خاص- nextlb – الجزائر
خص الدكتور سعيد بن يحي بهون علي، الباحث في أدب وثقافة الأطفال بجامعة بومرداس في الجزائر nextlb بمشاركة قيمة هي جزء من محاضرة ألقاها في المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الجزائر مؤخرا، تطرق من خلالها إلى أثر الرسوم المتحركة على قيم الأطفال، مركزا على القوة المؤثرة التي تلعبها وسائل الإعلام وتأثيرها على الأجيال ، و مضيفا أن 90 بالمائة من شخصية الطفل تتشكل خلال المرحلة العمرية التي لاتتجاوز السنوات الست ، وهي المدة التي يجلس فيها الطفل مطولا أمام التلفزيون ليتشبع بقيم الغير، وبخاصة أن أغلب الرسوم المتحركة تأتينا من الغرب.
ونصح بعدم السماح للطفل بالجلوس أمام التلفزيون لفترات طويلة ، وأن يعطى حقه من الإهتمام واللعب والاستماع من قبل الوالدين مهما كانت ظروفهما، فهذا حقه المشروع.
الإعلام والتلفزيون:
يعتبر الإعلام بمختلف وسائله من أهمّ المؤسّسات المساهمة في تشكيل شخصية الطفل، من حيث المعايير والقيم والاتّجاهات، إلى جانب كلّ من الأسرة، والمدرسة، والبيئة.
ويشبّه أحد المبدعين التلفزيون في إحدى الأساطير بمارد له قوّة خرافيّة وطاقات فوق مستوى التصوّر البشري، نزل إلى قرية فعمل فيها هدما وتحطيما وتخريبا، فاجتمع حكماء القرية ليتشاوروا في أمر هذا المارد الجبّار، وانتهى بهم الرأي إلى الشيء الوحيد الذي ينقذهم من شروره وهو أن يقوموا بتركيب عقل في رأسه.. وانتهزوا الفرصة بالفعل فرصة نوم المارد، ونجحوا في أن يركّبوا عقلا في رأسه، فلما أصبح الصباح كان المارد بقدراته الهائلة قد أخذ على عاتقه مساعدة كلّ أهل القرية في أعمالهم. قصة تعبر بوضوح عن القدرات الهائلة للتلفزيون في التأثير على الفرد والمجتمع.
مشاهدة الطفل للتلفزيون أهمّ أسبابها ثلاثة، حدّدها (ولبر شرام وزملاؤه) وهي: التسلية، الهروب من الواقع، تقوية العلاقات الاجتماعيّة.
تعريف الرسوم الـمتحرّكة:
“هي بثّ الحياة في الرسوم والمنحوتات والصور والدمى، وذلك بفضل تعاقب عدد من الصور المتتالية لبعض الأشكال، أو عن طريق عدد من الرسوم التي تمثل المراحل المتعاقبة للحركة، معتمدة على مبدأ التسجيل صورة بصورة” ، وهي فنّ تحليل الحركة اعتمادا على نظرية بقاء الرؤية على شبكية العين لمدة 01/10 أجزاء من الثانية بعد زوال الصورة الفعلي، وقد بدأت الرسوم المتحرّكة في شكلها الراهن مع بداية فنّ السينما، ويعتبر والت ديزني أوّل من حوّل ذلك الفنّ إلى صناعة متكاملة.
حسنات الرسوم الـمتحرّكة:
تقدّم المفاهيم المجتمعية بصورة مبسّطة محبّبة إلى قلب الطفل. وتنمّي قيما إيجابيّة منها: إحترام العلم والعلماء، الإيمان بالله واحترام الرسل، الإحساس بالولاء للوطن والاعتزاز بتاريخه، التضحية من أجل الوطن، طاعة الوالدين، الصدق، إحترام الصغير للكبير، الصبر وقوّة التحمّل، إحترام العمل، أهمّية الوقت، حبّ السلام، الادّخار.
