نسف التفتيش التربوي في التفتيش المركزي كل عمل المركز التربوي للبحوث والإنماء في وضع مناهج التعليم ما قبل الجامعي. فقد أطلق “المركز التربوي”، يوم أمس الإثنين في 19 آب، الدورات التدريبية للمكلفين بكتابة المناهج قبل إقرار الإطار العام للمناهج والأوراق المساندة له من الحكومة، من دون الأخذ بملاحظات التفتيش عليها، ولا برأي الخبراء حول الشوائب التي تعتريها. والأسوأ أن “المركز التربوي” دعا المفتشية العامة التربوية فاتن جمعة، لحضور إطلاق ورشة التدريب (بصفتها عضواً في اللجنة العليا للمناهج) لتكون شاهد زور على كل العمل الملتبس الذي قام به “المركز التربوي” سابقاً.
هدم التربية والمنافع الشخصية
عقب احتفاء “المركز التربوي” بـ”الإنجاز” صدر عن المفتشية التربوية مساء أمس، بيان رأي عنيف، اعتبرت فيه أن العمل على المناهج بـ”الشكل الحالي ليس إنجازاً وطنياً، بل هو في الحقيقة هدماً لما تبقى من التربية، خصوصاً لمرحلة التعليم الثانوي”. ولفتت إلى أن الأوراق المساندة للإطار الوطني للمناهج تتضمن اقتراحات هدفها الوحيد تحقيق منافع شخصية لبعض المشاركين في اللجان، والسير بها يشكّل هدراً للمال العام.
مصادر “المدن” تشير إلى أن رأي التفتيش التربوي هذا خرج إلى العلن، لأن المركز التربوي لم يأخذ بالملاحظات التي وضعت سابقاً حول الأوراق المساندة، لا من التفتيش ولا من الخبراء. علماً أنه سبق وقدم التفتيش بيان رأي أول وثان، فند فيهما كل عيوب الأوراق المساندة. ووضع في الاجتماعات التحضيرية ملاحظات عديدة كان يفترض أن تناقش في اللجنة العليا للمناهج، قبل رفعها إلى مجلس الوزراء، ليصار بعدها إلى إطلاق ورشة التدريب. لكن جرى تهريب الأمر، وأقدم “المركز التربوي” على إطلاق الدورات التدريبية لكتابة المناهج حتى قبل إقرار الأوراق في اللجنة العليا. وهذا أمر مخالف للقوانين، ويستدعي وقف العمل بهذه الدورات.
لجان جديدة لسد الثغرات
وقد جاء في بيان رأي المفتشية التربوية، أن عدم إقرار الأوراق الأساسية المساندة للمناهج من قبل اللجنة العليا للمناهج، يخالف القواعد والأصول المتبعة، والتي من أجلها أنشئت اللجنة العليا للمناهج لتكون حريصة ومؤتمنة على إنتاج هذا العمل بصورة علمية وأكاديمية ناجحة. وقبل إقرار الإطار الوطني والأوراق المساندة بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، يكون العمل غير قانوني.
وتلفت المصادر إلى أن إشكالية إطلاق “المركز التربوي” لدورات التدريب لا تقتصر على مخالفة القانون، بل في العمل كله الذي حصل في السنوات السابقة. فقد تبين أن تركيب اللجنة العليا للمناهج لم يكن وفق الأصول، بل جرى إقناع وزير التربية عباس الحلبي بتوسيع اللجنة تحت ذرائع واهية. فمن المفترض أن تقتصر عضوية اللجنة العليا على وزير التربية وموظفي الفئة الأولى: مدير المركز التربوي ومدير عام التربية ومدير عام التعليم المهني والمفتش التربوي العام ورئيس الجامعة اللبنانية وعميد كلية التربية… لكن جرى توسيع اللجنة وأُدخل إليها أعضاء من كل حدب وصوب لتحقيق منافع شخصية. وصحيح أن وضع المناهج يجب أن يقوم على مشاركة كل المعنيين بالقطاع التربوي والمجتمع المدني، لكن هذا لا يعني تغيير هيكلية اللجنة العليا التي يقع على عاتقها اتخاذ القرار، بناء على المناقشات التي تحصل مع كل المهتمين بالشأن التربوي.
إيهام الوزير بالإنجازات
رغم هذا العيب الأساسي في تشكيل “اللجنة”، الذي أتى خدمة لمصالح شخصية للقيمين على “المركز التربوي”، أقر الأخير الإطار العام للمناهج والأوراق المساندة له. أي جرى تهريبها بالذهاب فوراً إلى إطلاق الدورات التدريبية. فإضافة إلى ملاحظات التفتيش، سبق واستشار وزير التربية ثلاثة خبراء وكان تقريرهم عن الأوراق سيئاً للغاية. إذ تبين أن الأوراق المساندة، التي وضعت لسد العيب في الإطار العام للمناهج، بحاجة لتعديلات جوهرية بدورها. وسد الثغرات في الأوراق المساندة يعني تشكيل لجان جديدة لإجراء التعديلات. أي الدخول في نفق التنفيعات مجدداً، تقول المصادر.
