دانيا نصولي… من بريق الألماس إلى تمكين النساء: قصة لبنانية تلمع بالإصرار والإبداع

إكرام صعب
في عالمٍ يضجّ بالأزمات والتحولات الاقتصادية، تظلّ بعض القصص شاهدة على أن الشغف والالتزام قادران على تحويل التحديات إلى فرص.
من بين هذه القصص، تبرز تجربة اللبنانية دانيا نصولي، مديرة التسويق في مجوهرات نصولي، التي استطاعت عبر مسيرة تمتدّ لأكثر من أربعة عقود أن تمزج بين الفخامة والإبداع، وبين الحرفية التقليدية والابتكار العصري، لتجعل من اسم “نصولي” علامة راسخة في ذاكرة اللبنانيين ومحبي المجوهرات حول العالم.
تميّزت نصولي بفلسفتها الفريدة في التعامل مع الألماس، فهي لا تراه مجرّد حجر كريم، بل قصة تُنحت وتُروى عبر التصاميم.
من المنجم إلى يد العميل، تتابع  نصولي  – كما تُعرف العلامة – مسارها بكل احترافية:
كلام نصولي  جاء خلال  مشاركتها في مؤتمر “أنا لبنانية عربية” الذي انعقد في بيروت الأربعاء لتؤكد أن قصتها تتجاوز حدود الصناعة إلى رسالة اجتماعية أعمق.
ففي كلمتها خلال المؤتمر، شدّدت  نصولي على أن “التمكين الاقتصادي للنساء هو أحد مفاتيح النهوض بلبنان من جديد،” مشيرة إلى “أهمية التعاون بين الدولة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص لفتح المجال أمام الطاقات الشابة والنسائية.”
تقول دانيا  إن الشركة” اشتهرت بأربع مجموعات رئيسية تعبّر عن هوية العلامة وتنوّع أذواق عملائها:
أولها أطقم الأعراس التي تجمع بين الفخامة الكلاسيكية والرقي الحديث،
وثانيها الأحجار الكريمة النادرة التي تصل إلى ستين قيراطًا وتُعتبر من النوادر في العالم،
وثالثها المجموعات الكلاسيكية التي لا تبطل موضتها بمرور الزمن،
أما المجموعة الرابعة فهي تلك التي تواكب أحدث صيحات الموضة العالمية لتلبي احتياجات الجيل الجديد من النساء العصريات.”
وتضيف “بدأتُ العمل في هذا المجال بخطوات صغيرة، لكن بشغف كبير. ومع الوقت، تحوّل الحلم إلى مشروع، والمشروع إلى مؤسسة متكاملة. في البداية كنت أشارك في بعض التفاصيل الخفيفة، ثم أصبحتُ شريكة حقيقية في التصميم، والتسويق، والإدارة، والإشراف على كل مراحل الإنتاج. واليوم، يسعدني أن أولادي بدأوا باستلام المسؤولية، حاملين معهم روح الابتكار التي لطالما آمنت بها.”
وفي المؤتمر دعت نصولي   إلى تمكين المرأة مهنياً واقتصادياً وقالت:“الكثير من النساء يمتلكن الموهبة والطموح، لكن ما ينقصهن هو التوجيه والخبرة القانونية لتأسيس مشاريعهن رسميًا. بفضل التعاون مع الجهات الداعمة، استطاعت العديد منهن تسجيل شركاتهن وتوسيع أعمالهن وتحقيق استقلال مهني حقيقي.”
وقدّمت نصولي شكرها إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ووزارة الاقتصاد والتجارة على جهودهما في دعم الرائدات وسيدات الأعمال، مؤكدة أن هذا الدعم العملي—not النظري—هو ما يصنع الفارق الفعلي في حياة النساء.
المرأة في قلب الصناعة
اللافت في تجربة “مجوهرات نصولي” هو الحضور القوي للمرأة داخل المؤسسة.فبحسب نصولي، العنصر النسائي يشكّل العمود الفقري للشركة، إذ تؤمن بأن المرأة تمتلك حسًّا فنيًا عاليًا ودقّة في التفاصيل تجعلها متميّزة في هذا المجال.