وتقدّم من الناحية التعليميّة معارف متقدّمة في مرحلة مبكّرة، فتعلّم الطفل الحروف الأبجديّة والأرقام وكيفيّة استخدامها، ممّا يساعد أيضا على تعلّم اللّغة، وتزوّده بمعلومات ثقافيّة منتقاة بأسلوب سهل جذّاب (بيئات جغرافيّة معيّنة، قضايا علميّة معقّدة كعمل جسم الإنسان.. الخ).
كما ترسّخ القيم الوطنيّة من خلال تقديم أفلام تاريخيّة بصورة محبّبة، فيبرز البطل الوطني وكيف يعيش من أجل بلده ومن أجل الحرية والنموّ والتطوّر.
كما تعلّم الأخلاق والقيم، وتقدّم نظرات حول توازن قوى الخير والشر، وتنمّي فيهم الشعور بالأمن.
وتلبّي بعض احتياجات الطفل النفسيّة، وتشبع له غرائز عديدة مثل: حبّ الاستطلاع، المنافسة والمسابقة من أجل النجاح والفوز، التسلية والترفيه.
كما تنمي الرصيد اللّغوي، وتقويم اللّسان، وتصحيح النطق. وتنمي كذلك الخيال وتغذيه ، فتجعله يتسلّق الجبال ويصعد نحو الفضاء ويقتحم الأحراش ويسامر الوحوش، وتعلّمه أساليب مبتكرة متعدّدة في التفكير والسلوك.
سلبيات الرسوم المتحرّكة:
تبثّ قيما سلبيّة مثل التلقّي بدل المشاركة، الاتّكالية، الغيرة، الغرور، الأنانيّة، الكذب، الخيانة والخداع .
وتغرس أنماطا سلوكيّة سلبيّة كتدميرالأدوات، عدم المبالاة، السرقة، عدم الاحترام والتقدير.
وتعيق النموّ المعرفي الطبيعي، فالمعرفة الطبيعيّة تقتضي تحرّك طالب المعرفة مستخدما حواسّه كلّها، بينما الرسوم تكتفي من حواس الطفل بالسمع والرؤية، ولا تعمل على شحذ هذه الحواس وترقيتها، فلا تعلّمه كيف ينتقل من السماع المباشر إلى السماع الفعّال، من الكلمات والعبارات إلى الإيماءات والحركات، ثم إلى الأحاسيس والخلجات.
وتخلف بعض الأضرار الصحّية؛ من خلال الجلوس لفترات طويلة وإدامة النظر للشاشة هناك ضرر على جهاز الدوران والعينين.
وتسبب تناقص التواصل الأسري ، وتقوم بتقديم تصوّرات مناقضة للمنطق وللدين حول مفهوم الغيب والقوى الخارقة.
كما أنها تشبع عقل الطفل بقيم الثقافة الغربيّة، الظاهرة والخفيّة ، وتنمي الدافعية نحو العنف والجريمة، من خلال الاستثمار في عنصر الإثارة والتشويق، وقد أكّدت دراسات عديدة أنّ هناك ارتباطا وثيقا بين العنف التلفزيوني والسلوك العدواني.
ومن سلبياتها أيضا أنها تبلّد الإحساس بمعاناة الآخرين، من جراء مشاهدة الطفل لمشاهد العنف بكثرة مع الإيقاع السريع للأحداث مما لا يتيح له التوقّف والتأمّل في نتائج الأحداث وعواقبها.
مع الملاحظة بأن أغلب الرسوم ظاهرها المرح والمتعة والحركة الزائدة، وباطنها مهووس بالجنس والرموز الغريبة والحركات الإيحائيّة، والخوارق والسحر والشعوذة .
الرسوم الـمتحرّكة حقائق ومسلّمات:
تعدّ الرسوم المتحرّكة من أكثر المواد الإعلاميّة تأثيرا في نفس الطفل، إذ تتوجّه إلى خياله فتداعب حبّه للألوان والحركة والمفارقات المدهشة، فهي له عالم سحري يجعله في آفاق رائعة وممتعة.
