القطاع الخاص في الاقتصاد”.
المداخلة الثالثة والأخيرة كانت لسمير مرقص من مصر، تحت عنوان: “العروبة من مخيال محتمل إلى مخيال مكتمل”، استعرض فيهاما أسماه “المخيال الثوري لدى الجماهير بالنسبة لإشكالية العروبة، التي كانت أولى تجلياتها مع ثورة عبد الناصر عام 1952، والتي أخذت تسمية العروبة التنموية، وكانت أولى مراحل مصر عبر التاريخ من جهة تحقيق خطة تنموية، خصوصا مع نهاية العام 1966، ودور المواطن في هذه الخطة، ثم تعرض هذا المشروع لاستهدافات داخلية وخارجية”.
كما تحدث عن “الخطوات والمراحل التي تكون فيها وعي ودور المواطن العربي، ومشاركته في النهضة على مختلف المستويات”.
بعد ذلك، دار نقاش وحوار حول العناوين المطروحة في المؤتمر.