وتشرح المصادر، أنه بعد عام ونصف العام من تشكيل اللجان التي كانت أحد أهدافها المنفعة الشخصية والمحسوبيات، أتى إطلاق التدريب على الشاكلة عينها. ليس هذا فحسب، بل تضمنت الأوراق المساندة نصوصاً هدفها تشكيل هيئات ولجان لتعديل التشريعات والقوانين، منها إنشاء مركز وطني للقياس والتقويم أو إعطاء صلاحيات لجهات غير ذي صفة. وهذا لا يشكل هدراً للمال العام (الجزء الأساسي منها تنفيعات ومحسوبيات للأعضاء) بل انتزاع صلاحيات من الجهات صاحبة الصفة (وزارة التربية والمركز التربوي والتفتيش التربوي) وتسليمها لهيئات غير قانونية، أو لهيئات يجري قوننتها لاحقاً غب الطلب.
وتلفت المصادر إلى أنه جرى خداع وزير التربية بأنه بصدد إطلاق إنجاز وطني لم يسبقه إليه أي وزير آخر. بمعنى أن الوزراء المتعاقبين الذين جرى إطلاق العمل على المناهج الجديدة في عهدهم لم يتمكنوا من إنجاز أي شيء. لكن حقيقة الأمر أن كل ورشة وضع المناهج التي بدأت في وضع الإطار العام منذ نحو سنة ونصف السنة كانت مجرد هروب إلى الأمام لعدم خسارة التمويل الدولي (قرض البنك الدولي). وكان الختام يوم أمس في إطلاق دورات تدريبية مشوبة بعيب قانوني وتربوي. فقد لفتت المفتشية التربوية في بيانها إلى أن “تدريب المكلفين بكتابة المناهج سيكون على سلم تعليمي يتضمن العديد من العيوب والشوائب”.
ازدواجية المهام وهدر المال العام
وفندت المفتشية العيوب التربوية والقانونية والإدارية بالتالي:
1- عملية الاختيار للحقول المعرفية للمتعلّم في الصف الحادي عشر بين الرزم الثلاث الأساسية (رزمة الحقول المعرفية المشتركة الإلزامية، ورزمة الحقول المعرفية التخصصية، ورزمة الحقول المعرفية الاختيارية) سوف ينتج عنها مئات الاحتمالات من قبل المتعلّمين. الأمر الذي لا يمكن تطبيقه في الثانويات الرسمية لا من الناحية اللوجستية ولا من الناحية الأكاديمية.
2- الدعم المدرسي في الأوراق المساندة لم يبنَ على آلية واضحة لا تحتمل التأويل لناحية كيفية ردم الثغرات واتخاذ قرار واضح حول المتعلمين المتعثرين.
3- تقويم الكفايات المستعرضة لم ينتهِ العمل به في الورقة الأساسية من التقويم. وتقويم الكفايات للمتعلمين ضمن الاوراق المساندة مرتبط بمجلس الصف الذي يضم إلى جانب أساتذة الصف الأهل ومندوبين عن المتعلّمين ومرشدين تربويين ومعنيين آخرين من المجتمع انخرطوا معهم في عملية التعلّم.
4- احتساب نسب تقييم الكفايات المستعرضة ونسب الكفايات الخاصة من التحصيل الكلي للمتعلّم غير واضحة في ورقة التقويم.
5- اعتماد التقويم على وجود أربع مراحل لتقويم الكفايات على مستوى الحلقة غير واضح. فقد تم الخلط بين المحطات الأربعة وعملية الدعم المدرسي بشكل يتعذر معه احتساب النتيجة النهائية في نهاية الحلقة. وترك الأمر للجان سوف تشكل لاحقاً لتعمل على الموضوع.
6- اقتراح استبدال الامتحان الرسمي في نهاية الصف التاسع باختبار وطني لم يتم مناقشته بين جميع مكونات الأسرة التربوية، بل اتخذ نتيجة اقتراح بعض أفراد لجنة التقويم من دون العودة إلى أي دراسة علمية تثبت حقيقة الوضع الراهن في لبنان بالنسبة للشهادة الرسمية وأسباب استبدال الامتحان الرسمي بالاختبار الوطني.
7- الأوراق تتضمن اقتراح إنشاء مراكز ومجالس وهيئات وطنية سوف يوكل إليها مسؤوليات ومهام هي من صلب الإدارات الحالية سواء وزارة التربية والتعليم العالي أو التفتيش التربوي أو المركز التربوي نفسه. وهذا الأمر قد وُضع فقط تحقيقاً لمنافغ شخصية لبعض المشاركين في اللجان. وتعتبر في حال السير بها هدراً للمال العام، إضافة لما سيرتبه ذلك من ازدواجية المهام بين عدة إدارات أو مؤسسات.
وليد حسين – جريدة المدن الالكترونية