وتقول:“أنا أحرص دائمًا على توظيف النساء في الشركة، ليس فقط لأنهنّ مبدعات، بل لأن دعم المرأة في سوق العمل ينعكس إيجابًا على المجتمع بأكمله. كل امرأة تتعلّم وتعمل وتُبدع، تخلق حولها دائرة أمل وفرص جديدة.”
وترى نصولي أن صناعة المجوهرات ليست مجرد مهنة فنية، بل قطاع حيوي قادر على دعم الاقتصاد الوطني، إذ يعمل فيه ما بين 120 إلى 170 ورشة أو معمل، وتستفيد منه أكثر من 9000 إلى 10,000 عائلة لبنانية.
وتوضح:“هذه ليست مهنة تُنقل بشكل تقليدي من جيل إلى جيل، بل صناعة متكاملة تحتاج إلى تدريب ومهارة ودعم مؤسساتي. لذلك نطالب الدولة بفتح معاهد مهنية لتدريب النساء اللواتي لا يملكن شهادات جامعية، ليكتسبن مهنة تضمن لهنّ دخلًا كريمًا واستقلالًا اقتصاديًا.”
تؤمن دانيا نصولي بأن الأزمة، مهما كانت قاسية، تخلق فرصًا جديدة.
وتقول:“الأزمة التي مرّ بها لبنان لم توقف روح المبادرة، بل كشفت عن شجاعة لبنانية لا تنكسر. في كل أزمة هناك مجال للنهوض من جديد.”
وتشير إلى أنه خلال عام 2020، وفي ذروة الانهيار الاقتصادي، تم تسجيل 3,351 مشروعًا جديدًا في لبنان،منها 64% في قطاع الصناعات الغذائية،
و25% في قطاع المستحضرات التجميلية،
والنسبة المتبقية في مجال الموضة والأزياء.
وتتابع:“هذه الأرقام تُثبت أن اللبنانيين لا يستسلمون، بل يحوّلون الأزمات إلى فرص، وأن النساء في طليعة هذا التحول.”
الهوية اللبنانية في قلب التصميم
بالنسبة إلى نصولي، لا يقتصر الإبداع على الشكل الجمالي للمجوهرات، بل يمتدّ إلى الهوية الثقافية التي تعكسها كل قطعة.
توضح” إن الحفاظ على اللمسة اللبنانية في التصميم أمر جوهري، فكل حجر وكل تفصيل يحمل بصمة من روح الحرفيين اللبنانيين الذين جعلوا من الصناعة اليدوية تراثًا متجدّدًا”.
وتضيف:“المرأة اللبنانية ليست فقط شريكة في الإنتاج، بل ركيزة في الحفاظ على الهوية الوطنية والتراث المهني. الكثير من المهن التقليدية في لبنان — من صياغة الذهب إلى التطريز وصناعة الصابون والخزف — تقوم اليوم على جهود نساء حولن مهاراتهن إلى مشاريع ناجحة. وهذه المشاريع ليست مجرد مصدر دخل، بل رمز لاستمرار الحياة رغم كل التحديات.”
وتختم دانيا نصولي حديثها برسالة مفعمة بالإيمان بلبنان وبقدرات النساء:“قصة نصولي ليست قصة نجاح فردية فقط، بل هي نموذج يُثبت أن لبنان ما زال قادرًا على النهوض. نحن نؤمن بأن الاستثمار في النساء هو استثمار في مستقبل لبنان. من الألماس الذي نُشكّله إلى المشاريع التي تُنبت وسط الأزمات، تبقى الإرادة أقوى من كل الظروف، والمرأة اللبنانية دائمًا في الطليعة، تلمع كما يلمع الألماس، مهما كانت العتمة من حولها.”
[email protected]

لمشاركة الرابط: