جذبت الإمارات الانظار إليها مجددا، ولكن بطريقة مختلفة هذه المرة، فالإنجاز ليس مرتبطا ببرنامجها الفضائي، ولا بجهودها في مجال الطاقة النظيفة، أو حتى مشاريعها العملاقة على مستوى العمران، بل اختارت هذه المرة الكتاب والقراءة عنوانا جديدا لقصص نجاحاتها، وأثبتت مجددا أنها قادرة على ملامسة مرحلة الكمال في كل مبادراتها.
وتسيد الكتاب المشهد الثقافي في الإمارات، وسط تفاعل فريد شكل سلوكا مجتمعيا متجانسا عبر عن أهدافه الرئيس الاماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قائلا: “القراءة هي المهارة الأساسية لجيل جديد من العلماء والمفكرين والباحثين والمبتكرين، وجهنا بأن يكون عام 2016 عاما للقراءة”.
بهذا الإعلان، أضاءت الإمارات طريق أبنائها نحو مستقبل أفضل عبر بوابة العلم والقراءة، ومنذ تلك اللحظة وكل جزء في هذه الدولة يحيك خيطا في نسيج متجانس لترتسم اليوم صورة متألقة تستقبل بها الإمارات شهر القراءة الذي حدد بشهر مارس الجاري.
تلاحقت النشاطات بعد هذا الإعلان لتمضي بتناغم فائق لتشكل مجتمعة احتفائية كرنفالية كفل التوجيه الرسمي والزخم الشعبي لها النجاح والاستمرار.
خلوة لمائة شخصية وطنية بارزة، لجنة عليا للإشراف على عام القراءة، وقانون وسياسة وطنية للقراءة، وصندوق لدعم القراءة بقيمة 100 مليون درهم، لم تكتف الإمارات بذلك احتفاء بالقراءة والكتاب، فتزاحمت المبادرات لتعتلي المشهد الثقافي في الدولة، وأعلن عن “مكتبة الإمارات الذكية” والتي تخدم أكثر من 90 ألف موظف بالوزارات والهيئات الحكومية الاتحادية كما تتيح ما يزيد عن 130 ألف كتاب إلكتروني و 112 ألف دورية و400 ألف كتاب.
أحدثت الإمارات بكل ذلك الزخم تغييرا تسعى لجعله نمطا دائما ومؤثرا في بناء الشخصية الإماراتية والأجيال الجديدة، وهي تمضي في ترسيخ مكانتها كعاصمة مستدامة للمعرفة، يتجاوز تأثيرها الإمارات لتمتد آثاره عربيا عبر مبادرة “تحدي القراءة العربي” الذي تحول إلى أضخم أولمبياد معرفي لنشر القراءة وآليات تعزيزها في العالم العربي من خلال مشاركة أكثر من 3.5 ملايين طالب وطالبة من مختلف مدارس الوطن العربي، قرأوا خلال العام الدراسي أكثر من 150 مليون كتاب.
وفي سياق متصل، أعلن عن إطلاق مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم كأضخم مكتبة من نوعها تضم أكثر من 4.5 ملايين كتاب ما بين ورقي وإلكتروني وسمعي، بهدف رفع مستوى الثقافة المعرفية في العالم العربي.
وستعمل المكتبة على طباعة وتوزيع 10 ملايين كتاب في العالم العربي خلال الأعوام القادمة، واحتضان جوائز محمد بن راشد للغة العربية التي تبلغ قيمة جوائزها 2,4 مليون درهم، وإطلاق برنامج لدعم المحتوى العربي بترجمة 25 ألف عنوان. وبالإضافة لذلك ستكون حاضنا وداعما لتحدي القراءة العربي الذي يضم 2.5 مليون طالب من 20 ألف مدرسة في العالم العربي يعملون على قراءة 125 مليون كتاب سنويا. كما تضم المكتبة مركزا خاصا لترميم المخطوطات التاريخية، ومعارض أدبية وفنية، وملتقى للمهتمين بالثقافة والعلوم، ومتحفا للتراث وتاريخ الحضارة الإنسانية.
تبدو تلك الخطوات واثقة يطل من كل زواياها الأمل بمستقبل أكثر إشراقا .. وفي هذا السياق عبر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عن ذلك قائلا: “سياسات واستراتيجيات القراءة هي سياسات لبناء أمة وترسيخ شعب مثقف واع متمكن متسامح”.
لم تغب وزارة التربية والتعليم ذات العلاقة اللصيقة بالنشء عن ذلك المشهد، وأعلنت وزارة التربية وضعها خطة للقراءة تركز على أربعة توجهات رئيسية هي: تعزيز القدرات اللغوية للطلبة، وترسيخ القراءة كجزء أساسي في النظام التعليمي، فضلا عن تأهيل الكوادر التعليمية فيما يتعلق بكيفية غرس حب القراءة في نفوس الطلبة.
ورصدت الوزارة ميزانية كبيرة لتزويد المكتبات المدرسية بالكتب والمراجع الممنوعة، وأطلقت منصة للقراءة التفاعلية “دارفة” تحوي كتبا وقصصا إلكترونية وتفاعلية ومسابقات وألعابا وتحديات يعايشها الطالب بجانب تخصيص حيز من اليوم الدراسي يتيح للطالب القراءة اليومية.
أما على مستوى وزارة الصحة، فأعلنت عن مشروع الحقيبة المعرفية للمواليد المواطنين على مستوى الدولة التي تدرب أولياء الأمور على القراءة للأبناء، ومشروع توعوي يركز على إقناع الأسر بقيمة القراءة، إضافة لمشروع القراءة للمرضى عن طريق المتطوعين حيث أثبتت الدراسات أنها تحسن من حالتهم النفسية بشكل كبير وتحمي المقيمين في المستشفيات لفترات طويلة من اضمحلال قدراتهم الذهنية.
وأطلق المجلس الوطني للاعلام خطة وطنية متكاملة بمشاركة مختلف الجهات والقطاعات الإعلامية المعنية، وأكد المجلس أن الإمارات مقبلة على مرحلة جديدة ستعزز معها مكانتها كمنارة للمحتوى والنشر والفكر والمعرفة، وأن الإعلام سيكون شريكا إستراتيجيا في ترسيخ ثقافة القراءة كسمة بارزة لمجتمع دولة الإمارات.
كل ذلك الحراك الثقافي الذي بات أشبه بكرنفال احتفالي ثقافي يشير بوضوح إلى النتائج التي يمكن أن تحققها الإمارات في ظل كل ذلك الزخم والاهتمام.