لا إمكانيّة للإطمئنان، إلا إذا تمّ تمكين القوى العسكرية والأمنية اللّبنانية الشرعية، من ضبط المشهد الأمني بالكامل.
إذا كانت مشاهد ما حدث يوم السبت الماضي، على مستوى تبادُل إطلاق النار في بعض المناطق، لا تزال في الأذهان، لِكَوْنها تؤكّد وجود خرائط أمنية مُجهّزَة وجاهزة للإستعمال في أي لحظة، مع المخاطر التي تسبّبها. وإذا كان وضع ملف “الاستراتيجية الدفاعية” على طاولة البحث، لا يزال متعذّراً حتى الساعة، تارةً بحجّة أن الوقت ليس مناسباً لذلك، وطوراً بحجّة أن سلاح “حزب الله” هو سلاح إقليمي، إلا أن الوقائع تؤكّد وجوب العمل سريعاً على الملف الأمني، في بلد يقع ضمن منطقة قادمة الى مزيد من التأزّم، سينعكس حتماً على الداخل اللبناني، في شكل أسرع من البَرْق.
ضبط أمني كامل
فلا إمكانيّة للإطمئنان، إلا إذا تمّ تمكين القوى العسكرية والأمنية اللّبنانية الشرعية، من ضبط المشهد الأمني بالكامل، بقرار سياسي واضح. ولا إمكانيّة للإطمئنان، طالما أن بعض الخلافات العائلية والعشائرية في بعض المناطق، لا تزال مادّة لاستخدام مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثّقيلة. ولا إمكانية للإطمئنان، إذا استمرّت بعض الأطراف الداخلية بتعاطيها مع الجيش اللبناني، ومع القوى الأمنية اللبنانية، على غرار تعامُلها مع قوات “يونيفيل”، أي على طريقة أنه يُسمَح لها بدخول هذه المنطقة أو النّقطة أو تلك، أو لا، بذرائع لا حدود لها.
المشهد الأمني شديد التشعُّب، فيما بعض الأطراف تحاول حَرْف الأنظار عن ملف ضبط الحدود، وجَعْل الجميع يغرقون في مستنقع الشوارع والأزقّة الداخلية، من جديد. فيما لبنان وحده يبقى ضحية ما يُمكنه أن يحصل، خصوصاً أن المنطقة عموماً قادمة الى متغيّرات وتطوّرات كبيرة.
واضح برسالته
أشار مدير “المنتدى الإقليمي للدّراسات والإستشارات”، العميد الركن خالد حماده، الى أن “القوى التي خرّبَت تظاهرة يوم السبت الماضي هي ذاتها، سواء كانت في قلبها أو خارجها. لقد ضربت الثّورة من الداخل والخارج، وذلك رغم سحب عنوان المطالبة بتطبيق القرار 1559”.
وأوضح في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” أن “حزب الله” لم يَكُن يريد أي حركة رفض في الشارع أبداً. والتقت مع عناصره، عناصر من حركة “أمل”، ومجموعات أخرى مندسّة تدور في فلكه (حزب الله)، وهو ما انعكس على سلوك القوى الأمنية، التي وقفت في الوسط، بينما كان يتوجّب عليها أن توقف الإعتداءات على الأطراف السلميّة”.
وأضاف:”انطلاقاً من هنا، لاحظنا غياب دور القوى الأمنية سواء في ساحة الشهداء، أو في الطريق الجديدة، وحتى في عين الرمانة. والخطورة هي أن الفتنة لا تزال مستمرّة، و”حزب الله” كان واضحاً برسالته حول استعداده للذّهاب الى حرب أهلية، إذا تمّت المطالبة بنزع سلاحه”.
قوّة شرعية
وردّاً على سؤال حول تأثير ما حصل على الملفات الكبرى المرتبطة بلبنان، أجاب حماده:”الصّراع في جنوب لبنان مثلاً، يقوم على المواجهة بين إيران و”المجتمع الدولي”، عبر “حزب الله”. وهو ما يفسّر الجدل حول إمكانية التجديد أو عدم التجديد لقوات “يونيفيل”، وشروط ذلك”.
وقال:”الحديث عن الملكيات الخاصة لمنع عمل “القوات الدولية” في الجنوب، هو نظرية غريبة. فأيّ قوة في العالم تحفظ الأمن بموجب القانون. فضلاً عن أن الدستور اللّبناني والقوانين اللبنانية تحترم الملكيات الخاصة والحريات الشخصية، ولكن هذا لا يعني حماية الأسلحة الموجودة في المنازل”.
وشرح:”قوات “يونيفيل” ليست قوّة أجنبية محتلّة، بل قوّة دولية شرعية دخلت الى لبنان بقرار من مجلس الأمن الدولي بعد طلب من الحكومة اللبنانية. وهي تنسّق مع 10 آلاف عنصر عسكري لبناني، ويوجد جهاز ارتباط بين الطرفَيْن، فيما رؤساء حكوماتنا يزورون مقرّاتها”.
إقليمياً؟
وعن ضرورة ترتيب المشهد الأمني اللّبناني، عشيّة متغيّرات كبيرة في الشرق الأوسط، لفت حماده الى أن “المنطقة أمام تغيُّر في ميزان القوى لصالح الولايات المتحدة الأميركية، بموازاة التخلّي الأميركي الواضح عن كلّ تفاهمات واشنطن السابقة مع طهران”.
وتابع:”احتلّت إيران المنطقة خلال سنوات سابقة بضوء أخضر من قِبَل الأميركيّين. وأما اليوم، فإننا نجد إعادة تموضُع أميركي في المنطقة، وإعادة توزيع لخريطة النفوذ، مع قرار واضح بتقليص النّفوذ الإيراني”.
وأكد أن “ما يحصل في العراق حالياً هو أن ميزان القوّة يميل لصالح واشنطن، في وقت يجاهر رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي بأن العراق لن يُحكَم إلا بالسّلاح الشرعي. وفي سوريا أيضاً، كفّت واشنطن يد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولم تَعُد فرنسا طرفاً مُعتَرَفاً به كمفاوض في الملف السوري. وهو ما يعني نهاية فترة السّماح التي أُعطِيَت لفرنسا مع إيران و”حزب الله”.
عملية عسكرية
وشدّد حماده على أنه “يتوجّب انتظار إذا ما كان سيتمّ التجديد لقوات “يونيفيل” في جنوب لبنان أو لا، ولا سيّما أن الطرف الأميركي قد يرفض تمويل التجديد إذا تمّ بالشّروط الحالية ذاتها، وهو ما يعني في تلك الحالة فتح الجبهة الجنوبية على أي احتمال عسكري. وهذا يلتقي مع كلام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول أنه إذا امتلكت إيران قدرات نووية تكتيكية بحلول أيلول القادم، فإن إسرائيل ستشنّ حرباً حتى ولو من دون غطاء دولي”.
وختم:”مأزق السّلاح في لبنان هو أنه يحاول أن ينسج تفاهمات في الداخل، حتى لا تُفتَح عليه معركة الخارج مع الداخل. ولكن القرار الخارجي مُتَّخَذ، وهو أن إيران يجب أن تخرج من سوريا. وهذا يعني أيضاً أنه يجب عليها أن تخرج من لبنان. فإذا قبِلَت الخروج من سوريا بالدّيبلوماسية، فإنها ستخرج من لبنان بعملية عسكرية ربما، إذا رفضت ذلك. ومن هنا، فإن لبنان هو مسرح العملية القيصرية الأقسى”.
المصدر: وكالة أخبار اليوم