وتؤثّر الرسوم المتحرّكة تأثيرا بالغا في وجدان الطفل إلى الحدّ الذي يحقّق معها حالة تماثل قصوى، لأنّ الصورة المتحرّكة المصحوبة بالصوت في المراحل المبكّرة للطفل تتجاوب مع الوعي الحسّي والحركي لديه، وتحدث استجابات معيّنة في إدراكه، تساهم فيما بعد في تشكيل وعيه وتصوّره للأشياء من حوله، لأنه يختزنها وتصبح رصيده الثقافي والوجداني والشعوري.
وتعتبر أفلام الكرتون إحدى أدوات بناء الوعي لدى الطفل، فهي لم تعد فقط مجالا للتسلية بل أصبحت من أهمّ روافد بناء القيم.
وتقدّم الرسوم المتحرّكة الأكثر شهرة مثل رسوم “والت ديزني” وسواها للطفل في دول العالم النامي قيم المجتمعات الغربيّة، التي تركّز على التفوّق والإنجاز الفردي على حساب قيمة الجماعة، كما أنّها تقدّم مجتمعات مثالية تقوم على منطق الاستهلاك، فالبطل دائما فردي في أفلام الرسوم المتحرّكة وهو طفل “سوبرمان” من نوع ما مخلص دائم من الشر، وعليه يجري الاعتماد باستمرار لحل المشكلة التي قد تؤدّي لكارثة.
ومن نماذج هذه الرسوم “توم وجيري” و”وودي وود بيكر” وسواهما، يقدّم قيمة “انتصار الشرّ” بفضل الذكاء وخفّة الدم والقدرة على سبك مقالب طريفة.
الرسوم المتحرّكة دراسات وإحصاءات:
تشير الدراسات العلميّة أنّ من بين كلّ عشرة آلاف طفل هناك خمس حالات لأطفال يقومون بتقمّص شخصيات الكرتون وما يشاهدونه، وهم ينحدرون من أسر لا تهتمّ بأبنائها ولا تحرص على متابعتهم أو معرفة ما يدور في أذهانهم.
وفي دراسة علميّة رقمية حول القيم الإيجابيّة والقيم السلبيّة في رسوم “توم وجيري” أثبت الآتي:
47.62 %لقيم الخداع والحيل (7 دقائق 20 ث).
19.05 %موزعة بين قيمة الإزعاج والضجيج وقيمة السخرية (5 دقائق 13 ث).
09.52 %قيمة الوفاء (دقيقة و02 ث).
04.76 %قيمة المعاكسات 0 دقيقة و02 ث.
بمعنى 12.35 دقيقة قيم سلبية و1.12 دقيقة قيم إيجابية.
الخلاصة والحلول المقترحة:
تصبح الرسوم المتحرّكة خطرا حقيقيّا حينما تخرج عن سياقها الحضاريّ الذي نشأت فيه، فتعتبر لذلك سموما قاتلة، ومكمن الخطر أنّ المرسل والرسالة يحافظان على جوهرهما، ويتغيّر المرسل إليه وهو هنا الطفل، ليكون ابن حضارة مغايرة يتلقّى رسالة غريبة من مرسل غريب عنه، ويحاول هضمها في إطار خصوصيته وهويته، فتصبح الرسالة في هذه الحالة مثل الدواء الذي صنع لداء معيّن، فيتمّ تناوله لدفع داء آخر وتكون النتيجة داء جديدا.
والمطلوب في هذه الحالة ، قضاء ما أمكن من الأوقات مع الأبناء ، في الحوار والمشاركة في اللعب ، والمرافقة للتسوّق.
وتوفير بدائل بنّاءة مثل الكتابة والرسم ، اللّعب بالطين، والألعاب التربويّة، وارتياد الأندية التي تحتضن الأطفال ، وانتقاء ما يشاهد من الرسوم، مع المراقبة والتوجيه، وضبط الأوقات وتنظيمها. وإنشاء مراكز تسلية علميّة للطفولة في لأحياء ، وتحفيز الكفاءات والمؤسّسات على إنتاج برامج إعلاميّة موجّهة للأطفال ، وتفعيل هيئات التوجيه من وزارت الثقافة والإعلام ، والتفكير جدّيا في إنشاء قناة خاصّة للأطفال.