جلس في صدر الغرفة رجل قصير القامة، عابس الوجه، محاط بأربعة شبان أقوياء الجسد، خانعين الروح. لم يكن أعلمَ منهم، ولا أرحم، لكنه صرخ أولاً، فخافوا. ثم أمر، فأطاعوا. ثم وهبهم وهماً اسمه “النجاة”، فصدقوا.
كانوا يرونه القائد، وهو لم يكن سوى ظلٍّ لرعبهم، وتجسيدٍ لعمى اختاروه. لم يربطهم به منطق ولا حق، بل خوف قديم، وحاجة دائمة إلى من يفكر عنهم، ويغضب نيابة عنهم، ويصرخ حين يجب أن يصمتوا.
كل مساء، كانوا يتزاحمون حوله، يطلبون رأيه في كل شيء: متى يتكلمون؟ من يُحبّون؟ من يكرهون؟ كانوا يعرفون أنه يضلّهم، لكنه منحهم ما كانوا يفتقدونه: وهم اليقين.
هم لا يحبونه حقاً، بل يحبون الشعور بأن هناك من “يعرف” بدلاً عنهم، من “يقرر”، من “يتحمل المسؤولية” عن اختياراتهم الخاطئة. في أعماقهم، يدركون أن سيدهم هشّ، أجوف، تافه الفكر، لكنه يصرخ بثقة، ويضرب بلا تردد، ويعدهم بأن القادم أجمل — وهذا يكفيهم.
فالإنسان إذا خاف الحقيقة، عَشق الوهم. وإذا عجز عن أن يكون حراً، طلب سيداً يسجنه ويُريحه من عناء القرار. هكذا تنشأ الطغاة: لا من فرط قوتهم، بل من فرط ضعف الذين يقبلون بهم.
إن عمى البصيرة يولد الانقياد، وهذا بدوره يمنحهم الشعور بالراحة والسكينة والأمان ولذة الخضوع!
العمى عبودية وتحنيط للإرادة، وله أشكال كثيرة: فالتعصب الديني عمى، والجهل عمى، والأيديولوجيات عمى، والتحزب عمى، والارتماء في قعر التاريخ عمى، والغرور والنرجسية والنظرة الضيقة للأمور هي من الأوجه المتعددة للعمى.
العمى لا يسكن العيون دائماً، بل يسكن القلب والعقول أحياناً. وكل أعمى يختار قائده، وكل طاغية يعتاش على جُبن أتباعه.
نزيه عبدو حمد







